30 يونيو.. مظاهرات مهدت لعزل رئيس مدني منتخب

مظاهرات خرجت يوم 30 يونيو/حزيران 2013 لمطالبة الرئيس محمد مرسي بتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، وقال مؤيدو المظاهرات إن المشاركين فيها تجاوزوا 30 مليونا، بينما اعترفت مصادر أمنية بأنها لم تتجاوز 1.2 مليون بالقاهرة؛ مهدت لانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 بقيادة عبد الفتاح السيسي، وانتخب رئيسا لمصر في انتخابات أثارت جدلا واسعا.

تعبئة عامة
كان مرسي يوشك على إكمال عامه الأول في السلطة كأول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أجبرت حسني مبارك على التنحي عن سلطة تربع عليها لثلاثة عقود، لكن الأمر لم يكن يسير على ما يرام للرجل الذي واجه معارضة زاعقة الصوت وإعلاما تكتل ضده على مدار الساعة طيلة فترة حكمه.

وإلى جانب حركة تمرد، تكتل السياسيون في "جبهة الإنقاذ" بقيادة ثلاثية لمحمد البرادعي وحمدين صباحي وعمرو موسى، ولم يألوا جهدا في انتقاد حكم مرسي واتهامه بمحاولة أخونة الدولة، فضلا عن الفشل في إدارتها، ووصل الأمر من بعض القوى السياسية والأذرع الإعلامية حدَّ اتهام الرجل بالتفريط في سيادة مصر عبر التخلي عن جزء من سيناء لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أو عن حلايب وشلاتين للسودان.

والعسكريون بدورهم بدؤوا في كشف تدريجي لموقفهم المناوئ لمرسي، وظهرت إشارات عديدة على ذلك، كان أبرزها دعوة وزير الدفاع حينها عبد الفتاح السيسي إلى حوار سياسي دون علم الرئاسة. لكن كثيرين استغربوا لكون مرسي ومن ورائه جماعة الإخوان المسلمين أظهروا ثقة في قادة الجيش وفي مقدمتهم السيسي حتى النهاية.

والإعلام جعل شغله الشاغل مهاجمة مرسي وانتقاده واتهامه بالفشل، ووصل الأمر حد الخروج عن المنطق عندما اتهم إعلامي شهير جماعة الإخوان المسلمين بالمسؤولية عن سقوط الأندلس الذي حدث قبل إنشاء الجماعة نفسها بعدة قرون.

حركة "تمرد"
العمل على الأرض قامت بأغلبه حركة تمرد التي ظهرت بشكل مفاجئ وتصدرها شبان مغمورون أعلنوا خلال أيام أنهم حصلوا على توقيع آلاف المصريين على عريضة تنتقد الأوضاع السياسية والاقتصادية وتطالب بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وخلال أيام تالية بدأ الحديث يتحول سريعا إلى لغة الملايين، فمن مليون توقيع إلى خمسة إلى عشرة، بل وإلى أكثر من عشرين مليون توقيع. 

كل من كان يعيش في مصر آنذاك لم يكن يخفى عليه أن "تمرد" تتحرك بقوة ونشاط وسرعة، وتحظى بدعم هائل من قوى سياسية ينتمي معظمها إلى ما عرف بأركان الدولة العميقة التي حاربت ثورة 25 يناير منذ قيامها.

وإذا كان حديث الـ23 مليونا يبدو مبالغا فيه، فإن نظرة من الجانب الآخر تؤكد أن أعدادا كبيرة فعلا وقعت على تمرد، سواء لعدم رضاها عن الأوضاع أو لتأثرها بحملات على مدار الساعة اشتركت في تنظيمها عشرات الصحف والقنوات التلفزيونية، وعرفت كيف تعزف على وتر معاناة المواطن من أزمات معيشة كانقطاع التيار الكهربائي أو غيره.

الغضب كان موجودا فعلا لدى قطاعات عديدة وإن بصورة أقل كثيرا مما عرضه الإعلام، لكن قوى عديدة كانت تريد الدفع به وتصعيده من أجل تحقيق مصلحتها في التخلص من مرسي ونظامه.

مظاهرات "مليونية"؟
كان سقف مظاهرات 30 يونيو هو المطالبة بأن يطرح الرئيس نفسه على انتخابات مبكرة، لكن الأزمة الحقيقية كانت ما حدث بعد ذلك بثلاثة أيام عندما قطع وزير الدفاع الشك باليقين وخرج لينقلب على رئيسه، ودخلت مصر مرحلة من عدم الاستقرار على شتى المستويات.

وساق معارضو مرسي أرقاما وصفت بالفلكية لتقدير أعداد من خرج للتظاهر في 30 يونيو. وبينما بدأ الحديث عن ملايين في بداية المظاهرات، تضاعف العدد بصورة كبيرة ليصل إلى 17 مليونا ثم عشرين ثم ثلاثين وحتى أربعين مليونا.

غير أن مصادر أمنية أعلنت في تقارير رسمية لها في وقت لاحق أن الأعداد التي خرجت في القاهرة وصلت إلى حوالي 1.2 مليون متظاهر، وأن مجموعة من خرجوا في محافظات أخرى يقترب من هذا العدد.

ولترسيخ ضخامة العدد أخرجت قيادة الجيش طائرة برفقة المخرج خالد يوسف الذي يعد من صقور معارضي مرسي لتصوير الحشود، ووُزعت صور الفيديو على الإعلام المصري، وظهر بعد ذلك أن الفيديو صوّر الحشود على غير حقيقتها.

لاحقا، وفي مايو/أيار 2014، اعترف خالد يوسف نفسه في حديث خاص باستخدام تقنيات وصفها بالمشروعة لإبراز كثافة المتظاهرين يوم 30 يونيو/حزيران 2013، موضحا أن "هناك مبالغات في الأعداد التي ظهرت في المشاهد المصورة، وأنه كانت هناك رغبة سياسية قوية في إظهار الحشود التي تحتج على حكم محمد مرسي بشكل مضخم، لأن قلقنا كان كبيرا من فشل يوم الاحتجاج، وأن نتائج فشله ستكون خطيرة على كل قوى الثورة وعلى الدولة وأجهزتها".

وقد نفى خالد يوسف، الذي دخل البرلمان بعد نجاحه في انتخابات نظمت في عهد السيسي، صحة ما راج في الإعلام على لسانه، وإن كان اعترف مجددا بأنه "استخدم تقنيات مشروعة في إبراز كثافة المشاهد ربما بصورة مبالغ فيها نسبيا"، واتهم من سماها بمليشيات الإخوان الإلكترونية بدس تصريحات مفبركة على لسانه.

وفي يوم 3 يوليو/تموز 2013، أي بعد مظاهرات 30 يونيو بثلاثة أيام، انقلب العسكر على الرئيس المنتخب، وخرج وزير الدفاع وقتها عبد الفتاح السيسي وإلى جانبه قيادات سياسية ودينية بينها شيخ الأزهر أحمد الطيب والبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وقيادات سياسية بينها محمد البرادعي وممثل حزب النور السلفي، إلى جانب مشرفين على حركة تمرد، ليعلن وقف العمل بالدستور الذي اختاره الشعب المصري عبر استفتاء، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقيام رئيس المحكمة الدستورية العليا بإدارة شؤون البلاد، وتعهد بحماية حرية الإعلام، وتلبية رغبة الشعب في ديمقراطية قوية، وانتخابات نزيهة، واقتصاد قوي ومحاربة الفساد، وفسح المجال للشباب للعمل والإبداع.

المصدر : الجزيرة + وكالات + مواقع إلكترونية