"الوثبة".. حوار الفرقاء السياسيين بالسودان

Sudanese President Omar Bashir (R) and Chadian President Idriss Deby Itno (L) attend the opening session of the Sudanese national dialogue, in Khartoum, Sudan, 10 October 2015. According to reports, Sudanese President Omar Bashir called on different parties, including political and armed movement, to participate in the National Dialogue Conference where participants are expected to discuss various topics including the internal political process and the armed conflicts with rebel groups.
لا يزال الغموض يلف شكل الحكم الذي يمكن للأطراف المتحاورة أن تتفق بشأنه (الأوروبية)
مشروع أطلقه الرئيس السوداني عمر البشير في 27 يناير/كانون الثاني 2014 للحوار الوطني بين مكونات الشعب السوداني السياسية المدنية والعسكرية المختلفة، مطلقا عليه اسم "الوثبة".
 
وقاطعت الحوار مكونات سياسية رئيسية بينها حزب الأمة القومي المعارض بزعامة الصادق المهدي، وسط اتهامات بعدم وجود إرادة حقيقية عند الحزب الحاكم لإنجاح الحوار.
 
وقد جاء الحديث عن الحوار والإصلاح المؤسسي في السودان في أعقاب مظاهرات احتجاجية في سبتمبر/أيلول 2013، قتل فيها حوالي مئتي شخص، وسبقت تلك الاحتجاجات محاولة انقلابية فاشلة في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
 
ويقوم حوار الوثبة على ست ركائز أساسية هي:
1-  السلام والوحدة.
2- الحريات الأساسية والتنظيم السياسي.
3- الاقتصاد والخروج بالمجتمع السوداني من الفقر إلى الرفاه.
4- قضية الهوية السودانية.
5- العلاقات الخارجية.
6- قضايا الحكم وتنفيذ مخرجات الحوار الوطني.
 
السلام والوحدة
تعد قضية الحرب والنزاعات المسلحة في السودان من أهم تعقيدات الأزمة السودانية والتي ألقت بظلالها على وجه الحياة العامة في مستواها السياسي والاقتصادي والاجتماعي على نحو منظور.
 
ففي إقليم دارفور، ما تزال الحرب التي اندلعت في مارس/آذار 2003 مستمرة، أما في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق فتدخل الحرب عامها الخامس؛ وكان المأمول بعيد انفصال دولة جنوب السودان أن يلتقط السودان أنفاسه  قليلا، لكن العكس هو الذي وقع.
 
فعلى مستوى أزمة دارفور وقعت عدة اتفاقيات، من بينها اتفاقية أبوجا في السادس من مايو/أيار 2006 التي لم تصمد كثيرا بعد عودة قادة الحركات الموقعة مرة أخرى للعمل المسلح.
 
تلت تلك المرحلة اتفاقية الدوحة لسلام دارفور في 14 مايو/أيار 2011، التي وضعت إطارا لحل أزمة الإقليم نالت رضا الإقليم والاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي.
 
أما الأزمة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، والتي تقود فيها الحركة الشعبية-قطاع الشمال حربا ضد الحكومة، فهي تمثل المعضلة الأخرى العصية على الحل رغم جولات التفاوض بينها وبين الحكومة، والتي امتدت أكثر من عشر جولات إلى حدود 2015.
 
الحريات الأساسية
هناك مجموعة من القوانين والسياسات التي تحتاج إلى معالجة، من بينها قانون الأمن الوطني الذي تشتكي منه المعارضة، إلى جانب قوانين أخرى بحاجة إلى معالجة بما يسمح بممارسة الحريات العامة والخاصة دون رقيب أو مانع.
 
وقد قدمت بعض الأوراق من مختصين لمعالجة تلك القوانين.

الاقتصاد
يواجه السودان ظروفا اقتصادية معقدة للغاية زاد من حدتها انفصال جنوب السودان في 2011 وذهاب نفطه الذي كان يشكل أكثر من 75% من الإيرادات العامة للدولة. 

كما أن السودان يعاني من ديون متراكمة بلغت أكثر من 46 مليار دولار، في وقت يعيش فيه أكثر من 46% من مواطنيه تحت خط الفقر، وترتفع فيه نسبة البطالة بشكل كبير. 

إلى جانب استمرار الحرب في أكثر من جهة مثل ولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. وفي هذا يمثل موضوع كيفية اقتسام الموارد بين الولايات أكثر البنود أهمية في المؤتمر.

الهوية السودانية
منذ استقلال البلاد، مثلت أزمة الهوية إشكالا تتنازع حوله النخب السياسية الحاكمة والمعارضة انطلاقا من تعريف كل فئة أو رؤيتها لمكونات البلاد الاجتماعية وموروثها الثقافي والفكري.

ويزخر السودان بتنوع اجتماعي وثقافي موزع هو الآخر على أطراف القطر مشكل من أكثر من 460 قبيلة تتحدث أكثر من 54 لغة ولهجة.

وعطل الصراع على الهوية في كثير من الأحيان الاتفاق على قضايا كثيرة ذات صلة، وفي مقدمتها الإجابة عن سؤال كيف يحكم السودان وعلى أي الانتماءات يحسب: عربيا أو أفريقيا.

ويطرح أمر الهوية وإدارة التنوع السوداني مجددا من داخل مؤتمر الحوار الوطني، كما يشكل حضورا في خطاب الجماعات المسلحة والأحزاب الرافضة للحوار أو المؤيدة له والمنخرطة فيه. 

العلاقات الخارجية
تتأرجح علاقة السودان الخارجية بين الانفتاح على بعض الدول ومعاداة أخرى خاصة الولايات المتحدة الأميركية التي وضعت اسمه ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب. وتختلف الحكومة والمعارضة في كيفية التعاطي مع القضايا الدولية المهمة.

قضايا الحكم
بحسب آلية الحوار الوطني، ما يزال الوقت مبكرا للحديث عن مخرجات الحوار وخاصة ما يتعلق بالحكومة الوطنية الانتقالية التي يرفضها المؤتمر الوطني الحاكم، بينما تصر عليها بقية القوى السياسية المعارضة.

وما يزال الغموض يلف شكل الحكم الذي يمكن للأطراف المتحاورة أن تتفق بشأنه، لأن الحوار الذي يدور حاليا لا يقرر في ذلك، بل يعمل على كتابة مقترحات وتوصيات تسلم لآلية الحوار الوطني العليا التي بدورها سترفعها للمؤتمر القومي العام ليقرر بشأنها.

المشاركون والرافضون

أولا: المشاركون في الحوار:
حزب المؤتمر الوطني الحاكم، والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني، وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي.

وذلك إلى جانب أحزاب منشقة عن حزب الأمة القومي المعارض، وهي خمسة أحزاب: الحزب الاتحادي الديمقراطي، وحزب منبر السلام العادل، وحزب الحقيقة الفدرالي، وحزب البعث العربي، والحزب الاشتراكي الناصري.

يضاف إليها حركات دارفور الموقعة على وثيقة الدوحة لسلام دارفور، التي تحولت إلى أحزاب مثل: حزب التحرير والعدالة القومي برئاسة التجاني سيسي، وحزب التحرير والعدالة برئاسة بحر إدريس أبو قردة، والاتحاد الاشتراكي السوداني الديمقراطي، والحركة الشعبية جناح السلام، وغيرها من الأحزاب الصغيرة التي يصل مجملها إلى 78 حزبا بحسب أوراق الحوار الوطني.

ثانيا: الرافضون
أما الأحزاب المعارضة الممانعة (إلى حدود نوفمبر/تشرين الثاني 2015)، والتي تمارس نشاطها داخل البلاد، فهي أحزاب: الأمة القومي برئاسة السيد الصادق المهدي الذي سبق أن شارك في بداية الحوار الوطني ثم عاد وجمّد مشاركته لاحقا، وحزب حركة الإصلاح الآن بقيادة غازي صلاح الدين المنشق حديثا عن المؤتمر الوطني (أيضا جمّد مشاركته)، وحزب المؤتمر السوداني بقيادة إبراهيم الشيخ، والحزب الشيوعي السوداني، وحزب العدالة، والحزب الاشتراكي العربي الناصري، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والليبرالي الديمقراطي، وحركة حق، وغيرها من الأحزاب الصغيرة .

الحركات التي تحمل السلاح
هي حركات ترفض المشاركة في الحوار الوطني وفق الرؤية والآليات المطروحة، وترى أنه لا بد من مؤتمر تحضيري يعقد خارج السودان وبمراقبة دولية أو إقليمية، وأن تتولى الترتيبات الانتقالية آلية محايدة يرتضيها الجميع، وأن تسبق ذلك قرارات يتم بمقتضاها الإفراج عن كافة المعتقلين والمحكومين سياسيا، وأن تلغى القوانين المقيدة للحريات، وأن تفتح ممرات لإغاثة المتضررين في مناطق النزاعات بمشاركة منظمات إغاثة دولية.

وهذه الحركات هي حركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان فصيل منى مناوي، وحركة تحرير السودان فصيل عبد الواحد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال بقيادة مالك عقار، وحركات أخرى صغيرة تحمل السلاح بدارفور.

معوقات
بحسب مراقبين، يعاني الحوار من مشاكل جمة، يأتي في مقدمتها عدم موافقة الحزب الحاكم في السودان على وجود حكومة وحدة وطنية لا يهيمن عليها، إلى جانب إصراره على أن توافق الحركات المسلحة على وقف دائم لإطلاق النار. 

كما أن تجميد هيئات وشخصيات سياسية وازنة مشاركتها في الحوار يؤشر على وجود خلل في المنطلقات، إذ إن التوافق حول مخرجات ذلك الحوار الوطني يحتاج لمشاركة كل القوى الحية في إثراء نقاشاته، وطرح الحلول للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد.

ويرى محللون أن الحزب الحاكم ليست لديه الإرادة الكافية لإنجاح الحوار الوطني، لعدم بذله الجهود الضرورية لإشراك جميع الحركات والأحزاب في الحوار، إلى جانب تمسكه بمقترحات يعلم أن كثيرين لن يوافقوا عليها، بينما يتهمه الخصوم بسعيه إلى تمطيط الوقت، وتمسكه بخيوط سلطة هي بيده منذ عقود ولا يرغب في مشاركتها مع الآخرين.

غير أن الحزب الحاكم في السودان من جهته يؤكد أن لديه إرادة قوية لإنجاح الحوار الوطني تتجسد في مبادرته للدعوة إليه، وفتح الملفات الأساسية للنقاش، مؤكدا أن الحفاظ على استقرار الدولة وأمنها أولوية بالنسبة له، مثلها مثل الانفتاح السياسي على المعارضين.

المصدر : الجزيرة