انقلاب حماس على السلطة بين الحقيقة والوهم

انقلاب حماس على السلطة



إبراهيم أبو الهيجاء

 

– قوة حركة حماس الآن

– استجداء التنسيق.. لماذا؟

– شرعية اتفاق القاهرة

– حماس ومغانم السلطة

– أسباب تصعيد السلطة

– الأفق

 

قوة حركة حماس الآن

لا أحد يقلل من القوة الشعبية والتنظيمية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) ولاسيما في قطاع غزة حيث حماس هناك النشأة والبنية الصلبة والقيادة التاريخية، ولكنها اليوم أكثر انتشارا وأفضل تنظيما.

 

فحماس التي أخذت على عاتقها مهام مقاومة الاحتلال ورفض اتفاقيات التسوية وتبني قضايا المحرومين والمحتاجين، حصدت اليوم نتائج كل ذلك قوة شعبية ترجمت انتخابيا بفوزها في معظم المواقع البلدية.

 

"
حماس التي أخذت على عاتقها مهام مقاومة الاحتلال ورفض اتفاقيات التسوية وتبني قضايا المحرومين والمحتاجين حصدت اليوم نتائج كل ذلك قوة شعبية ترجمت انتخابيا بفوزها في معظم المواقع البلدية
"

ولذا لا يمكن اعتبار حماس حركة هامشية، ولا يمكنها اليوم العودة إلى المربع الأول حيث يمكن للسلطة أن تزج أبناءها في السجون وتضرب مؤسساتها كثمن فلسطيني مطلوب إسرائيليا، لاسيما بعد أن وصلت التسوية إلى أوجها في كامب ديفد وتوضحت الحدود العليا الإسرائيلية لدى اليمين بل ولدى اليسار الصهيوني أيضا، وهي بالمناسبة لا تلامس الحدود الدنيا لدى دعاة التسوية من الفلسطينيين.

 

كل ذلك أدى إلى توسع قوة حماس مؤسساتيا وعسكريا، وهذا لا يعيب حماس ولا ينبغي أن يزعج السلطة الفلسطينية ويخوفها من انقلابات عسكرية متوهمة، لأن وجود مقاومة منظمة ومنضبطة خير لها من مجموعات متناحرة لا ينسجم أداؤها العسكري مع إيقاعها السياسي.

 

وهذا ما فهمه المجتمع الدولي، فكانت اللقاءات سرية وعلنية مع حماس من المصريين والأوروبيين والأميركان لخلق تفاهم أو استيضاح مواقف مع قوة لا يمكن تجاهل ثقلها في الشارع الفلسطيني وإن اختلفوا معها في الأهداف والوسائل.

 

وهنا تأتي ضرورة تفهم السلطة أيضا لهذه القوة ومحاولة الاستفادة منها بدل الصدام معها ومحاولات تحجيمها وإخراجها عن الشرعية الفلسطينية العامة.

 

استجداء التنسيق.. لماذا؟

أحداث غزة المؤسفة ما كان لها أن تنفجر -وربما أن تستمر- لولا قرب تنفيذ خطة الانفصال الأحادي التي كان ولا يزال من أهدافها إيقاع الفتنة بين الفلسطينيين والزج بهم في اقتتال على مغانم متوهمة.

 

ولتحقيق ذلك تحذر إسرائيل منذ شهور من قوة حماس وتبدي خوفها من تحول غزة إلى أرض تسيطر عليها الحركة، بل وهي تغمز بعين أخرى للسلطة كي تنقض على حماس وتقوض قوتها قبل فوات الأوان.

 

والغريب أن السلطة وقعت في الفخ ولعل مرد ذلك ابتداء هو تمسك السلطة بفلسفة تقول بضرورة تنسيق إسرائيل معها في خطة الانفصال رغم أن الخطة برمتها هروب إسرائيلي إلى الإمام أي نحو الاستيلاء على الضفة.

 

فما الداعي إذا إلى الإصرار على ثنائية الانفصال والسلطة لم تجن منه أي إيجابية يعتد بها؟! ولعله كان من الأجدى للسلطة أن تترك إسرائيل تتخبط في خطتها دون أن تضطر السلطة لدفع ثمن لم يطلب منها أصلا، لأن تنسيق الخطة كما تتمناه إسرائيل يلزم السلطة ويورطها في ضرب المقاومة.

 

"
السلطة المندفعة لمنع أي رصاصة تخرج على إسرائيل قبيل خطة الانفصال تريد التأكيد أنها عند وعودها بغض النظر عن كل الاختراقات الإسرائيلية، بل وعن طبيعة الخطة التي تستهدف تكريس الجدار وتسمين مستوطنات الضفة الغربية
"

وهذه نظرة أنانية لكون السلطة الفلسطينية تخوفت من انفصال إسرائيلي يصب في رصيد المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حماس، ما يبرر اندفاع السلطة لقطع الطريق على هذا الإنجاز.

 

ولذا ستكون الخطوة اللاحقة هي محاولة السلطة أن تثبت لإسرائيل والأميركان والمجتمع الدولي أنها صاحبة القرار وليست المقاومة.

 

وما جرى في غزة في الأيام السابقة هو "بروفة" لذلك، فمثلا مصدر الخلاف والمسبب لتبادل إطلاق النار مع المقاومين هو محاولة السلطة وأجهزتها الأمنية منع إطلاق الصواريخ بالقوة، مع أن اقتحام طولكرم والاغتيال الذي جرى في نابلس هو بالأساس اعتداء على هيبة السلطة وكان الواجب عليها أن تغض النظر عنه وتثبت لإسرائيل أن الفلسطينيين يملكون ردا أيضا.

 

لكن السلطة المندفعة لمنع أي رصاصة تخرج على إسرائيل قبيل خطة الانفصال تريد التأكيد أنها عند وعودها بغض النظر عن كل الاختراقات الإسرائيلية، بل وعن طبيعة الخطة التي كانت بالأصل أحادية وتستهدف تكريس الجدار وتسمين مستوطنات الضفة الغربية.

 

شرعية اتفاق القاهرة

جرى الحديث كثيرا إبان الأزمة عن شرعية السلطة وهيبتها ووحدانيتها والمس بها، ولكن هذه الشرعية لم تعبر إلا عن 25% من الناخبين في الانتخابات الرئاسية، وأجلت بشكل متعمد الانتخابات التشريعية وألغيت بعض الانتخابات البلدية بجهاز قضائي مترهل.

 

كل ذلك برأينا ينتقص من هذه الشرعية، لكن ما يمكن الاعتداد به فعلا هو اتفاق القاهرة المتفق عليه في مارس/آذار الماضي الذي تم برعاية مصرية ومشاركة رئيس السلطة ذاته وجميع القوى الفلسطينية مجتمعة.

 

وكان من أهم نقاطه التهدئة المتبادلة، والإدارة المشتركة لقطاع غزة بعد الانفصال، وإجراء الانتخابات التشريعية في موعدها، والنسبية لما تبقى من انتخابات بلدية، وإعادة صياغة منظمة التحرير على أسس جديدة.

 

طبعا كل هذا لم يتحقق منه شيء، وعليه فلا يمكن الحديث عن تهدئة مجانية مقابل اقتحامات واعتقالات واغتيالات إسرائيلية، ولا يمكن الحديث عن سلطة وشرعية ووحدانية بينما السلطة تضرب بعرض الحائط الأسس الوحدوية التي اتفق عليها في القاهرة.

 

ولذا يجب وضع الحقائق كلها في سلة واحدة قبل الحكم على مجريات أحداث غزة، والمسؤول عنها.

 

حماس ومغانم السلطة
حماس قوة مقاومة في ظل الاحتلال حافظت على هذا المسار، وحرصت من قبل وفي أوج اعتقالات السلطة واشتراكها في التنسيق الأمني مع الإسرائيليين على رفض الانجرار إلى أي اقتتال داخلي رغم مبرراته الشعبية الكافية.

 

وحتى عندما فكرت حماس في دخول الانتخابات التشريعية فإنها حرصت على أن تبقى قوة ممانعة ومقيدة للسلطة، لأنها لا تريد مجاراة لعبة السياسة والدخول في فخ التفاوض والعلاقة مع إسرائيل من الباب الخلفي.

 

ورغم مثالب الانتخابات التشريعية ومخاطرها واختلاف وجهات نظر أبناء الحركة تجاهها فإن حماس قررت بأكثريتها المجازفة. وحتى هذه النافذة التي تتيح لها أن تكون قوة سياسية إلى جانب قوتها كمقاومة أجهضت بفعل التحذير الإسرائيلي والفيتو الأميركي الذي أشهره بوش في وجه عباس في زيارته الأخيرة.

 

"
حماس لا تنوي الانقلاب على السلطة خلافا لما حذر منه قبل أيام وزير الشؤون المدنية العقيد محمد دحلان المقرب من الرئيس محمود عباس
"

كل ذلك كان يمكن أن يبرر غضب حماس، لأن هؤلاء لا يريدون حماس لا بوجه المقاومة "السلبية" ولا حتى "الإيجابية"، ولكن رغم ذلك يمكننا الاطمئنان إلى أن حماس لا تنوي الانقلاب على السلطة كما حذر من ذلك قبل أيام وزير الشؤون المدنية العقيد محمد دحلان المقرب من الرئيس الفلسطيني، وذلك لعدة أسباب:

 

أولها- إستراتيجية حماس تريد الحفاظ على المقاومة ضد الاحتلال وهي تدرك أن التورط في صراع جانبي استنزاف لهذا النهج وانقلاب عليه.

 

ثانيها- أن حماس في أوج قوتها الشعبية، والاقتتال مهما كانت أسبابه ينتقص من هذه الشعبية.

 

ثالثها- أن حماس تريد استثمار الانفصال من قطاع غزة وشمال الضفة لصالح مشروع المقاومة وتشويه ذلك يضر بمصداقيتها.

 

رابعا- وهو الأهم أن حماس ولأهداف ذاتية وبعيد الانفصال من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية، تريد ترتيب أوراق قوتها السياسية والعسكرية بعيدا عن الانفعال والتوتر وحرق الأوراق.

 

أسباب تصعيد السلطة

لكن بالمقابل يمكننا افتراض أن السلطة هي البادئة في التصعيد ليس فقط للقرارات الموثقة والموزعة من قبل وزير الداخلية الجديد نصر يوسف على عناصر الأجهزة الأمنية والقاضية باستخدام القوة ضد قوى المقاومة، بل لعدة أسباب أهمها:

 

أولا- محاولة السلطة تغيير قواعد اللعبة التي حكمت علاقة حماس بها والقائمة على الشراكة والتشاور في الشؤون العامة نتيجة قوة حماس التي لا يمكن تجاهلها في تحقيق تهدئة تمكن السلطة من تحقيق فاعلية تفاوضية وسياسية.

 

وقد عبر اتفاق القاهرة عن هذه الأسس التي تريد السلطة -كما يبدو- التخلص منها قبل تنفيذ خطة الانفصال.

 

ثانيا- انزعاج السلطة من الدور المصري والأوروبي الذي يعامل حماس كند لها.

 

ثالثا- محاولة السلطة خلط الأوراق كي تضعف من شعبية حماس المتصاعدة بإظهارها قوة متمردة أو قوة تريد السيطرة والمغانم، وبالتالي قطع الطريق عليها إما بتقليل فرصها في الفوز أو تأجيل الانتخابات لظروف أنسب لحركة فتح.

 

رابعا- رغبة السلطة في التأكيد لأطراف المجتمع الدولي بأنها القابضة والمهيمنة على زمام الموقف قبيل الانفصال وأنها بالتالي قادرة على أداء دورها إذا ما اقتضت الضرورة تجاه المخالفين لاتفاقاتها.

 

خامسا- محاولة السلطة تصدير أزمتها الداخلية وتوجيه حالة الفوضى إلى قوة منافسة لعلها بذلك تستطيع أن توحد مختلف أعضائها للدفاع عن نفسها، ولذا رأينا محاولات السلطة زج تسمية كتائب الأقصى وتنظيم فتح في مواجهة حماس، رغم أن المجريات تدل على أن أجهزة السلطة هي المخطط والمنفذ.

 

يضاف إلى ذلك محاولة السلطة معاقبة حماس على رفض عروضها بدءا من اقتراح تأجيل الانتخابات التشريعية وانتهاء بدعوتها للاشتراك في حكومة الوحدة الوطنية.

 

وباختصار فإن السلطة حاولت احتواء حماس وتوريطها في ديكور الحكومة بدون انتخابات، لكن السلطة أدركت أن ذلك صعب المنال فقررت تصعيد الأزمة بقصد تقويض قوة حماس أو إجبارها على التفاوض على شروط سياسية جديدة تنقض اتفاق القاهرة.

 

"
شرعية السلطة الجزئية لا تنفي شرعية المقاومة التي كان لها فضل في طرد المستوطنين من قطاع غزة وشمال الضفة، وعلينا الحذر من الخلط بين أوراق المقاومة وسلاحها الشرعي وبين سلاح الفوضى والبلطجة المرفوض
"

الأفق

شرعية السلطة الجزئية لا تنفي شرعية المقاومة التي كان لها فضل في طرد المستوطنين من قطاع غزة وشمال الضفة.

 

وفي خضم الأزمة علينا الحذر أيضا من خلط أوراق المقاومة وسلاحها الشرعي ضد العدوان مع سلاح الفوضى والبلطجة الذي نرفضه ونمقته.

 

المشاهد البعيد لا يدرك الفرق ويظن أن وحدانية السلطة وقوة القانون مطلوبة لإنهاء المقاومة بإظهار أنها سلاح الفوضى والبلطجة مع أن هذه المظاهر بالأساس نابعة من غير قوى المقاومة، والمواطن الفلسطيني يعرف الفرق تماما.

 

بالعموم لا يمكننا القول إن أحدا سيربح مما جرى، وبرأينا فإن السلطة في موقع مسؤول يمكنها من أن تكون أكثر ذكاء وحرصا على الابتعاد عن عقلية التفرد من خلال جعل المقاومة وسلاحها ورقة لها تهدد بها دون أن تفقد شرعيتها الدولية.

 

ولنا في تجربة لبنان أسوة مع بعض المفارقات، فخيار الشعوب أكثر تحررا من مقيدات الأنظمة، كما أن تجربة الماضي تقتضي من السلطة الاعتبار، فإسرائيل لم تعط السلطة شيئا رغم أنها قدمت لها الكثير، واليوم إسرائيل أكثر شراسة في ظل معطيات الجدار والاستيطان وواقع القدس وتعهدات بوش الأخيرة لشارون.

 

كل ذلك يقطع الطريق على أي أفق فلسطيني، ما يعني أن المصلحة الفلسطينية هي الحفاظ على خيار المقاومة وليس خوض حرب أهلية لسلبه وتقويضه.

__________

كاتب فلسطيني

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.