لجنة التحقيق الأممية بسوريا.. سبع سنوات والمجرمون طلقاء

سيرجيو بانيرو / رئيس لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا
جمعت اللجنة كمية هائلة من الأدلة تشير إلى مسؤولية أشخاص بأعلى المستويات في الحكومة السورية عن جرائم الحرب (رويترز)

لجنة تحقيق دولية، أنشأتها الأمم المتحدة وكلفتها التحقيق في جميع الانتهاكات الحقوقية التي حدثت وتحدث في سوريا منذ مارس/آذار 2011، والوقوف على الظروف التي ترتكب فيها الانتهاكات والجرائم الحقوقية، وتحديد المسؤولين عنها تمهيدا لمساءلتهم دوليا عن هذه الانتهاكات.

التأسيس
أنشئت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المكلفة بالتحقيق في الجرائم والانتهاكات الحقوقية بسوريا، في 22 أغسطس/آب 2011 بعيد اندلاع الثورة السورية بشهور عديدة جراء القمع المتصاعد ضد المواطنين السوريين المطالبين بالحرية والكرامة.

وفي 12 سبتمبر/أيلول 2011 عيّن رئيس مجلس حقوق الإنسان ثلاثة خبراء رفيعي المستوى أعضاء في اللجنة، هم: البرازيلي باولو بنهيرو (رئيسا)، وكارين كونغ أبو زيد (الولايات المتحدة) وياكين إرتورك (تركيا). وقد استقالت ياكين إرتورك من المنصب في مارس/آذار 2012، وعقب تمديد ولاية اللجنة في سبتمبر/أيلول 2012، تم تعيين عضوين جديدين: كارلا ديل بونتي (سويسرا) وفيتيت مونتاربهورن (تايلند).

المسار
قدمت لجنة التحقيق الأممية تقريرها الأول إلى مجلس حقوق الإنسان في 2 ديسمبر/كانون الأول 2011، ثم قدمت تقريرا لاحقا في 12 مارس/آذار 2012، وجرى تمديد ولاية اللجنة لفترة إضافية حتى سبتمبر/أيلول 2012.

وفي 1 يونيو/حزيران 2012، كلف مجلس حقوق الإنسان اللجنة على وجه السرعة بإجراء تحقيق "خاص وشامل ومستقل ودون قيود" في الأحداث التي شهدتها الحولة. وقدمت اللجنة تقريرا أوليا بشأن الحولة في 26 يونيو/حزيران 2012، وأطلعت المجلس في 17 سبتمبر/أيلول على النتائج التي توصلت إليها، ومدد المجلس لاحقا ولاية اللجنة ووسع نطاق عملها.

وأصدرت اللجنة منذ تأسيسها عددا من التقارير والتحديثات الدورية، عرضت فيها انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في سوريا استنادا إلى مئات المقابلات مع شهود وضحايا بشكل مباشر في المخيمات والمستشفيات في البلدان المجاورة لسوريا، وأحيانا عبر مقابلات بالهاتف وسكايب مع ضحايا وشهود داخل البلد.

هذا بالإضافة إلى المعلومات المتأتية عن طريق الصور الفوتوغرافية، وتسجيلات الفيديو، وسجلات الطب الشرعي والسجلات الطبية، والتقارير الواردة من حكومات ومن مصادر غير حكومية، والدراسات التحليلية الأكاديمية، وتقارير الأمم المتحدة.

أصدرت اللجنة حتى الآن نحو عشرين تقريرا مفصلا يتعلق بالجرائم والانتهاكات التي تقع في سوريا، معتمدة على كمية كبيرة من الأدلة والبراهين التي جمعتها منذ تشكيلها عام 2011.

الاختصاص
وفقا لقرار إنشائها وقرارات مجلس حقوق الإنسان اللاحقة، تختص لجنة التحقيق الأممية في سوريا بالمهام والاختصاصات التالية:

– التحقيق في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان منذ آذار/مارس 2011 في سوريا.

– الوقوف على الحقائق والظروف التي قد ترقى إلى هذه الانتهاكات، والتحقيق في الجرائم التي ارتُكبت.

– تحديد المسؤولين عنها حيث أمكن ذلك، بغية ضمان مساءلة مرتكبي هذه الانتهاكات، بما فيها الانتهاكات التي قد تعد جرائم ضد الإنسانية.

وكلفت لاحقا من طرف مجلس حقوق الإنسان بمهام أخرى، من أهمها:
– القيام على وجه السرعة بإجراء تحقيق خاص شامل ومستقل دون قيود، وفقا للمعايير الدولية، في الأحداث التي شهدتها الحولة.

– الكشف إذا أمكن عن هوية من يبدو أنهم المسؤولون عن تلك الأعمال الوحشية.

– الحفاظ على أدلة إثبات الجرائم حتى يتسنى إجراء ملاحقات قضائية جنائية أو عملية قضائية في المستقبل، بهدف محاسبة المسؤولين.

– تقديم تقرير وافٍ عن نتائج تحقيقها الخاص إلى مجلس حقوق الإنسان لاحقا.

– التنسيق، حسب الاقتضاء، مع آليات الأمم المتحدة ذات الصلة.

وكلفت لاحقا أيضا من مجلس حقوق الإنسان بإجراء تحقيق دولي شفاف ومستقل وفوري في التجاوزات والانتهاكات التي تمس القانون الدولي بغية محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات والتجاوزات، بما في ذلك الانتهاكات والتجاوزات التي قد تصل إلى حد الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

تقارير
وثقت لجنة التحقيق الأممية بسوريا منذ إنشائها عددا كبيرا من الجرائم والانتهاكات الحقوقية، وأصدرت نحو عشرين تقريرا تتهم فيها حكومة الرئيس السوري بشار الأسد وقوات المعارضة وتنظيم الدولة الإسلامية بالقتل الجماعي والاغتصاب والإخفاء القسري وتجنيد الأطفال للقتال.

وأكدت رئيسة المفوضة الأممية السامية لحقوق الإنسان نافي بيلاي أن لجنة التحقيق بشأن سوريا جمعت كميات هائلة من الأدلة بشأن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأن الأدلة تشير إلى مسؤولية أشخاص بأعلى المستويات في الحكومة السورية بمن فيهم الرئيس بشار الأسد نفسه.

وأكدت اللجنة في مختلف تقاريرها أن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني تتواصل بشكل يومي في سوريا، وأن جرائم تفوق الوصف تستهدف -بشكل مستمر- المدنيين العزل، وتطرقت للهجمات التي تعرض لها المدنيون السوريون بأسلحة محرمة دولية.

ورغم الجهود التي بذلتها اللجنة والتقارير المستقصية التي قدمتها والاتهامات التي وجهتها للأطراف المتحاربة في سوريا، وفي مقدمتها النظام السوري والمليشيات الموالية له الذين حظوا بنصيب الأسد من اتهامات اللجنة؛ فقد بقيت تقارير اللجنة حبيسة الأدراج المغلقة ولم تتحول إلى إجراءات تستهدف محاكمة من تصفهم بالمتورطين في الجرائم بسوريا، خصوصا النظام السوري الذي ارتكب الجزء الأكبر والأخطر من جرائم وانتهاكات حقوق الإنسان.

وفي عام 2015، وعد رئيس لجنة التحقيق الدولية البرازيلي باولو بينيرو بالكشف عن خمس قوائم لمرتكبي جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، ولكنه تراجع لاحقا عن وعده، وفي المقابل رسم صورة قاتمة عن وضع حقوق الإنسان بسوريا، وأكد أنه تم جمع "الكثير من الأدلة لكن لا توجد متابعة، حان وقت تحقيق العدالة للضحايا".

وافتقرت اللجنة إلى تفويض بإجراء محاكمات، ومنعت الخلافات داخل مجلس الأمن من إحالة الملف إلى محكمة جرائم الحرب الدولية بلاهاي، وبسبب ذلك ظلت تقارير وإفادات اللجنة حبرا على ورق.

وربما بسبب ذلك قالت المدعية العامة السابقة المتخصصة في جرائم الحرب -وهي عضو باللجنة- كارلا ديل بونتي، إنها ستستقيل من اللجنة، وبررت قرارها بعدم تلقي الدعم من مجلس الأمن الدولي.

ونقلت صحيفة "بليك" السويسرية عنها قولها في مقابلة أجرتها معها على هامش نقاش بمهرجان لوكارنو للسينما في سويسرا، "أنا محبطة، لقد استسلمت.. سأترك هذه اللجنة التي لا تحظى بدعم أي إرادة سياسية". كما قالت "لا أملك أي سلطة ما دام مجلس الأمن لا يفعل شيئا. نحن بلا سلطة، ولا توجد عدالة من أجل سوريا".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + وكالات