قاعدة حميميم الجوية.. إحدى أهم القواعد العسكرية الروسية في سوريا

حميميم، قاعدة جوية عسكرية روسية تقع جنوب شرق مدينة اللاذقية السورية في بلدة حميميم. وأُنشئت قاعدة حميميم لتحل محل مطار مدني صغير قديم، بموجب اتفاق بين روسيا وسوريا عام 2015، وأصبحت نقطة ارتكاز عسكري روسي في المنطقة.
منذ تأسيسها، شكّلت حميميم مركزا رئيسيا للعمليات العسكرية الروسية في سوريا، وانطلقت منها آلاف الطلعات الجوية التي استهدفت مواقع للمعارضة السورية، وشنت غارات جوية مستهدفة مدنا وقرى سورية مما أوقع آلاف القتلى من المدنيين.
وبعد سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، كشفت مصادر عن تحركات مكثفة من قاعدة حميميم، مع إطلاق إدارة العمليات العسكرية عملية أمنية تضمّنت نصب حواجز حول القاعدة لمنع الدخول والخروج دون تفتيش، بعد ورود تقارير بشأن لجوء "فلول النظام البائد" إليها.
الموقع
تقع قاعدة حميميم الجوية في بلدة حميميم السورية على بعد 4 كيلومترات عن مدينة جبلة، و19 كيلومترا جنوب شرق مدينة اللاذقية. وتجاور القاعدة مطار باسل الأسد الدولي وتشترك معه في بعض المرافق.
الأهمية الإستراتيجية
منذ إنشائها عام 2015، أصبحت قاعدة حميميم مركزا رئيسيا للقوات الجوية الروسية لتنفيذ ضرباتها الجوية والصاروخية ضد مواقع للمعارضة السورية. ونفّذت القوات آلاف الطلعات القتالية التي أسفرت عن تدمير أهداف كثيرة.
وفي عام 2016، استخدمت القاعدة لرصد عمليات الالتزام بوقف إطلاق النار، واستضافت تدريبات مشتركة بين القوات الروسية والسورية وأنشطة أخرى.
وتعد القاعدة نقطة انطلاق لإرسال المرتزقة الروس خاصة إلى أوكرانيا وليبيا وأفريقيا الوسطى والسودان، ولنقل المعدات والإمدادات لاستمرار عملهم.
التأسيس
قبل الوجود الروسي في سوريا كانت القاعدة مطارا مدنيا صغيرا قديما يستقبل الطيران المروحي، لكن القوات السورية استخدمته لاحقا لاستقبال الطائرات المدنية الصغيرة والمتوسطة.
وتم توقيع اتفاق بين سوريا وروسيا في 26 أغسطس/آب 2015، يقضي بنشر قوات جوية روسية في القاعدة بهدف الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة.
وأكدت الاتفاقية، التي نشرت بعد أشهر من توقيعها، أن "الوجود العسكري الروسي في القاعدة ذو طابع دفاعي بحت وليس موجها ضد أي دولة أخرى".
وقد منحت الاتفاقية القوات العسكرية الروسية حق استخدام قاعدة حميميم الجوية في كل وقت دون مقابل ولأجل غير مسمى.
توسعة القاعدة
وبعد عام على توقيع الاتفاقية، أجرت روسيا عمليات توسعة للقاعدة لتناسب هبوط الطائرات الكبيرة، إضافة إلى إنشاء بنية تحتية لإيواء العسكريين، مثل الوحدات السكنية والمناطق الرياضية ومركز صحي ومطاعم ومستشفى ميداني.
وأصبحت مساحة القاعدة عقب عمليات التوسيع 3 ملايين متر مربع، وأصبح المدرّج الرئيسي بعرض 100 متر وبطول 4600 متر، بهدف تسهيل عمليات هبوط طائرات "أنتونوف" و"سوخوي" الروسية، فضلا عن تجهيز مواقع لنشر منظومات صواريخ "بانتسير".
كما أعلن عن تخصيص ساحات لهبوط وإقلاع طائرات النقل "آن-124" (روسلان) الثقيلة، حتى لا تعرقل عمليات شحن وتفريغ هذه الطائرات العملاقة وعمليات صيانتها الحركة الاعتيادية في المطار.
وقد أحضرت آليات حفر كبيرة من مؤسسة الإسكان العسكرية في دمشق للقيام بعمليات التوسعة بتكلفة أولية قدرت بـ300 مليون دولار، وذلك تحت إشراف ضباط روس.
وبعد سنوات، عملت روسيا على توسيع نطاق القاعدة، وشمل ذلك إنشاء مهبط ثانٍ، وحظائر للطائرات، ونظام مركزي للتزود بالوقود.
الأسلحة والعتاد
بعد توقيع الاتفاقية بين دمشق وموسكو بشأن قاعدة حميميم، التي أصبحت نقطة انطلاق رئيسية للعمليات العسكرية الروسية في سوريا، أنشئ تشكيل عسكري خاص وعُزز بنظام دفاع جوي، وكُلفت الشرطة العسكرية الروسية بحماية القاعدة.
وفي بداية إنشائها، ضمت المجموعة الجوية الروسية 32 طائرة، بما في ذلك الطائرات المقاتلة "سوخوي 24 و25 و34″، إضافة إلى مقاتلات "سوخوي 30″، و17 مروحية من طراز "مي 24 و8″، وأضيفت إليها لاحقا مروحيات "مي إم 35" ومقاتلات "سوخوي إس 35".
محطات
وبعد إسقاط طائرة من نوع "سوخوي 24 إم" عام 2015، رُكب نظام الدفاع الجوي الصاروخي "إس 400″، مما سمح لروسيا بالدفاع عن مجال جوي أكبر في المنطقة.
ومن أشهر الوقائع التي شهدتها القاعدة حادثة استقبال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لبشار الأسد في يونيو/حزيران 2016، إذ كشف مقطع فيديو بثته قناة "روسيا اليوم" أن الأسد لم يكن على علم بهوية المسؤول الذي جاء للقائه "وحيدا" في قاعدة حميميم، وظهر داخل قاعة صغيرة وهو يخاطب شويغو بقوله "أنا سعيد جدا بلقائكم.. مفاجأة سارة".
وجلبت الواقعة انتقادات حادة حتى من الموالين لنظامه، الذين اعتبروا أن الأسد "بات موظفا لدى روسيا يتم استدعاؤه في أي وقت من دون أي مسؤولين يرافقونه أو حتى حراس شخصيين".
وتعرضت القاعدة لهجمات عدة بين عامي 2017 و2018، إذ اتهمت صحف روسية آنذاك المعارضة بالوقوف خلف تلك الهجمات التي أوقعت عددا من القتلى في صفوف الجيش الروسي، إضافة إلى إلحاق أضرار ببعض الطائرات.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قاعدة حميميم الجوية، وأعلن عن بدء انسحاب القوات الروسية، مع بقاء جزء منها في البلاد.
وقال بوتين، أثناء حديثه أمام العسكريين في القاعدة، إنه تم إنشاء قاعدتين عسكريتين في طرطوس وحميميم، وإنهما ستستخدمان بشكل دائم. وهنأ الروس بنجاح "مهمة محاربة الإرهاب في سوريا".
وبحسب محللين، فقد انخفض عدد الجنود الروس في سوريا بشكل كبير بعد عام 2022، عندما بدأت موسكو هجومها العسكري على أوكرانيا.
واستخدمت روسيا القاعدة لتنفيذ مهام قتالية ضد فصائل المعارضة مركزة على استخدام سلاح الجو لتغيير المعادلة على الأرض، وقد وفر هذا السلاح الدعم لقوات النظام والفصائل الشيعية المؤيدة له طوال فترة الثورة السورية.
وضمن هذا السياق، دأبت المقاتلات الروسية المرابطة في القاعدة منذ بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا على شن غارات جوية مستهدفة مدنا وقرى سورية مستخدمة حجة القضاء على "الإرهاب"، مما أوقع آلاف القتلى والجرحى، أغلبهم من المدنيين.
ما بعد خلع الأسد
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أطلقت إدارة العمليات العسكرية عملية "ردع العدوان" بهدف توجيه "ضربة استباقية لقوات النظام السوري"، ونفذت حينها القوات الروسية محاولات لوقف تقدم المقاومة السورية في مختلف المدن بما في ذلك حلب وإدلب.
وعقب سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته، كشفت مصادر عن تحركات لطائرات الشحن الروسية من قاعدة حميميم باتجاه ليبيا.
وأظهرت صور بالأقمار الصناعية في 15 ديسمبر/كانون الأول عدم وجود تغييرات كبيرة في التمركز العسكري الروسي في القاعدة، إذ ظلّت الطائرات الحربية والمروحيات في مواقعها المعتادة.
وأطلقت إدارة العمليات العسكرية عملية أمنية لملاحقة فلول النظام البائد في البلاد. ونصبت حواجز عسكرية على طريق قاعدة حميميم الجوية ومنعت الدخول والخروج منها دون تفتيش، وذلك بعد ورود أنباء عن فرار بعض ضباط جيش النظام المخلوع إلى القاعدة.