أطباء قطريون يجرون 50 عملية زراعة قوقعة لأطفال في غزة

عايدة البيوك تمكنت من الالتحاق بروضة تمهيدي وحفظ أجزاء من القرآن الكريم (الجزيرة)

غزة- "كأنهم ولدوا من جديد" وصفٌ اتفق عليه أهالي ذوي إعاقات سمعية خضعوا لعمليات زراعة قوقعة، أعادت إليهم حاسة السمع، على أيدي أطباء ومختصين قطريين في غزة.

زينة السلفيتي طفلة لم تتجاوز السادسة من عمرها، واحدة من هؤلاء، وهي "قصة نجاح" ونموذج لسرعة تجاوبها مع زراعة القوقعة، واستجابتها لبروتوكول العلاج، واسترداد حاسة السمع.

وتقول والدة زينة للجزيرة نت "حياتنا اختلفت كلياً بعد علاج زينة، هي ولدت من جديد، ونحن كأسرة عادت لنا الروح".

ألم وأمل

تعرضت زينة وهي رضيعة في السنة الأولى من عمرها لحمى شديدة فقدت على إثرها السمع، وتقول والدتها "كانت في بدايات تعلمها للكلام، تنادينا ماما.. بابا، وفجأة توقفت عن الكلام تماماً، واعتقدنا بالبداية أنه (دلع أطفال) لكننا اكتشفنا بالتحاليل الطبية أنها أصيبت بإعاقة سمعية".

وبتجاوزها السنة الثانية من عمرها، خضعت زينة لعملية زراعة قوقعة ضمن الفوج الأول من العمليات التي أجراها أطباء قطريون في مستشفى سمو الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للتأهيل والأطراف الصناعية، الممول من صندوق قطر للتنمية، في غزة.

رئيس قسم السمع والتوازن في مؤسسة حمد الطبية بقطر ونائب رئيس مجلس ادارة المستشفى الدكتور خالد عبد الهادي
الدكتور خالد عبد الهادي: برنامج زراعة القوقعة أجرى منذ انطلاقه 230 عملية (الصحافة القطرية)

وخاضت والدة زينة مع طفلتها رحلة طويلة من بروتوكول العلاج، الذي أعقب الزراعة، وتقول "بعد نجاح عملية الزراعة، هناك مراحل عدة، تبدأ بالتدريب على تمييز الأصوات، والحروف، ومن ثم الكلمات وتركيب الجمل".

ولأن هذه الرحلة بحاجة إلى كثير من الوقت والجهد، اتخذ والدا زينة قراراً بوقف مؤقت للإنجاب، والتفرغ تماماً لعلاج ابنتهما ورعاية الكبرى "سما" حتى تكللت هذه الرحلة بالنجاح، وأنجبا أخيراً ابنتهما الثالثة "ملك".

وتفخر أسرة زينة بتقديمها كقصة نجاح لدى المستشفى الذي أعلن أخيراً عن استئناف عمليات زراعة القوقعة لـ 50 طفلاً في غزة مصاباً بالصم، بعد توقف لنحو عامين بسبب جائحة كورونا.

دمج بالحياة

وساهمت سرعة تجاوب زينة مع العلاج وجلسات التأهيل في التحاقها بالروضة، وقرر والداها أن تدرس سنة تمهيدية ثانية قبل التحاقها بالتعليم الأساسي في المدرسة، كي تكون أكثر قوة وقدرة على الاستيعاب والحفظ.

وتخضع الطفلة عايدة البيوك (6 أعوام) لجلسات تأهيل بشكل دوري، بعد إجرائها عملية زراعة قوقعة، ساهمت في استردادها حاسة السمع التي عانت من فقدانها منذ الولادة.

وعبر والد عايدة، هشام البيوك -للجزيرة نت- عن سعادته الغامرة بقدرة ابنته على التعامل مع أقرانها، والاستيعاب الدراسي بالسنة التمهيدية في الروضة، وتمكنها من حفظ سور من القرآن الكريم.

وكان شقيق عايدة الأصغر، عبد الرحمن (عامان)، من بين الحالات الخمسين الأخيرة، التي خضعت لعملية زراعة قوقعة، ويأمل هشام أن يستجيب طفله عبد الرحمن لجلسات العلاج والتأهيل سريعاً كما شقيقته عايدة.

نعمة السمع

وبعدما عاش زهاء 50 عاماً من عمره أصما، أصبح بمقدور خالد مقداد (54 عاماً) الاعتماد على نفسه كلياً في التعامل مع أسرته والمجتمع.

ويقول خالد للجزيرة نت "أصبح للحياة شكل آخر بعد السمع.. ولم أعد أعاني في التواصل مع الآخرين".

وكان خالد -بحسب وصف زوجته- انطوائياً، يفضل البقاء وحيداً، وعدم الاختلاط مع الناس، لكنه أصبح الآن يمارس حياته الطبيعية، ويباشر مهامه ومسؤولياته، ويتابع أبناءه الستة.

ومنذ زواجهما من 30 عاماً يتواصل خالد وزوجته بـ "لغة الشفاه" وبعض الإشارات المتوافق عليها بينهما، وتقول هذه الزوجة الصابرة "كنت أتحمل الجزء الأكبر من الأعباء والمسؤوليات عن البيت والأولاد (ولدان و4 بنات) لكن منذ زراعة القوقعة استرد خالد عافيته ويقوم بالكثير من المهام التي كان يعجز عنها سابقاً".

خالد مقداد يتوسط زوجته وأخصائية تأهيل بمستشفى سمو الأمير حمد في غزة (الجزيرة)

خدمات مميزة

التقت الجزيرة نت الدكتور خالد عبد الهادي رئيس قسم السمع والتوازن بمؤسسة حمد الطبية في قطر ونائب رئيس مجلس الإدارة، فقال "برنامج زراعة القوقعة أجرى منذ انطلاقه عام 2017 في مستشفى سمو الأمير الوالد حمد بن خليفة في غزة 230 عملية زراعة قوقعة، وحققنا في معظمها نجاحاً متميزاً".

وقد سمح هذا النجاح بدمج 126 طفلا بعد خضوعهم لزراعة القوقعة، في رياض الأطفال والمدارس العادية، بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في غزة، ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) وفقاً لعبد الهادي.

وقال "تمكنا من تحقيق الهدف من برنامج زراعة القوقعة في غزة، وهو أن الكادر المحلي من جراحين وأخصائيي سمع ونطق أصبحوا قادرين على القيام بالعمليات ومتابعتها وتأهيل الحالات بشكل ذاتي، الأمر الذي يحقق التنمية المستدامة".

وبحسب عبد الهادي فإن الإعاقة السمعية في غزة هي ثاني أكثر الإعاقات انتشاراً بعد الإعاقة الحركية، ووجود مثل هذا البرنامج يخفف من معاناة الأهالي النفسية والاجتماعية، خصوصاً وأن عمليات زراعة القوقعة باهظة التكاليف، فضلاً عن حاجتها إلى تأهيل ما قبل وبعد العملية.

يُشار إلى الفوج الأخيرة -الذي يتضمن 50 عملية زراعة قوقعة لأطفال في غزة- تكلف مليون ونصف المليون دولار، بتبرع من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية.

وتقدر إحصاءات فلسطينية عدد حالات الإعاقة السمعية في غزة بـ 3652 حالة، من بينها 1243 لأطفال دون عمر الـ 18 عاماً.

المصدر : الجزيرة