سيزكين.. موسوعة التراث وإنجازات المسلمين وأرفع وسام ألماني

البروفسور فؤاد سيزكين

باحث تركي كرس حياته للتعريف بفضل العلماء العرب والمسلمين على الحضارة الغربية الحديثة، وهو أول فائز بجائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام، وأسس معهد تاريخ العلوم العربية والإسلامية بجامعة فرانكفورت، ومنحته ألمانيا أرفع أوسمتها، وأطلقت تركيا اسمه على متحف ومعهد أبحاث وعدد كبير من مدارسها وميادينها.

المولد والنشأة
ولد فؤاد سيزكين في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1924 بمدينة بدليس في شرقي الأناضول.

الدراسة والتكوين
التحق في سن التاسعة عشرة بجامعة إسطنبول التقنية، غير أن لقاءه بالمستشرق الألماني هيلموت ريتر غير مجرى حياته، وتوجه بنصيحة من ريتر لدراسة العلوم الإسلامية واللغات والآداب العربية والفارسية والرياضيات، وأتقن العربية في فترة وجيزة وتحدث بها مع أستاذه الألماني ريتر وغيره من  أساتذته بالجامعة.

حصل سيزكين عام 1947 على الماجستير، وفي عام 1954 على درجة الدكتوراه في مجاز القرآن لأبي عبيدة، ونال درجة الأستاذية الأولى عام 1954 عن بحثه في مصادر صحيح الإمام البخاري.

الوظائف والمسؤوليات
بعد انقلاب الجيش التركي عام 1960 على حكومة عدنان مندريس، كان سيزكين واحدا من 147 أستاذا فصلوا من التدريس بالجامعة، فرحل إلى مدينة فرانكفورت الألمانية حيث عمل محاضرا بمعهد تاريخ العلوم الطبيعية بجامعة يوهان فولفغانغ غوته، وحصل فيها على الأستاذية الثانية عام 1965 في تخصص تاريخ العلوم الطبيعية.

وفي 18 مايو/أيار 1982 أسس البروفيسور سيزكين بمشاركة 14 دولة عربية في مقدمتها الكويت، معهد ومتحف تاريخ العلوم العربية والإسلامية بإطار جامعة فرانكفورت، وعمل مديرا لهذا المعهد لمدة 35 عاما.

التجربة العلمية
أصدر سيزكين عام 1967 المجلد الأول من موسوعته الجامعة "تاريخ التراث العربي" التي ركز فيها على الإنجازات العلمية الكبيرة للحضارة الإسلامية في عصور ريادتها، وتأثير هذه الإنجازات على الحضارة الغربية الحديثة.

وتقع هذه الموسوعة في 19 مجلدا -صدر منها 17 مجلدا- وتعد من أهم إنجازات سيزكين، وصنفت بموجبها مراكز الأبحاث الغربية مؤلفها بمصاف أكبر الباحثين في العالم، وترجمت موسوعة "تاريخ التراث العربي" للألمانية والإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية واليابانية، وأصبحت أهم مرجع للجامعات ومراكز الأبحاث العالمية فيما يتعلق بالإسلام واللغة العربية.

وخصص المجلد الأول من موسوعة سيزكين لدراسة علوم القرآن الكريم والحديث الشريف ثم توالت الأجزاء في العقائد والفقه والتصوف والشعر وسائر فنون الأدب العربي وإنجازات العلماء العرب والمسلمين في العصور الذهبية للحضارة الإسلامية.

ويعد سيزكين -الذي يتقن ثماني من أهم اللغات الحية- أول باحث يؤصل عالميا لإسهامات العلماء المسلمين في الطب النفسي، وقد دحض الادعاءات القائلة بعداء الإسلام للعلم، معتبرا أن هذا الكلام محض هراء، ودلل على هذا بالإشارة إلى أن التسامح مثّل روح الحضارة الإسلامية بأوج صعودها، حين كانت أوروبا تحارب العلماء والمفكرين وتحظر الحديث عن أعمالهم مثلما فعلت مع غاليليو ونيكولاس كوبرنيكوس.

وأشرف سيزكين من خلال معهده على إصدار 1400 مجلد بمعظم اللغات الحية حول الإنجازات البارزة للعلماء العرب والمسلمين في القرون التالية للهجرة النبوية، وعلى صناعة نسخ متطابقة من 930 اختراعا وابتكارا لهؤلاء العلماء، ضمها متحف معهده وظلت تستخدم بأوروبا حتى سنوات قليلة خلت، وبذلك يعد هذا الباحث التركي الأول بالعالم الذي يعيد تصميم هذه الاختراعات والأدوات استنادا لأوصافها بالمراجع التاريخية.

ولم يترك البروفسور التركي مكتبة بالعالم تضم مخطوطات عربية إلا وزارها، ويروي هو أن مكتبة جامعة توبينغين العريقة أغلقت عليه أبوابها بعد انتهاء فترة العمل وسمحت له بالمبيت فيها ليتمكن من البحث في ما تضمه أرففها من ذخائر ونفائس عربية.

كما أشرف سيزكين منذ عام 2014 على تأسيس معهد لتاريخ العلوم الإسلامية – أطلقت عليه الحكومة التركية اسمه – بجامعة إسطنبول، وتبرع لهذا المعهد الذي يدرس فيه 70 طالبا من دول مختلفة بجزء من مكتبته الخاصة.

وانتسب البروفسور سيزكين إلى عضوية مجامع اللغة العربية في القاهرة ودمشق والرباط وبغداد.

الجوائز والأوسمة
كرمت تركيا باحثها البارز بإقامة متحف باسمه عام 2008 بقصر توب كابي العثماني الشهير، كما أطلقت الحكومة التركية اسمه على معهد أسسته لتاريخ العلوم الإسلامية بجامعة إسطنبول وعلى مكتبة هذا المعهد، وعلى 20 مدرسة وعشرة ميادين بالبلاد.

وفي عام 2015 أعد التلفزيون الياباني بتكليف من الحكومة اليابانية فيلما وثائقيا عن سيرة البروفسور سيزكين، ودوره ودور معهده في التعريف بالإنجازات العلمية والحضارية للعلماء العرب والمسلمين.

حصل سيزكين عام 1978 على جائزة الملك فيصل العالمية في مجال خدمة الإسلام وكان الفائز الأول بهذه الجائزة في عامها الأول، وحصل عام 1980 على جائزة أمير الشعراء الألمان يوهان فولفغانغ غوته من مدينة فرانكفورت.

ومنحت ألمانيا البروفسور سيزكين عام 1982 وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى، ووسام الاستحقاق الأعظم عام 2001.

وفي عام 2009 منحت ولاية هيسن الألمانية جائزتها للحوار بين الأديان للبروفسور التركي مناصفة مع نائب رئيس المجلس اليهودي المركزي سالمون كورن، لكن سيزكين رفض قبول هذه الجائزة بسبب تأييد سالمون للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في ذاك العام.

المصدر : الجزيرة