الحرف اليدوية بمصر.. هل يوفر الاهتمام الرسمي فرص النجاح؟

اهتمام رسمي متواصل بالحرف اليدوية فهل تشهدا صعودا بمصر ؟ - تصوير خاص (3)
اهتمام متواصل بالحرف اليدوية في مصر (الجزيرة)

القاهرة – "الرئيس السيسي يوجه بفتح معرض دائم لأصحاب الحرف اليدوية"، بهذا التوجيه الرئاسي، تتردد في مصر في الفترة الأخيرة نغمة متصاعدة من جهات متعددة تهتف بالأغنية المصرية الشهيرة "يا حلاوة الإيد الشغالة"، للارتقاء بالحرف اليدوية، بعد تعرض تلك الحرف لموجة تهديد وهجران رسمي امتد إلى 30 عاما، وفق تصريحات رسمية ومراقبين.

ودعا خبراء تحدثوا للجزيرة نت إلى حزمة من الخطوات الشاملة تؤدي إلى ترسيخ الاهتمام الرسمي بتلك الصناعات في تربة الدولة المصرية كمؤسسات، بحيث يكون الاهتمام ذا جذور مؤسسية وتوجه إستراتيجي من أجل إتاحة الفرص لتمكين الصناع من الاستمرار والتطور، ومن بينها الخطوات التعليمية والتعاونية والتنظيمية والتسويقية والمالية.

مشغولات يدوية تعتمد على الحرف العربي في مصر (الجزيرة)

خارطة التطوير

من جانبه يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الحافظ الصاوي -في تصريحات خاصة للجزيرة نت- أن الصناعات اليدوية هي أحد الأعمال المطلوبة بشكل كبير جدا بمصر لتخفيف حدة البطالة على كافة المستويات، سواء في الأعمار المختلفة لكل من هم في سوق العمل، أو بالمناطق المختلفة في عمق الريف أو مناطق الصعيد التي تعاني من معدلات فقر عالية.

ويطالب الصاوي الحكومة بتقديم الكثير من المساعدات للصناع والحرفيين عبر عرض المشروعات والمعارض، والمساعدة في التسويق وعمليات الإرشاد التسويقي، بحيث يتم توضيح الفرص التسويقية والتفضيلية للجمهور حتى يتواكب معها نشاط الصناع مثل صناعات النسيج والتريكو التي تحتاج إلى معلومات متجددة في التسويق حتى تجد المنتجات قبولا وتسويقا.

د.عبد الحافظ الصاوي
الصاوي يدعو إلى تكوين جمعيات تعاونية للصناعات الحرفية على مستوى مصر لدعمها (الجزيرة)

ويدعو الصاوي إلى تكوين جمعيات تعاونية للصناعات الحرفية على مستوى القطر لتقديم الدعم المباشر والمستمر لهذه الصناعات، وعلى سبيل المثال إذا تم إنشاء جمعية في محافظة قنا جنوب مصر وإذا حُصر الصنّاع بطريقة صحيحة؛ سيتم شراء المواد الخام بطريقة جماعية موفرة ويتم تسويقها بشكل يفيد الجميع عبر جهد جماعي منظم.

ويقترح الصاوي تقديم ميزات ضريبة مخفضة لمراكز التسوق الكبرى على مستوى مصر مقابل قبولها بعرض مساحات تسويقية تطوعية للصناعات اليدوية بشكل يمكن الصناع من الوصول مباشرة لمراكز ثقل الشراء والجمهور.

كما يدعو الخبير الاقتصادي جهات التمثيل التجاري المصرية بتبني الصناعات اليدوية في برامجهم الخارجية عبر تنظيم المعارض الدولية، وتمكين الجمعيات التعاونية المقترحة لدعم الصناع من السفر عن طريق ممثلين لها لإثراء تلك المعارض.

ويحذر الصاوي من إثقال كاهل الصناع بقروض ذات فوائد، مؤكدا أهمية أن يكون تمويل المشروعات لا يتم من خلال القروض؛ وإنما بتمويل ذاتي أو تمويل تعاوني لا يحصل على سعر فائدة، بحيث تكون تكلفة التمويل قائمة على رد أصل المبالغ من خلال ضمانات البضائع المنتجة أو المبيعة حتى لا يتم إعاقة أعمال الصُنّاع، خاصة أن هامش الربح صغير في كثير من هذه الصناعات.

غرفة صناعة الحرف اليدوية
قطاع الحرف اليدوية ثاني أكبر قطاع بعد القطاع الزراعي في مصر (الجزيرة)

4 ملايين حرفي

ويوضح الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن الاقتصادي إبراهيم الطاهر في تصريحات خاصة للجزيرة نت أنه لا بد من الإقرار بعظم الصناعة نفسها في البداية، لأنها تمثل عددا من 3.5 ملايين إلى 4 ملايين حرفي، حيث يمثل قطاع الحرف اليدوية ثاني أكبر قطاع بعد القطاع الزراعي في مصر.

ويضيف الطاهر أنه لا بد من تضافر الجهود مع التناغم الرسمي في دعم الحرف اليدوية بإجراءات إستراتيجية لا ترتبط باهتمام ما في وقت ما، باعتبارها إستراتيجية دولة مدروسة من قبل مؤسساتها.

ويؤكد الطاهر أهمية تقديم حوافز ضريبية وفنية وتسويقية للصناع، والاستمرار في تنظيم معارض تسويقية داخلية لمنتجات الصناعات اليدوية لترويجها وخلق فرص تواصل تسويقي مع العملاء، بجانب فتح منافذ تصديرية خارجية مما يسهم في زيادة الصادرات المصرية.

ويوضح الطاهر أنه كي يتم النهوض بالحرف اليدوية، لا بد من تكوين بنك معلومات عنها، وصنع تواصل مباشر مع الصناع لإمدادهم بالمعلومات المحلية والدولية، لمساعدتهم في اكتشاف الفرص التسويقية، مع دعمهم في إعداد دراسات جدوى بهدف التنبؤ المبكر وعدم تعرضهم لصدمة الخسارة، والسعي للربط بين التعليم الفني وسوق العمل المرتبط بالحرف اليدوية.

اهتمام رسمي بارز

وعلى هامش منتدى شباب العالم بمدينة شرم الشيخ وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في 12 يناير/كانون الثاني الجاري بفتح معرض دائم لأصحاب الحرف اليدوية بالعاصمة القاهرة، بعدما تفقد جناح معرض تراثنا المقام على هامش المنتدى، وأكد مواصلة دعم أصحاب المشروعات لمساعدتهم على الاستمرار والنمو.

وأوضحت نيفين جامع وزيرة التجارة والصناعة والرئيسة التنفيذية لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر -في تصريحات صحفية رسمية- أن هذه الزيارة تأتي لتؤكد اهتمام الرئيس ودعمه المستمر لقطاع الحرف اليدوية والتراثية، حيث تم تنظيم 3 دورات متتالية لمعرض تراثنا تحت رعايته وبحضوره.

وفي نفس سياق الاهتمام الرئاسي، زارت قرينة رئيس الجمهورية السيدة انتصار السيسي معرضي "حياة كريمة" و"تراثنا" وجناح الحرف اليدوية في منتدى شباب العالم.

هذا الاهتمام تزامن مع تحرك جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر لجذب أنظار الخارج كذلك للاهتمام الداخلي، حيث نظم معرضا للمنتجات اليدوية والتراثية، على هامش الدورة التاسعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي عقدت تحت رعاية وتنظيم منظمة الأمم المتحدة، في مدينة شرم الشيخ خلال الفترة من 13- 17 ديسمبر/كانون الأول الماضي.

ووفق بيان رسمي من الجهاز فإن المعرض يهدف إلى إطلاع وفود الدول المشاركة على تجربة مصر في إحياء الحرف اليدوية والتراثية بحسب أهداف رؤية مصر 2030.

وتحركت القوة الناعمة في هذا الاتجاه كذلك، ودشن المجلس القومي للمرأة (حكومي) مشروع "أدها وإدود"، لدعم صناعة الحرف اليدوية.

ويأتي هذا مع انتخاب مجلس إدارة جديد مطلع العام الجاري لغرفة الحرف اليدوية بمصر برئاسة حمادة العادلي.

وأشار العادلي في تصريحات رسمية إلى أن مجلس الإدارة الجديد سيبدأ التواصل مع شركاء النجاح وتوفير تمويل لازم لعدد من المشروعات التي وضعها المجلس الجديد، وسيتم الإعلان عنها مستقبلا، بالإضافة إلى الوقوف على آخر الأوضاع للمشاريع القائمة، ودعمها ومعرفة آخر التطورات بها، مع دعم المشاريع النوعية بالعديد من محافظات الصعيد.

وكان المدير التنفيذي لغرفة الحرف اليدوية ممدوح الشربيني، صرح في وقت سابق أن "الحرف اليدوية شهدت إهمالا على مدار الـ30 عاما الماضية".

وأرجع ذلك -وفق الصفحة الرسمية لغرفة صناعة الحرف اليدوية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك- إلى "الاعتماد على الميكنة في الصناعات"، لكنه أضاف أن الفترة منذ عام 2021 شهدت تصاعدا في الاهتمام الرسمي بالحرف اليدوية.

المصدر : الجزيرة