محمد عبده.. "فنان العرب" الذي كاد أن يكون بحارا
أحد كبار المغنين والملحنين في الوطن العربي، يعتبر من أوائل المطربين الذين نقلوا الأغنية السعودية من المحلية إلى الانتشار على الصعيد العربي، ومن أكثر من ساهم في تطويرها. لفت الأنظار بصوته العذب وقدرته المميزة على التلحين، وأطلق عليه الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة لقب "فنان العرب".
المولد والنشأة
ولد محمد عبده عثمان آل دهل العسيري يوم 12 يونيو/حزيران 1949 في مدينة جازان بأقصى جنوبي السعودية، عانى من الفقر واليتم صغيرا بعد وفاة والده وهو في السادسة من عمره.
سافر وهو صغير مع عائلته إلى مدينة جدة، وسكن في حي الهنداوية. عملت أمه لإعالته وشقيقه أحمد قبل أن يدخلا القسم الداخلي بدار الأيتام في جدة، بعد أن خشيت أمهما عليهما من تركهما وحدهما في فترات عملها الطويلة.
الدراسة والتكوين
التحق محمد عبده بالمعهد الصناعي للتخصص في صناعة السفن من أجل تحقيق حلمه بالعمل بحارا مثل والده، ورغم أنه أكمل دراسته في المعهد عام 1963، فإنه لم يحقق هدفه بسبب حبه الشديد للفن والغناء.
وكان من المفترض أن يسافر إلى إيطاليا لإكمال دراسة صناعة السفن، ولكنه حوّل وجهته إلى بيروت لدراسة الفن بعد نصيحة من مكتشفه عباس فائق غزاوي، الذي غنى معه في الإذاعة في برنامج "بابا عباس".
التجربة الفنية
سافر محمد عبده إلى بيروت برفقة غزاوي والشاعر طاهر زمخشري، وتعرفوا هناك على الملحن السوري محمد محسن، الذي لحن أول أغنية خاصة لمحمد عبده، وهي أغنية "خاصمت عيني من سنين"، وكانت أول أغنية يسجلها في الإذاعة.
دخل بعدها بقوة في عالم الفن وساعده في ذلك تعرفه على الشاعر إبراهيم خفاجي، وتعاونه مع الموسيقار طارق عبد الحكيم في أغنية "سكة التايهين"، التي كانت إعلانا لانطلاقته الحقيقية في عالم الفن وذلك عام 1966.
وفي عام 1967 خاض أول تجربة في التلحين بأغنية "الرمش الطويل" التي بيعت منها أكثر من 30 ألف أسطوانة. وفي العام ذاته قدم أغنية "لنا الله" من ألحان طارق عبد الحكيم، كما غنى من أشعار عبد الله الفيصل "هلا يابو شعر ثاير".
مع بداية سبعينيات القرن الـ20 وصلت شهرة عبده إلى دول الخليج المجاورة، فتعاون مع الشاعر الكويتي فائق عبد الجليل والملحن الكويتي يوسف المهنا في أغنية "أبعاد"، التي نقلت شهرته إلى الوطن العربي، محققة انتشارا غير مسبوق للأغنية الخليجية، وهو ما شجعه على دخول عالم الأغنية الطويلة.
وخلال تلك الفترة خاض أول تجربة تمثيل له في مسلسل "أغاني في بحر الأماني"، وفي الثمانينيات أقام حفلا غنائيا في تونس حضره بورقيبة، الذي أطلق عليه بعدها لقب "فنان العرب".
دخل مرحلة فنية جديدة بالتعاون مع الموسيقار عبد الرب إدريس في أغاني "محتاج لها" و"بعتذر" و"كلك نظر"، وفيها فرض على الملحن الشهير أسلوبه الفني، فحققت نجاحات منقطعة النظير، وأصبح بفضلها أحد أهم المغنين في العالم العربي. وفي الفترة نفسها قدم أغنيتي "وهم" و"العقد" وغناهما لأول مرة في حفل كبير في جنيف صيف 1988.
وفي نهاية فترة الثمانينيات من القرن الـ20، وبعد أن طرح ألبوم "المسافة" في عام 1989، توقف عن الغناء لمدة 8 سنوات لأسباب مجهولة، لكنه خلال هذا التوقف قدم أغاني "أنشودة المطر" و"البراوز" وعدة جلسات خاصة. كما طرح 3 ألبومات وطنية خلال حرب الخليج الثانية.
عاد بقوة عام 1997 إلى الساحة الفنية من خلال حفل خاص أقامه في لندن بمناسبة اليوم الوطني للسعودية، وقدم فيه 21 أغنية جديدة دفعة واحدة، وكان أول فنان عربي يقدم 5 ألبومات دفعة واحدة، وواصل بعدها تقديم الحفلات بشكل مكثف.
الجوائز والأوسمة
حصل محمد عبده على وسام وميدالية الاستحقاق من الدرجة الثانية للملك السعودي فهد بن عبد العزيز ووسام بورقيبة للثقافة من الدرجة الثانية عام 1982، كما فاز بالأسطوانة الذهبية عام 1989، وبجائزة الموسيقى العالمية لأفضل أداء حي، وبجائزة الموسيقى العالمية لأفضل فنان ترفيهي في العالم لعام 1998.
مرض السرطان
في الخامس من مايو/أيار 2024 أعلن محمد عبده إصابته بسرطان البروستاتا، مشيرا إلى أنه يتلقى العلاج الكيميائي في العاصمة الفرنسية باريس.
وأكد في تصريحات إعلامية أن حالته الصحية تتحسن، وأنه يخضع للعلاج الإشعاعي، لأن أعراضه الجانبية أخف من العمليات الأخرى. وكشف أنه يتلقى حقنة علاج إشعاعي كل 3 أشهر.