سميحة خليل.. سنديانة فلسطين

سميحة خليل من أبرز رائدات الحركة النسائية في فلسطين، مناضلة وقائدة وأم، سميت بـ"سنديانة فلسطين"، إلا أنها تحب أن تُنادى من قبل الكبار والصغار بـ"خالتي أم خليل".

وهي من أشد المؤمنين بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة، وجسدت هذه القناعة بخوضها المعركة الانتخابية الرئاسية أمام ياسر عرفات في عام 1996، مكرسةً بذلك تقليدا ديمقراطيا وحضاريا على الساحة الفلسطينية.

المولد والنشأة

ولدت سميحة يوسف مصطفى القبج عام 1923 في بلدة عنبتا، قضاء طولكرم في فلسطين المحتلة، والدها يوسف القبج، ووالدتها حليمة طوقان، ولها 3 إخوة و4 أخوات.

تزوجت في سن 17 من المربي سلامة خليل من بلدة الطيبة، وكان معلما للغة الإنجليزية في مدرسة قلقيلية، ثم أصبح مديرا للمدرسة، ثم مديرا عاما لدائرة التربية والتعليم في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" (UNRWA).

تنقلت أسرتها بين أكثر من مكان، بداية من المجدل حيث أنجبت ساجي، ثم هاجرت إلى غزة عام 1948، ومنها عبرت البحر إلى بيروت، ثم إلى دمشق، ومنها إلى عمّان، واستقر بها المقام في طولكرم بالضفة الغربية.

أنجبت سميحة 4 أبناء، هم: خليل وساجي وسمير وسميح، وابنة واحدة هي سائدة، وعرفت لاحقا باسم زوجها سميحة خليل.

Samiha Khalil, the 72-year-old woman activist running against PLO leader Yasser-Arafat in the January 20 Palestinian elections, addresses supporters January 2. Khalil, who opposes the Israeli-PLO peace deal, said if elected she would try to rectify the shortcomings of the self-rule accord
سميحة خليل في أحد خطاباتها خلال الانتخابات التي خاضتها بالتنافس مع ياسر عرفات (رويترز)

الدراسة والتكوين العلمي

تعلمت سميحة في مدينة نابلس في مدرسة ابتدائية خاصة تُسمى "مدرسة الراهبات" لمدة سنتين، وأكملت المرحلة الابتدائية حتى الصف السابع في مدرسة طولكرم، ثم أرسلها أهلها إلى مدرسة "الفرندز" الداخلية في رام الله لمتابعة دراستها الإعدادية.

لم تُنهِ سميحة خليل تعليمها الثانوي إلا بعد 25 عاما من زواجها، إذ تقدمت لامتحانات الثانوية العامة عام 1964، وكانت تبلغ من العمر آنذاك 42 عاما، وحصلت على الشهادة الثانوية من الأردن.

التحقت بعد ذلك بجامعة بيروت العربية بين الأعوام 1964-1967 لدراسة الأدب العربي، وبدأت تدرس عن بعد لمدة عام تسافر خلالها من حين لآخر إلى الجامعة لإجراء الامتحانات، لكنها لم تَحُزْ شهادة البكالوريوس بسبب اندلاع حرب 1967، إذ مُنعت على إثرها من مغادرة الضفة الغربية إلى بيروت لاجتياز الامتحانات.

التجربة السياسية والعملية

نذرت سميحة خليل نفسها لخدمة القضية الفلسطينية بالوسائل كافة، بحكم ريادتها للعمل النسائي في فلسطين، فقادت بنفسها المظاهرات ضد قوات الاحتلال، وشاركت في المجلس الوطني الفلسطيني، وأسست الاتحادات والجمعيات النسائية، وساهمت في العمل الخيري والتعليمي، جنبا إلى جنب مع نضالها السياسي.

قادت المظاهرات وسارت في طليعتها، وكان من أبرزها تلك التي قامت ضد حلف بغداد عام 1956، إذ قادت سميحة المظاهرة النسائية الأضخم بدءا من رام الله، وصولا إلى القدس، وضمت طالبات دار المعلمات ونساء البيرة ونساء القدس وطالباتها.

وفي اليوم التالي، قادت مظاهرة ضمت نساء 27 قرية من الضفة الغربية، وهي القائلة: "قتلنا حلف بغداد. لم نزل ننزل إلى المسيرات حتى انتهى".

اعتقلتها سلطات الاحتلال مرات متعددة، وحققت معها وسجنتها مرتين، وفرضت عليها الإقامة الجبرية في مطلع الثمانينيات لمدة سنتين ونصف السنة، ومنعتها بعد ذلك من السفر لمدة 12 عاما.

وعلى الرغم من كل القيود، فإنها قد تمكنت من تمثيل المرأة الفلسطينية في أكثر من 20 مؤتمرا في بلدان العالم، وألقت الخطابات، وشرحت قضية بلادها في المحافل العامة.

أما دورها القيادي البارز فكان من خلال رئاستها الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في الأراضي المحتلة، ورئاستها جمعية إنعاش الأسرة، لتحقيق مجموعة من الأهداف تتضمن: تعليم الأطفال، وتشغيل الأمهات، وإرساء أسس العمل التطوعي، والحفاظ على التراث.

كانت المرأة الوحيدة في قيادة "الجبهة الوطنية في الضفة الغربية" إلى جانب 42 رجلا، وهي ائتلاف كان يتشكل من منظمات وشخصيات فلسطينية سياسية ونقابية وحزبية.

في العام 1978 أصبحت عضوا في "لجنة التوجيه الوطني"، وهي الهيئة القيادية العليا التي ضمت رؤساء البلديات ومندوبين عن الأحزاب والفصائل والمؤسسات والنقابات المهنية والشخصيات الوطنية، مع 34 عضوا.

انتخبت سميحة خليل ممثلة وحيدة لكل النساء في الضفة حين أقيمت لجنة التوجيه الوطني في مبنى النقابات المهنية في القدس الشرقية، وصُنفت اللجنة فيما بعد خارجةً عن القانون، واعتقلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أعضاءها، وأبعدت بعضهم، وفرضت الإقامة الجبرية على البعض الآخر.

رشحت سميحة خليل نفسها في الانتخابات الأولى لرئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1996، منافسة وحيدة أمام القائد ياسر عرفات، وحصلت على 12% من الأصوات، لتكون بذلك أول امرأة عربية تترشح لمنصب رئاسة الدولة. وقد دعت ياسر عرفات لمناظرة انتخابية، وجاء في بيانها الانتخابي ما نصه: "سألغي اتفاقيات الحكم الذاتي حال انتخابي".

وعن سبب ترشحها للرئاسة، قالت "الذي دعاني لترشيح نفسي هو رغبتي في المشاركة برفع الظلم عن شعبي، ومساعدته في الوصول إلى أهدافه، وإزالة المستوطنات، وتحرير الوطن وإقامة الدولة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين والإفراج عن المعتقلين، وإشراك شعبي في قضاياه المصيرية".

سميحة خليل في مكتبها في رام الله (الفرنسية)

الوظائف والمسؤوليات

  • أسست جمعية الاتحاد النسائي العربي في مدينه البيرة، وكانت رئيسة لها عام 1952.
  • اختيرت عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني الأول عام 1964، والذي انبثقت عنه منظمة التحرير الفلسطينية.
  •  أسست جمعية إنعاش الأسرة مع مجموعة من النساء الفلسطينيات عام 1965، وامتد نشاط الجمعية إلى كل القرى والمدن الفلسطينية، من أجل تقديم العون والمساعدة للأسر المحتاجة، وكانت رئيسة لها طوال حياتها.
  • انتخبت في اللجنة التنفيذية للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية، وأصبحت أمينة سره.
  • قامت بدور واضح في النضال الوطني عام 1977 من خلال عضويتها في الجبهة الوطنية الفلسطينية.
  • أصبحت عضوا في "لجنة التوجيه الوطني" عام 1978، وكانت عضوا في المجلس الوطني الفلسطيني منذ بداياته.
  • مثلت المرأة الفلسطينية في عدد من المؤتمرات الدولية، ولم تتمكن من حضور بعضها لأسباب أمنية.
  • أسست وشاركت في عدة جمعيات واتحادات منذ العام 1965، مثل: "جمعية الشابات المسيحيات"، و"اتحاد الجمعيات الخيرية في القدس"، وكانت رئيسة "اتحاد الجمعيات التطوعية"، الذي ضم في صفوفه 55 جمعية من الضفة والقطاع.
  • شغلت منصب أمين صندوق لجنة محو الأمية وتعليم الكبار.
  • عضو شرفي في اتحاد المحامين العرب، وعضو شرفي في الاتحاد النسائي العربي-البيرة.

المؤلفات والإنجازات

ألفت سميحة خليل كتاب زجل بعنوان "من الانتفاضة إلى الدولة"، وقد نشر عام 1989. وهو عبارة عن مجموعة من القصائد الزجلية تتحدث عن مظاهر الكفاح الفلسطيني أثناء الانتفاضة الأولى.

كتبت عدة مقالات سياسية واجتماعية نُشرت في الصحف المحلية والأجنبية.

روت عددا من الحكايات الشعبية الفلسطينية ضمن زاوية خاصة عنوانها "حكايات من بلدي" في مجلة التراث والمجتمع.

وقد صدر عن حياتها كتاب "مناضلة من فلسطين.. دراسة في حياة ونضال سميحة سلامة خليل"، من تأليف الدكتور شريف كناعنة والدكتور عبد اللطيف البرغوثي.

الأوسمة والجوائز

نالت سميحة خليل عدة أوسمة وجوائز تقديرية، أبرزها:

  • وسام من الاتحاد العام لطلبة فلسطين 1992.
  • وسام من الجمعية الفلسطينية للعلوم الرياضية 1993.
  • وسام القدس للثقافة والفنون والآداب 1995.
ياسر عرفات يحيي سميحة خليل خلال تجمع في مدينة رام الله بالضفة الغربية لإحياء الذكرى الـ50 للنكبة (الفرنسية)

الوفاة

توفيت المناضلة سميحة خليل مساء يوم الجمعة الموافق 26 فبراير/شباط 1999، ودفنت في مدينة البيرة، وشُيّعت بجنازة رسمية وشعبية مهيبة، وكُتب على قبرها عبارة "ناضلت من أجل حرية واستقلال الشعب الفلسطيني".

وتخليدا لذكراها أُطلق اسمها على إحدى المدارس في مدينة البيرة، وهي "مدرسة سميحة خليل الثانوية للبنات"، وكذلك على شوارع رئيسية في رام الله والبيرة، والمبنى الرئيسي لجمعية إنعاش الأسرة في القدس.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية