مدينة كابل.. عاصمة أفغانستان وأكبر مدنها
عاصمة جمهورية أفغانستان الإسلامية وكبرى مدنها، وهي مركزها الاقتصادي والثقافي. يعيش فيها حوالي 5 ملايين نسمة على مساحة 4462 كيلومترا مربعا. جعلها موقعها الجغرافي بين الجبال وعند تقاطع الطرق التجارية "جنة" رابضة بين الجبال، وسعت العديد من الإمبراطوريات إلى ضمها وجعلها عاصمة لها مثل الأخمينية والسلوقية والكوشانية والمغولية.
شهدت نموا سكانيا غير مسبوق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية للبلاد عام 2001 ردا على هجمات 11 سبتمبر/أيلول، حيث تحولت إلى قبلة للنازحين الباحثين عن الأمن والاستقرار.
الموقع والمساحة
تقع مدينة كابل على ضفاف نهر كابل شرق أفغانستان، وتحيط بها جبال أسماي وشيرداوازا، وترتفع عن سطح البحر بحوالي 1800 متر.
تمتد على مساحة 4462 كيلومترا مربعا وتنطلق منها معظم الطرق الرئيسية التي تربطها ببقية أنحاء البلاد.
تتميز بموقع إستراتيجي، إذ توجد عند تقاطع الطرق المؤدية إلى أوزبكستان في الشمال عبر مزار شريف، وباكستان في الشرق عبر جلال آباد وقندهار إلى الجنوب.
تتميز المدينة عن باقي العواصم الأخرى في الدول الآسيوية بالقصور التاريخية التي تعكس تنوعها الثقافي وتاريخها القديم وأهميتها الإستراتيجية التي اكتسبتها بفعل موقعها والأدوار التي لعبتها خلال قرون.
السكان
بلغ عدد سكان كابل 5 ملايين و572 ألف نسمة عام 2022 وفقا لبيانات الهيئة الوطنية للإحصاء والمعلومات الأفغانية. يعيش 4 ملايين و800 ألف منهم في المناطق الحضرية و771 ألفا في المناطق الريفية.
ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد نزح حوالي 94 ألف شخص إلى مقاطعة كابل منذ أغسطس/آب 2021، وهو ما جعلها المنطقة الأكثر استقبالا للنازحين داخليا، كما أنها كانت المنطقة التي عاد إليها معظم المهاجرين من الخارج في الفترة نفسها، وهم 4166 فردا. لم يتجاوز عدد سكانها في عام 1950 حوالي 170 ألف نسمة. وفي عام 2015 بلغ عددهم 4.6 ملايين نسمة، وهو ما جعلها من أكثر المدن نموا من حيث الكثافة السكانية.
يشكل البشتون والطاجيك والهزارة غالبية سكانها، إلى جانب أقليات عرقية أخرى تشمل الأوزبك والتركمان والهندوس الأفغان. ويعتنق ما يقرب من 3 أرباع السكان الإسلام السني، والباقي يتبعون المذهب الشيعي وديانات أخرى مثل السيخية والهندوسية.
يتحدث سكانها اللغة الفارسية الأفغانية "الدارية"، كما تنتشر لغة البشتو على نطاق واسع في جميع أنحاء المدينة.
تعد المنازل المبنية من الطوب والملاط أو المنازل المبنية من الطوب اللبني؛ أكثر المساكن شيوعا في مدينة كابل، ويفضل السكان استئجار المنازل على امتلاكها، ووفقا لتقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة في أبريل/نيسان 2022، استنادا إلى معلومات من وكلاء العقارات المحليين وأصحاب المنازل، كان متوسط الإيجار الشهري لشقة مكونة من 3 غرف نوم في مدينة كابل ما بين 120 و150 دولارا أميركيا.
المناخ
تتمتع كابل بمناخ قاري شبه جاف. تهطل فيها أمطار غزيرة في فصل الربيع ويبلغ متوسط درجات الحرارة في الصيف حوالي 32 درجة مئوية، أما في الشتاء فيبلغ متوسط درجات الحرارة 5 درجات مئوية تحت الصفر ويتميز هذا الفصل بتساقط ثلوج كثيفة.
التاريخ
يرجع تاريخ كابل إلى أكثر من 3 آلاف سنة قبل الميلاد، وبالنظر لموقعها الإستراتيجي على طول الطرق التجارية، عاصرت المدينة العديد من الإمبراطوريات، إذ كانت جزءا من الإمبراطورية الأخمينية أو الفارسية الأولى ثم الإمبراطورية السلوقية (الإغريقية) قبل الميلاد.
وفي القرن الأول الميلادي أصبحت عاصمة الإمبراطورية الكوشانية التي شملت منطقة شمالي الهند وآسيا الوسطى، وخضعت بعدها لسيطرة الغزنويين والغوريين.
تعرضت عام 1221 للدمار والتخريب على يد المغول بقيادة جنكيز خان وتراجعت مكانتها ودورها إلى أن استولى عليها تيمورلنك عام 1398 وبدأت تستعيد عافيتها وتنتعش.
أصبحت كابل عاصمة سلالة المغول عام 1504 في عهد الإمبراطور ظهير الدين محمد بابور الذي أعجب بمناخ المدينة وبنى فيها حدائق وقصورا.
ضمها أحمد شاه الدراني مؤسس أول دول أفغانية مستقلة إلى إمبراطوريته وأصبحت عاصمة دائمة للحكام الدرانيين عوض قندهار منذ عام 1773م.
وفي القرن الـ19، بنى فيها البريطانيون معسكراتهم خلال الحرب الأفغانية الأولى والثانية (1839-1842 و1878-1880 على التوالي). وخلال هذه الفترة دمرت العديد من المعالم الأثرية، بما في ذلك قلعة "بالا حصار" التي تضررت بشدة.
هبطت القوات المسلحة السوفياتية في 23 ديسمبر/كانون الأول 1979 في مطار كابل للمساعدة في دعم الحكومة الشيوعية؛ وأعقب ذلك 10 سنوات من الصراع المدمر. وفي فبراير/شباط 1989 انسحبت القوات السوفياتية من المدينة.
استولت حركة طالبان على كابل في 26 سبتمبر/أيلول 1996، ثم انسحبت منها بعد أن سقطت في أيدي قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، ثم سيطرت عليها طالبان مرة أخرى في أغسطس/آب 2021.
دخول الإسلام إلى كابل
وصل المسلمون إلى كابل أول مرة في عهد الخليفة عمر بن الخطاب على يد عاصم بن عاصم التميمي في القرن السابع الميلادي، ثم مرة أخرى في زمن معاوية بن أبي سفيان، إلا أن توطيد الإسلام فيها تأخر إلى زمن محمود الغزنوي حاكم الدولة الغزنوية التي زامنت الخلافة العباسية في القرن الـ11، وقد نافست المدينة العديد من المدن سياسيا وحضاريا، منها مدينة هرات وغزني وقندهار.
وصفها ابن بطوطة في الجزء الثالث من كتابه "تحفة النظار في غرائب الامصار وعجائب الأسفار" وقال: "سافرنا إلى كابل وكانت فيما سلف مدينة عظيمة، وبها الآن قرية يسكنها طائفة من الأعاجم يقال لهم الأفغان، ولهم جبال وشعا، وشوكة قوية، وأكثرهم قطّاع الطريق، وجبلهم الكبير يسمى كوه سليمان، ويذكر أن نبي الله سليمان عليه السلام صعد ذلك الجبل، فنظر إلى أرض الهند وهي مظلمة فرجع ولم يدخلها فسمي الجبل به، وفيه يسكن ملك الأفغان، وبكابل زاوية الشيخ إسماعيل الأفغاني تلميذ الشيخ عباس من كبار الأولياء".
الاقتصاد
اشتهرت كابل بصناعة الذخائر والأسلحة الخفيفة والإسمنت والتعدين والنسيج والسجاد الأفغاني والحرف التقليدية وإنتاج الفواكه الطازجة والمجففة بمختلف أنواعها.
يعتمد اقتصادها أساسا على التجارة، إذ تعرف بأسواقها الكثيرة، وجزء من عملية التحديث خلال النصف الأول من القرن الـ20، استثمر في الصناعة وبناء عدد من مصانع النسيج وإنتاج الطوب.
في ستينيات القرن الـ20، صنفت منطقة باغرام الواقعة شرق المدينة على أنها منطقة صناعية، إلا أنها تعرضت لأضرار جسيمة ونهب خلال الحرب في فترة (1993-1994)، كما تسببت عقود من الحروب والصراعات في تدمير وإغلاق عدد من المصانع.
وفرت طفرة البناء في أوائل القرن الـ21 بعض فرص العمل، غير أن نسبة مهمة من سكان المدينة يشتغلون في الوظائف الحكومية أو في الوظائف العرضية التي يولدها قطاعا التجارة والخدمات.
التعليم في كابل
ظهر التعليم الحديث في كابل مع بداية القرن الـ20، إذ أنشأ الأمير حبيب الله خان أول مدرسة حديثة في المدينة عام 1903 لتعليم أبناء النخبة في البلاد أُطلق عليها اسم المدرسة الحبيبية.
اعتمدت المدرسة مناهج المدارس الثانوية الهندية البريطانية، وكانت تقدم التعليم لمستويات الابتدائي والإعدادي والثانوي، وكانت الشهادات المحصل عليها في كل مستوى تؤهل حاملها لوظيفة حكومية تتناسب معها.
تخرجت الدفعة الأولى من الحاصلين على شهادة الباكالوريا (الثانوية العامة) في 1918، وفي عام 1920 أرسل بعض خريجيها لإكمال الدراسة الجامعية بالخارج لأول مرة، وفي العام نفسه افتتحت مدرسة أماني الثانوية بتمويل من ألمانيا ولاحقا مولت فرنسا بناء مدرستين.
أما التعليم الجامعي، فبدأ مع تأسيس جامعة كابل عام 1932، وتعد من أشهر جامعات أفغانستان وينتظم فيها عام 2023 قرابة 25 ألف طالب في 16 كلية.
ويبلغ عدد الجامعات الحكومية في كابل 3 جامعات من بين 39 جامعة في أفغانستان، أما الجامعات الخاصة فيبلغ عددها 70 جامعة من بين 126 جامعة، ولبعضها فروع في بعض المحافظات، من أشهرها الجامعة الأميركية التي أغلقت مع سيطرة طالبان على المدينة، وجامعة السلام، وجامعة الدعوة، وجامعة كاردان، وجامعة خاتم النبيين.
أهم المعالم
المتحف الوطني الأفغاني
يعرف أيضا باسم متحف كابل، تأسس عام 1919 في عهد الأمير أمان الله خان، وكان مقره الأول في قصر باغ بالا في كابل، ثم انتقل إلى موقعه الحالي عام 1931.
كان يضم مخطوطات ومنمنمات وأسلحة ومقتنيات فنية تعود إلى العائلات الملكية السابقة، وقد أُغني المتحف بقطع أثرية اكتشفت خلال عمليات التنقيب والحفر التي قامت بها بعثات أجنبية، وتعود هذه القطع الأثرية إلى عصور ما قبل التاريخ والكلاسيكية والبوذية والهندوسية والإسلامية، وبلغ عددها عام 1992 حوالي 100 ألف قطعة.
تعرض المتحف خلال مرحلة الحرب الأهلية الأفغانية واستيلاء طالبان على السلطة في أفغانستان للنهب والتخريب، وبنهاية القرن الـ20 كان المتحف قد فقد ما يزيد على 70% من محتوياته.
وبعد تراجع سلطة طالبان فتح المتحف الوطني الأفغاني أبوابه مجددا عام 2004 وساعدت عدة منظمات دولية في استعادة أكثر من 8 آلاف قطعة أثرية، بما فيها قطع العاج الشهيرة من القرن الأول.
حديقة بابور
بنيت عام 1528 وهي واحدة من الحدائق التي بناها الإمبراطور المغولي ظهير الدين محمد الملقب ببابور، وهو أول امبراطور لدولة مغول الهند الإسلامية الذين حكموا المدينة في القرن الـ16.
تمتد الحديقة على مساحة تصل إلى 11 هكتارا، وتضم مقبرة الإمبراطور المغولي ومجمع قصر الملكة ومسجدا، وخضعت لأعمال ترميم في بداية عام 2003 بهدف الحفاظ على هويتها التاريخية، وأعيد فتح أبوابها للجمهور عام 2008.
قلعة "بالا حصار"
من أبرز المباني التاريخية وسط كابل، يرجح أنها كانت تحتضن مستوطنة عسكرية في العصر البرونزي، وقد أشير إليها في عدد من المصادر التاريخية.
وتعود المعالم البارزة في القلعة إلى القرنين الـ18 والـ19، مع وجود بعض العناصر المعمارية المغولية التي تعود إلى القرن الـ16.
تعرضت للتخريب والدمار ولم يتبق منها سوى بعض أسوارها القديمة وتحصيناتها المتداعية، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2020 أعلن صندوق الآغا للثقافة عن ترميم القلعة وتحويل الموقع إلى حديقة أثرية عامة.
مسجد بُل خشتي
تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن حجر أساس المسجد وضع مع وصول الإسلام إلى كابل في أواخر القرن الأول الهجري، في حين تقول مصادر أخرى إنه بني في نهاية القرن الـ18 الميلادي في عهد تيمور شاه الدراني ملك أفغانستان وثاني حكام الدولة الدرانية.
خضع المسجد لأعمال ترميم وتوسعة من قبل الأمراء الأفغان حتى أصبح أهم أماكن العبادة في كابل وأبرزها. ويعتبر تحفة فنية معمارية بالنظر لتصميمه وزخرفته.
أصبح على شكل منزل له 3 ممرات و21 قبة وسط كل قبة مصباح كبير، وذلك بعد عمليات الترميم والتوسعة التي أجريت له وزينت جدرانه الداخلية -التي يبلغ طولها 88 مترا- بآيات قرآنية مكتوبة بالخط الكوفي.