طولكرم.. تاريخ عريق وعقود من الاجتياحات الإسرائيلية

Tulkarm, West Bank Palestine (Israel) - May 28, 2019: Picture of the city of Tulkarm at the morning
مدينة طولكرم بالضفة الغربية عام 2019 (شترستوك)

مدينة فلسطينية زراعية تقع شمال غرب الضفة الغربية، يبلغ متوسط ارتفاعها عن سطح البحر نحو 100 متر، وتبعد نحو 15 كيلومترا عن شاطئ البحر الأبيض المتوسط. اسمها الأصلي "طوركرم" وسميت بذلك لأرضها الخصبة الغنية حتى القرن الـ18 ميلادي، وحينها حُوّر إلى "طولكرم". 

الموقع

تقع مدينة طولكرم في منتصف السهل الساحلي طولا، وتبلغ مساحة أراضيها ما يقارب 32 ألف دونم (الدونم يعادل ألف متر مربع)، وتبعد نحو 88 كيلومترا عن مدينة القدس، و15 كيلومترا عن ساحل البحر المتوسط، حيث يلتقي السهل شرقا بسفوح جبال نابلس.

وكان لهذا الموقع أهمية تجارية وعسكرية وأثر كبير في نمو المدينة، فقد كانت ملتقى للطرق والقوافل التجارية وممرا للغزوات الحربية بين مصر والشام.

وتربط طريق رئيسية المدينة بمدن نابلس وجنين وقلقيلية، وكان يمر بها خطان للسكك الحديدية منها فرع من خط سكة حديد الحجاز الذي يصل طولكرم بدمشق عن طريق جنين فالعفولة فبيسان فسمخ فجسر المجامع والحمة فدرعا.

وتعد المدينة مركز محافظة طولكرم، وأكبر تجمعاتها، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 45 ألف نسمة، حسب مركز الإحصاء الفلسطيني لعام 2004.

خريطة الضفة الغربية - طوباس- طولكرم - جنين

السكان

تعتبر مدينة طولكرم مركزا للواء طولكرم، وقد ارتفع عدد سكان اللواء إلى نحو 30 ألف نسمة عام 1987، لكنه تضاعف ووصل لنحو 158 ألفا بنهاية عام 2007، ويعمل نحو 36.8% منهم بالزراعة.

ويُرجع المؤرخون أصول سكان طولكرم والمناطق المجاورة لها إلى "بني بهراء" من قبيلة "قضاعة"، وهي إحدى القبائل العربية التي نزلت المنطقة قبل الإسلام، ومنها المقداد بن الأسود أحد صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ومن أبرز القبائل في المدينة، الحوارث، التي تعود أصولها إلى قبيلة حارثة من طيء القحطانية. وأيضا عرب العائد، الذين ينتمون إلى جذام من القحطانية، ويعيشون في مسكة وجلجوليا.

وهناك عرب البلاونة، الذين ينتسبون إلى قضاعة القحطانية، ويقيمون في قرية أم خالد، وعرب الحويطات والملاحة والقطاطوة، الذين يسكنون في غابة كفر صور.

أما عرب الرميلات، فيوجدون في مسكة والطيبة وقلنسوة، بينما يعيش عرب البواركة في قرية كفر سابا، وعرب النصيرات الذين يوجَدون في غابة كفر زيباد.

Dans les rues de Tulkarem, à droite à cheval un policier arabe et deux policiers israéliens, à Tulkarem, Cisjordanie, le 11 septembre 1967. (Photo by KEYSTONE-FRANCE/Gamma-Rapho via Getty Images)
شرطة تجول شوارع طولكرم يوم 11 سبتمبر/أيلول 1967 (غيتي)

الاقتصاد

يمارس سكان المدينة عددا من الأنشطة الاقتصادية، فيشتغل نحو 36.8% منهم بالزراعة، وخاصة زراعة الأشجار المثمرة ومحاصيل الحقول. لكن نسبة البطالة وصلت فيها إلى 15.5% أواخر عام 2007.

تتعدد المحاصيل الزراعية في المدينة، وتركز على الحبوب وزراعة أشجار الفواكه والزيتون التي تتركز شمال المدينة، وفي المنطقة الغربية تنتج الحمضيات والخضر والبطيخ الذي كانت تصدره لكامل فلسطين والأردن.

ويأتي في المرتبة الثانية -بعد الزراعة- قطاع التجارة الذي يحظى بأهمية خاصة، ويوجد في المدينة 3 مصانع لإنتاج الأقمشة، إضافة إلى الصناعات الحرفية والغذائية.

التاريخ

يعود تاريخ المدينة إلى آلاف السنين، وتشير الآثار التي عثر عليها إلى تجمعات سكنية من العصور البيزنطية والرومانية والكنعانية، وبعض أقدم الشواهد الأثرية التي تمَّ التعرف عليها في طولكرم تعود لفترة العصر الحجري النحاسي (4500-3200 قبل الميلاد).

واستقر الكنعانيون في المدينة عام 3 آلاف قبل الميلاد، وأطلقوا عليها "تلة كرمة العنب"، وبعد دخول الرومانيين إليها سميت "بيرات سوريك".

وعاشت المدينة تاريخها الإسلامي مبكرا بعد عام 636 للميلاد، وعثر على شواهد كثيرة تعود للفترة الأموية، وحينها عرفت باسم "طور كرم" التي تعني "جبل العنب"، وقد حُوّر اسمها فيما بعد إلى "طولكرم".

كانت طولكرم تابعة لمدينة نابلس حتى القرن الـ19، وحينها جعلها العثمانيون تحت قضاء جديد أسموه "بني صعب" شمال فلسطين، وجعلوا طولكرم عاصمة له. وزادت أهمية المدينة أيامها.

Palestine landscape Tulkarm
مدينة طولكرم تعد منطقة زراعية غنية (شترستوك)

قدر عدد سكان القرية قبل الحرب العالمية الأولى بين ألفين و3 آلاف، وكانت قرية صغيرة بنيت بيوتها من أحجار بيضاء وسقفها من القرميد على الجانب الشرقي من الطريق المؤدية إلى خط السكة الحديدية.

وفي عام 1918 خضعت طولكرم للانتداب البريطاني، وحينها كثر عدد سكانها مع تزايد الهجرة إليها من القرى المجاورة مثل الطيبة وجيوس وكور وسفارين وغيرها، ووصل عددهم عام 1931 إلى نحو 5 آلاف نسمة موزعين على 960 بيتا، وارتفع العدد إلى 8 آلاف عام 1945.

وصودرت مساحات واسعة من أراضيها لصالح الاحتلال الإسرائيلي في حرب 1948، إذ فقدت 13 قرية، و30 ألف دونم من أراضيها الزراعية، وأبقيت فيها التلال الوعرة المهملة، وذلك لمرور "خط الهدنة" من جزئها الغربي الذي حدد في اتفاقية رودس.

ومع تزايد عمليات الهجرة واللجوء أيام النكبة خاصة من قرى قاقون والحوارث ومسكة وغيرها، أقيم في المدينة مخيمان هما مخيم "طولكرم" ومخيم "نور شمس"، وزادت رقعتها.

وزاد عدد السكان عام 1961 إلى 30 ألف نسمة، وامتد عمرانها مسافة 5 كيلومترات من الشمال للجنوب، و3 كيلومترات من الشرق للغرب، فاتصلت بقرية زبانة شرقا، وأرتاح من الجهة الجنوبية الشرقية.

ضمت المدينة بين عامي 1948 و1967 نحو 42 قرية، واحتل ما تبقى منها في حرب يونيو/حزيران 1967، وبدأ الانتشار الاستيطاني على أراضيها، وحينها نزح كثير من سكانها، ولم يسمح لهم الاحتلال بالعودة إلى منازلهم، فنزل تعدادها إلى 15 ألف نسمة.

وأقام الاحتلال حول المدينة أكثر من 25 مستوطنة، غالبيتها مستعمرات سكنية وتعاونية (كيبوتس). وأصر أهل المدينة على إعمار أرضهم رغم ممارسات الاحتلال، فوصل تعدادهم عام 1997 إلى نحو 24 ألفا، وأنشؤوا كثيرا من المشاريع منها دار البلدية وسوق للخضار ومسلخ جديد، وارتفع العمران وأنشئت شبكة مجاري.

وفي عام 1995 وبعد اتفاق أوسلو، انسحب الاحتلال الإسرائيلي من المدينة وخضعت للسلطة الوطنية الفلسطينية التي حولتها إلى محافظة، لكن أعيد احتلالها بعد اجتياح 2003 قبل أن تنسحب منها.

الاجتياحات

أُعلن عن تأسيس كتيبة طولكرم التابعة لسرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في مارس/آذار 2022 على أيدي مجموعة من شباب المدينة، يتقدمهم سيف أبو لبدة ومحمد جابر أبو شجاع، واتخذوا مخيم نور شمس مركزا لهم، وبقي الاحتلال يهدف لتصفيتهم من حينها.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2023 بدأت إسرائيل عملية عسكرية في مخيم طولكرم، امتدت 30 ساعة، وقتل فيها 13 فلسطينيا بينهم 5 أطفال، وهدفت -حسبما أعلن- "القضاء على المطلوبين والمسلحين"، وتحول مدخل المخيم وساحته لخراب.

وفي 18 أبريل/نيسان 2024، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مخيم نور شمس خلال عملية عسكرية استمرت 50 ساعة، وأسفرت عن استشهاد 14 فلسطينيا وتدمير البنية التحتية.

ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى 18 أبريل/نيسان 2024، تعرضت طولكرم لأكثر من 20 اقتحاما، أدى إلى استشهاد 56 شخصا.

وفي 28 أغسطس/آب الماضي، بدأت قوات الاحتلال عملية عسكرية سمتها "مخيمات صيفية" شمال الضفة الغربية، شملت هجوما على محافظات جنين وطولكرم وطوباس ومخيماتها في وقت متزامن.

وفي 29 أغسطس/آب الماضي، اغتالت قوات الاحتلال قائد كتيبة طولكرم محمد جابر أبو شجاع و4 آخرين كانوا برفقته، بعد محاصرة المبنى الذي كانوا فيه.

Enfants palestiniens au camp de Tulkarm dans les territoires occupés en février 1988 en Israël. (Photo by Chip HIRES/Gamma-Rapho via Getty Images)
أطفال فلسطينيون في مخيم طولكرم في فبراير/شباط 1988 (غيتي)

الأعلام

  •  الشيخ مرعي بن يوسف الكرمي 

فقيه ومؤرخ وأديب مقدسي حنبلي، ولد في طولكرم، وفيها نشأ وتعلم، ثم انتقل إلى القدس لينهل من علمائها، ورحل إلى مصر ودرس في الجامع الأزهر، وهناك بدأ رحلته المهنية في التدريس والتأليف، وتولى المشيخة بجامع السلطان حسن في القاهرة، وظل فيها حتى توفي عام 1033 هـ.

  • الشاعر عبد الكريم الكرمي 

عبد الكريم الكرمي، المعروف بـ"أبو سلمى"، شاعر وأديب فلسطيني ولد في طولكرم عام 1909. وبدأ نشاطه السياسي في دمشق، وفيها شارك في المظاهرات ضد الانتداب الفرنسي.

عاد إلى فلسطين عام 1927، وعمل مدرسا وصحفيا ومحاميا، وساهم في تأسيس "عصبة القلم". وتُعد قصيدته "لهب القصيد" جزءا من تراث ثورة 1936. وقد أصدرها عقب بيان الملوك والأمراء العرب عامها، والذي دعا الفلسطينيين لوقف إضرابهم العام ضد بريطانيا.

شغل منصب مسؤول "التضامن الآسيوي-الأفريقي" في منظمة التحرير الفلسطينية، وانتُخب رئيسا للاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين عام 1980. تعرض لوعكة صحية خلال مؤتمر حضره بموسكو، فنقل إلى الولايات المتحدة الأميركية للعلاج وتوفي هناك.

Abd al-Rahim Mahmoud (1913-1948) المصدر : مؤسسة الدراسات الفلسطينية
الشاعر الفلسطيني عبد الرحيم محمود (مؤسسة الدراسات الفلسطينية)
  • عبد الرحيم محمود 

عبد الرحيم محمود، شاعر فلسطيني من مواليد عام 1913، هو من عائلة عريقة معروفة بالعلم والفقه. كان والده الشيخ محمود العنبتاوي فقيها وشاعرا تخرج في الأزهر، وحظي بمكانة اجتماعية مرموقة.

كبر عبد الرحيم في بيئة والده التي كانت مدرسة في العلم والدين والشعر، مما أثر على شخصيته.

عندما اندلعت الثورة العربية عام 1936، استقال عبد الرحيم من عمله لينضم إلى صفوف المقاتلين، وقاد عددا من العمليات الفدائية ضد الجيش البريطاني.

طاردته السلطات البريطانية فهاجر إلى العراق عام 1939، والتحق بالكلية الحربية في بغداد وشارك في ثورة رشيد عالي الكيلاني.

عاد إلى فلسطين عام 1947 ليشارك في الثورة ضد قرار التقسيم، وانضم إلى جيش الإنقاذ، وقاد "كتائب المجاهدين" في معارك عدة بطولكرم والناصرة ضد العصابات الصهيونية. واستشهد في معركة قرية الشجرة في 13 يوليو/تموز 1948.

المصدر : الجزيرة

إعلان