نيتسح يهودا.. كتيبة بجيش إسرائيل يشرف عليها الحاخامات وتتبع "تعاليم التوراة"
وحدة عسكرية إسرائيلية خاصة، وأول كتيبة قتالية حريدية، تأسست عام 1999، على يد "يهودا دوفدفاني" بدعم من مجموعة من حاخامات "الحريديم"، بهدف دمج شباب هذه الطائفة في الجيش والمجتمع الإسرائيلي، دون المساس بتقاليدهم الدينية.
وتتكون الكتيبة من عناصر يمينية متطرفة من جماعتي "الحريديم" و"شبيبة التلال"، وقد تنقلت أثناء تأديتها مهامها العسكرية بين الضفة الغربية والجبهة الشمالية في الجولان، ومنذ مطلع عام 2024 تشارك في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وتعتبر الوحدة الأشد عنفا ضمن دائرة الوحدات العسكرية الإسرائيلية في تعاملها مع المدنيين الفلسطينيين، وثبت تورطها بجرائم حرب، وانتهاك حقوق الإنسان، وهو الأمر الذي جعلها عرضة للوقوع تحت طائلة العقوبات الأميركية، وإمكانية حرمانها من المساعدات العسكرية الأميركية بكافة أشكالها.
النشأة
نشأت كتيبة "نيتسح يهودا" عام 1999 ميلادي، وهي وحدة عسكرية حريدية خاصة، على يد الجنرال "يهودا دوفدفاني" مؤسس "لواء غفعاتي"، وذلك ضمن مشروع أشرفت عليه منظمة "نيتسح يهودا"، وشاركت فيه مجموعة من حاخامات "الحريديم" بالتعاون مع وزارة الدفاع والجيش الإسرائيليين.
وكان الهدف الرئيسي من تأسيس الكتيبة، حل مشكلة الشباب الحريدي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و20 عاما، ولم يستطيعوا الالتحاق بالنظام التعليمي الديني "يشيفا"، من خلال تمكينهم من الخدمة العسكرية والانخراط في الجيش الإسرائيلي مع الحفاظ على تقاليدهم الدينية، وجعلهم أكثر اندماجا وتفاعلا مع المجتمع، دون تغيير أسلوب حياتهم الحريدي.
وكانت الكتيبة عند تأسيسها تتبع لواء غور الأردن، وتتكون من 30 جنديا من "الحريديم"، وعُرفت آنذاك باسم "ناحال حريديم"، ثم أُطلق عليها فيما بعد اسم "نيتسح يهودا" أو "الكتيبة 97″، للدلالة على العنصر الرئيسي المكون لها، فلفظ "نيتسح" هو عبارة عن اختصار لـ"الشباب العسكري الحريدي" ونسبت إلى المؤسس "يهودا".
وبدأت الكتيبة لاحقا تستقطب، فضلا عن الحريديم، المستوطنين الشباب ذوي التوجه اليميني المتشدد، المعروفين باسم "شبيبة التلال"، والذين لم يستطيعوا الانخراط في وحدات الجيش الإسرائيلي القتالية التقليدية، واشتُهروا بأعمالهم شديدة العداء للفلسطينيين في الضفة الغربية.
الفكر والأيديولوجيا
ينتمي عناصر "نيتسح يهودا" إلى التيار الديني اليهودي المتشدد، فأكثر أفرادها ينتمون إلى طائفة "الحريديم"، التي انبثقت من رحم الأرثوذكس اليهود، مع ميل نحو فكر أكثر أصولية وتشددا في تطبيق العادات والتقاليد اليهودية القديمة.
وتضم الكتيبة إلى جانب "الحريديم" عناصر من "شبيبة التلال"، الذين ينتمون إلى اليمين المتطرف، ويتبنون فكرا عنصريا قائما على العنف والتخريب، بناء على أُسس عقدية وسياسية، توجب إقامة "دولة يهودية" خالصة على ما يسمونه "أرض إسرائيل الكبرى".
وضمن هذا الإطار، يُنظر للكتيبة على أنها وحدة خاصة، ويتم التعامل مع جنودها بنمط استثنائي، يتلاءم مع فكرهم ومعتقداتهم، بما في ذلك، الفصل التام بين الجنسين، حيث لا يسمح للنساء بالانضمام للكتيبة، ويتم تنظيم تعامل الجنود مع النساء في القوات الإسرائيلية، بحيث تجري في أطر ضيقة ومحدودة، كما يمنح الجنود ساعات للصلاة، ويسمح لحاخاماتهم بتقديم دروس دينية يومية، ويلتزم الجيش الإسرائيلي بتقديم وجبات طعام تتوافق مع المعتقدات الدينية لأفراد الكتيبة.
التدريب والمهام
يخدم المجندون في صفوف الجيش الإسرائيلي مدة تبلغ عامين و8 أشهر، وتتضمن دورة تدريبية لـ8 أشهر، ثم ينضم المجند للخدمة مقاتلا في السرايا القتالية للجيش لـ16 شهرا.
وفي السنة الثالثة يحق للجنود الالتحاق بأحد البرامج المتاحة للمنتسبين الحريديم، وهي إكمال شهادة الثانوية العامة والبرنامج التحضيري قبل الأكاديمي والبرنامج التمهيدي للمهندس العملي والتعليم المهني.
وتضم "نيتسح يهودا" حوالي ألف جندي، وتتبع "لواء كفير"، الذي هو جزء من الفرقة 99، أو ما يُعرف باسم "فرقة مشاة النار" التابعة للجيش الإسرائيلي، والتي تم تدريبها وتأهيلها بإمكانات قتالية عالية، بحيث تكون قادرة على القتال في الساحات المختلفة، في لبنان وسوريا وغزة.
وقد تركز نطاق مهام الكتيبة منذ عام 2008 في الضفة الغربية، لا سيما في قطاعي "رام الله" و"جنين". ونتيجة للعديد من الحوادث التي استخدم فيها جنودها العنف ضد المدنيين الفلسطينيين، تم نقل الكتيبة في ديسمبر/كانون الأول 2022 إلى هضبة الجولان، حيث تمركزت على طول الجبهة الشمالية للاحتلال الإسرائيلي مع سوريا، ورغم ذلك، أعلنت سلطات الاحتلال أن الإجراء مؤقت، وأنه يجري ضمن عملية إعادة انتشار اعتيادية للقوات الإسرائيلية، ونفت علاقته بسلوك الجنود.
وفي مطلع عام 2024 بدأت الكتيبة مهامها القتالية في قطاع غزة لأول مرة منذ إنشائها، وتموضعت في المناطق الإسرائيلية الحدودية مع غزة، وقامت بتنفيذ عمليات داخل القطاع، وبحسب الجيش الإسرائيلي، فقد اجتاحت الكتيبة بيت حانون، شمالي القطاع، ودمر جنودها مواقع إطلاق صواريخ مضادة للدبابات ونقاط مراقبة وممرات أنفاق، وقتلوا عددا من المسلحين، حسب رواية إسرائيل.
وتعتبر بعض الجهات الإسرائيلية الكتيبة فرقة خارجة عن إدارة الجيش الإسرائيلي، بينما تراها جهات أخرى رائدة وتستحق الإشادة بها، وقد تم تكريم الكتيبة من قِبَل الجيش الإسرائيلي، احتفاء بما وُصفت بأنها "إنجازات غير عادية للوحدة"، وبما قدمته، بحسب قولهم، من "إبداع عملياتي"، وقد حصدت، وفقا لذلك، عدة جوائز، منها: جائزة التميز في التوظيف التشغيلي عام 2012، وجائزة رئيس الأركان عام 2014.
أعمال عنف وانتهاكات لحقوق الإنسان
على مدار سنوات، اشتُهرت كتيبة "نيتسح يهودا" بأنها الأشد عنفا ضمن دائرة الوحدات العسكرية الإسرائيلية في تعاملها مع المدنيين الفلسطينيين، وثبت تورطها في جرائم حرب وانتهاك لحقوق الفلسطينيين، واعتدى عناصرها على الممتلكات الخاصة للفلسطينيين، فسرقوا سيارات تحت تهديد السلاح وأثناء ارتداء الزي العسكري، واعتدوا على المنازل.
وأُدينت عناصر من الكتيبة بتعذيب السجناء الفلسطينيين والتنكيل بهم، كما أساؤوا معاملة المتهمين الفلسطينيين، واعتدوا عليهم بالضرب المبرح وبالصفعات واللكمات واستخدام الهراوات، بعد تكبيلهم وتعصيب أعينهم، واستخدم بعضهم الصعق بالكهرباء على مواضع حساسة كالرقبة والصدغين، وقد اعتقلت الشرطة العسكرية الإسرائيلية 4 جنود من الكتيبة في أكتوبر/تشرين الأول 2021، على خلفية ضرب واعتداء جنسي على شاب فلسطيني.
وبحسب منظمة "الديمقراطية الآن للعالم العربي"، فقد تورطت الكتيبة بين عامي 2015 و2022، في العديد من أعمال العنف والانتهاكات بحق المدنيين الفلسطينيين العزل، بما في ذلك إطلاق النار والقتل التعسفي والتعذيب والاعتداء الجسدي والضرب والاعتداء الجنسي.
ومن الأحداث العنيفة التي قامت بها الكتيبة، وأخذت صدى واسعا، حادثة مقتل المسن عمر أسعد، البالغ من العمر 78 عاما، في يناير/كانون الثاني 2022. وكان جنود من "نيتسح يهودا" قد اعتقلوه عند نقطة تفتيش مؤقتة في قرية "جلجليا" بالضفة الغربية، في وقت متأخر من الليل، وتركوه مكبلا ومكمما ومعصوب العينين يقاسي البرد القارس داخل مبنى قيد الإنشاء، حتى عُثر عليه ميتا بعد ساعات. واكتفت سلطات الاحتلال بتوبيخ قائد الكتيبة، وطرد قائد السرية، وأغلقت ملف التحقيق دون محاكمة.
تحقيقات وعقوبات أميركية
بدأت لجنة خاصة تابعة لوزارة الخارجية الأميركية في أواخر عام 2022 بالتحقيق بشأن الاتهامات الموجهة لكتيبة "نيتسح يهودا" بعد ورود تقارير حول انتهاكها حقوق الإنسان، وقيامها بأعمال عنف ضد مدنيين فلسطينيين، وكان أبرزها وفاة الأميركي المسن عمر أسعد ذي الأصول الفلسطينية.
وقد تم إجراء مقابلات مع إسرائيليين وفلسطينيين بشأن سلوك عناصر الكتيبة بالضفة الغربية، وخلصت اللجنة إلى ثبوت تورط الكتيبة بانتهاك حقوق الإنسان، وأوصت بإجراء عقوبات في حقها.
وكشفت مصادر أميركية في أبريل/نيسان 2024، عن إمكانية تعرض "نيتسح يهودا" للعقوبات، على خلفية ثبوت سلوكيات وأحداث عنف قام بها عناصرها في الضفة الغربية، قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتتضمن العقوبات منع تقديم مساعدات عسكرية أميركية للكتيبة، وحرمان جنودها من المشاركة في تدريبات مع الجيش الأميركي، أو المشاركة في أي نشاط ممول من قِبَل الولايات المتحدة.
وتستند الإجراءات العقابية إلى قانون السيناتور الأميركي السابق "باتريك ليهي"، الذي صدر عام 1997، والذي يحظر على الجيش الأميركي تقديم مساعدات عسكرية أو القيام بنشاطات تدريبية مع وحدات عسكرية أو أمنية أو أجهزة شرطة، يثبت تورطها بانتهاك حقوق الإنسان.
ودعت رئيسة حزب العمل الإسرائيلي، ميراف ميخائيلي، عقب تلك الأحداث إلى تفكيك كتيبة "نيتسح يهودا"، بسبب "سلوكها العنيف والفاسد لسنوات"، بينما أعرب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، عن استعداده لاستيعاب الوحدة في جهاز الشرطة ووزارة الأمن القومي، وصرح بإمكانية دمجها ضمن قوات حرس الحدود.