الطائفة الدرزية

طائفة دينية عربية معروفة بتماسكها الداخلي، تعيش في سوريا بنواحي دمشق وجبل حوران، وفي لبنان وفلسطين المحتلة، وأسسها محمد بن إسماعيل الدرزي المعروف بأنوشتكين قبل أكثر من ألف سنة، ولها راية خاصة بها.

التأسيس والنشأة
تذكر بعض الأبحاث أن الطائفة الدرزية تأسست في عهد الحاكم بأمر الله الفاطمي (411هـ/1020م) على يد محمد بن إسماعيل الدرزي (نسبة إلى أولاد درزة، أي صانعي الثياب)، ولكن بعضها ذكر أن المؤسس الفعلي هو حمزة بن علي بن محمد الزوزني، وأن الرجلين اختلفا، فهاجر الأول (إسماعيل الدرزي) إلى الشام، واشتهرت الطائفة باسمه، لكن الدروز لا يفضلون هذه النسبة، ويقولون إنها لا توجد في تاريخهم أو كتبهم المقدسة.

ومن الشخصيات التاريخية المعروفة في الطائفة -بالإضافة إلى المؤسسين- الحسين بن حيدرة الفرغاني المعروف بالأجدع، وبهاء الدين السموقي المعروف بالضيف.

وعلى المستوى السياسي، اشتهر في الطائفة سلطان باشا الأطرش قائد الثورة على الفرنسيين بسوريا في عشرينيات القرن الماضي، والأمير شكيب أرسلان، والزعيم السياسي اللبناني كمال جنبلاط مؤسس الحزب التقدمي الاشتراكي، وابنه وليد جنبلاط، وطلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني.

عقيدة الطائفة
يحيط عقيدة الطائفة ومذهبها كثير من الغموض، لأن مؤسسيها اختاروا عدم البوح بها وحصر معرفتها على دائرة ضيقة، وعدم تعليمها إلا لمن بلغ الأربعين سنة من أبناء الطائفة. ويعرّف الدروز أنفسهم باسم الموحدين، أو "بنو معروف"، وهو اسم لقبيلة عربية اعتنقت الدرزية في بداياتها.

ويؤمنون بميثاق أو عهد ولي الزمان، كقَسم يصبح به الدرزي درزيا، ويعده ميثاقا أزليا. وعُرف الدروز بالانغلاق على أنفسهم وتماسكهم الاجتماعي والثقافي والسياسي، واشتهر رجالهم بشوارب كبيرة لها مدلول ديني. وينقسم الدروز إلى درجات ثلاث: الأولى طبقة رجال الدين الدارسين له والحفّاظ عليه، وتعرف بالعقل. وتنقسم بدورها إلى ثلاثة أقسام: رؤساء أو عقلاء أو أجاويد، ويدعى رئيسهم شيخ العقل.

والثانية الأجاويد، وهم المطلعون على تعاليم الدين والملتزمون بها، أما الثالثة فهم عامة الناس والجاهلون بالدين.

ويفرق الدروز -بشكل عام- بين الشخص الروحاني والشخص الجثماني؛ فالأول بيده أسرار الطائفة (رؤساء، وعقلاء، وأجاويد)، أما الثاني فلا يبحث في الروحيانيات، ولكنه منغمس في الدنيويات (الجهال). وتعرف أماكن العبادة لدى الدروز بالخلوات يسمعون فيها ما يتلى عليهم، ولا يسمح للجهال بحضورها أو سماع الكتب المقدسة إلا في عيدهم الوحيد، الذي يوافق عيد الأضحى عند أهل السنة.

وحول حقيقة اسم الطائفة قال الباحث والأكاديمي اللبناني محمد شية إن الموحدين دفعوا ثمنا غاليا لتسميتهم بـ"الدروز"، وقال إن هذا الاسم ألصق بهم زورا وبهتانا، وأكد أن الواقع والوقائع تثبت أنهم مسلمون وموحدون.

ودعا إلى تذكر أن خصوصية المشرق تكمن في كونه أرضا للأقليات، ومنها طائفة الموحدين، الذين ظلت سمتهم الغالبة هي العروبة منذ نشأتهم وقبولهم للمعتقد الإسلامي، وأرسلوا إلى ساحل الدولة الإسلامية ليدافعوا عنها ضد الروم والبيزنطيين.

التاريخ
فرّ كثير من الدروز من ملاحقة الخليفة الفاطمي السابع علي الظاهر لهم قبل عام 1026، وسكنوا في جبال لبنان وسوريا وفلسطين، ودفعت تلك الملاحقة الدروز إلى الانغلاق على أنفسهم، وعاشوا داخل نظام اجتماعي مغلق على الطائفة، ودخلوا في فترات معينة في صراعات، مثل ما حصل لهم مع المسيحيين (الموارنة) في لبنان عام 1841م وعام 1860، وشاركوا في مقاومة الاستعمار الفرنسي.

ويعتقد بعض الباحثين بأن عدد المنتمين للطائفية الدرزية يتجاوز المليون، وأن 80% منهم استقروا في سوريا بمدينتي السويداء والجولان وبنواحي دمشق، وفي مدينة الأزرق الأردنية، وفي جنوب لبنان، وشمال ووسط فلسطين.

كما يقطن بعض أبنائها في فلسطين المحتلة ويحملون الجنسية الإسرائيلية. ويقدر عدد الدروز في المهجر بالولايات المتحدة وكندا وأستراليا وغيرها بنحو مئة ألف، وشاركوا في الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) ضمن الجيش الشعبي بقيادة وليد جنبلاط.

الطائفة والسياسة
تسبب الخلاف اللبناني السوري في أزمة وخلافات داخل الطائفة الدرزية، وسعت إلى فصل موضوع سوريا عن لبنان لكن دون جدوى، وبات الوضع أصعب بعد اندلاع الثورة السورية، حيث انقسم الزعيمان السياسيان للطائفة وليد جنبلاط ضد نظام بشار الأسد، أما طلال أرسلان رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني فساند النظام، وازداد وضع الطائفة سوءا عندما وصلت الحرب بين النظام والمعارضة المسلحة لمحافظة السويداء.

وحصل الانقسام بين من يدعو لضرورة تسليحها لمواجهة المعارضة المسلحة وتنظيم الدولة الإسلامية، كرئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب، وبين من يرى هذا مجرد ورقة لجرّ أبناء الطائفة للفتنة -التي وإن كانت بشكل عام تؤيد بشار الأسد فإنها بقيت محايدة ولم تنخرط في القتال إلى جانبه- لصالح نظام يجب أن يسقط، ويدعو تنظيم الدولة والمعارضة السورية المسلحة لتفهم وضع الدروز وإبقائهم محايدين كوليد جنبلاط.

قتل عدد من أبناء الطائفة على يد جبهة النصرة في قرية قلب لوزة بمحافظة إدلب (شمال غرب سوريا)، لكن المساعي السياسية سعت لاحتواء ما حصل لإبقاء الدروز خارج دائرة الصراع والقتال، حيث دعا وليد جنبلاط إلى تهدئة الخطاب وتجنب ما يعرّض الدروز للخطر، وقال "حادثة قلب لوزة فردية وسأعالجها بالسياسة".

من جهتها، اعترفت جبهة النصرة بتورط أفراد منها في قتل قرويين دروز في القرية المذكورة، وقالت إنهم خالفوا التوجيهات وسيقدمون للمحاكمة.

لكن مقتل 26 شخصا -من بينهم الشيخ الدرزي وحيد البلعوس (المعروف بمناهضته نظام بشار الأسد والجماعات الدينية المسلحة كجبهة النصرة وتنظيم الدولة)- في انفجار بسيارة مفخخة في الرابع من سبتمبر/أيلول 2015 في ضواحي السويداء (جنوب سوريا)، كشف -بحسب محللين- أن النظام السوري سعى بوضوح لجرّ الطائفة للصراع وقتال المعارضة المسلحة، خاصة جبهة النصرة.

ورغم أن الحكومة السورية سارعت إلى إدانة التفجيرات بمدينة السويداء، وتحدثت عن التصدي للإرهاب، فإن معارضة الشيخ البلعوس لقيام الدروز بالخدمة العسكرية الإلزامية التي يفرضها النظام على المواطنين السوريين خارج مناطقهم، ورعاية احتجاجات وتظاهرات بالسويداء تطالب بالماء والكهرباء وتحسين المستوى المعيشي، طرحت علامات استفهام عديدة.

واتهم وليد جنبلاط نظام بشار الأسد باغتيال البلعوس زعيم مجموعة "مشايخ الكرامة" التي عملت على حماية المناطق الدرزية وإبقائها خارج الصراع بسوريا. وقال "التحية كل التحية للشهيد الشيخ وحيد البلعوس ورفاقه الذين اغتالهم نظام بشار الأسد"، وأضاف أن البلعوس "قائد انتفاضة ترفض الخدمة العسكرية في جيش النظام".

وبينما اتهم شيخ عقل الدروز في سوريا يوسف جربوع من وصفهم "بأعداء الوطن والدولة والإنسانية" في إشارة إلى جبهة النصرة وتنظيم الدولة، رد مسلحون من تجمع "مشايخ الكرامة" على مقتل البلعوس بالسيطرة بشكل كامل على فرع الأمن العسكري بمدينة السويداء.

وقتلوا أكثر من ستة جنود، منهم نائب رئيس الفرع وعدد من العناصر، بينما أسقط آخرون تمثال ‏‏حافظ الأسد بالساحة المركزية لمدينة السويداء، وطالبوا بالانتقام من قتلة الشيخ البلعوس الذي طالب أبناء الطائفة بحماية منطقتهم أي حدود ‏الجبل وعدم تجاوزها.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية