أزمة المصارف الإسبانية

A trader reacts as he looks at computer screens at the Madrid Bourse July 24, 2012. Spain and Italy both introduced short-selling bans on Monday, reacting to steep falls in their stock markets and as confidence slipped in their ability to repay their debts, prop up their banking systems and tend to their economies while remaining within the euro currency. To match story COLUMN
أشارت بيانات البنك المركزي الإسباني في يونيو/حزيران 2012 إلى أن 66.2 مليار يورو حوّلت خارج إسبانيا (رويترز).

عانت المصارف الإسبانية شحا في السيولة نتيجة تأثيرات الفقاعة العقارية التي عرفتها البلاد لعقد من الزمن، قبل أن ينهار القطاع عام 2008 مخلفا عملاء مثقلين بنحو 300 مليار يورو على شكل قروض لشركات بناء المساكن، وهو ما يعادل ثلث الناتج الإجمالي للبلد.

وفاقم من الوضع توالي فترتي ركود اقتصادي وبلوغ معدل البطالة أعلى مستوى في الدول المتقدمة. كل هذه المؤشرات زادت مخاطر تخلف سداد أقساط الرهن العقاري والقروض التجارية، حيث مرت الأزمة بعدة مراحل:

ففي مارس/آذار 2009 استحوذت الحكومة على مصرف "سي سي أم"، وهو بنك ادخار متوسط الحجم، لم يكن يتوفر على رأسمال كاف، وقد توسع بشكل كبير في إقراض القطاع العقاري.

وفي يونيو/حزيران من السنة نفسها حددت مدريد هدفا لها يتمثل في تقليص عدد بنوك الادخار الإقليمية غير المدرجة في البورصة، وكانت هذه البنوك قد نشأت انطلاقا من مؤسسات أقيمت منذ مئات السنين لمساعدة المزارعين إبان ضعف المحاصيل الزراعية.

وفي الشهر نفسه أسست الدولة صندوقا لإعادة هيكلة البنوك العمومية، يعرف اختصارا باسم "أف.أر.أو.بي"، وقد قدم قروضا لمساعدة 45 مصرف ادخار إقليميا بغرض اندماج بعضها مع بعض، وتم خفض عددها إلى نحو 15 مصرفا بغرض التخلص من كثرة مؤسسات الإقراض وجعل ما تبقى أكثر كفاءة.

في مايو/أيار 2010 سيطر صندوق إعادة هيكلة المصارف على مصرف كاجاسور، وهو مصرف تديره الكنيسة الكاثوليكية، واضطربت أوضاعه نتيجة قروض عقارية ميؤوس من استرجاعها.

وفي فبراير/شباط 2011 طلبت الحكومة من البنوك الحصول على رؤوس أموال خاصة عبر إدراج أسهمها في البورصة، أو الاستثمار في الأسهم لتعزيز شبكات أمانها المالي. وقد جاءت في الأشهر الموالية العديد من شركات الاستثمار في الأسهم، ولكنها لم تحقق النتائج المرجوة.

ومُنح صندوق إعادة هيكلة المصارف صلاحيات إضافية، بحيث أصبح بوسعه ضخ سيولة مباشرة في مؤسسات الإقراض التي لم تستطع الحصول على أموال من القطاع الخاص للزيادة في رؤوس أموالها إلى الحد الأدنى المطلوب.  

ولم يستطع هذا الصندوق التخفيف من الأزمة وفي يوليو/تموز 2011 تم إدراج مصرف بانكيا في بورصة مدريد. وكان البنك نتاج عملية اندماج بين مصرف كاجا مدريد العملاق وستة مصارف ادخار صغيرة، وفي سبتمبر/أيلول من نفس السنة استحوذ الصندوق على ثلاثة مصارف ادخار هي نوفا كاجا غاليسيا وكتالونيا كاجا ويونيم، وقد تم تقدير القيمة السوقية لهذه المصارف بمبلغ قارب الصفر.

وفي فبراير/شباط 2012 أجبرت الحكومة اليمينية المنتخبة حديثا المصارف الإسبانية على شطب 50 مليار يورو من خسائر لحقت بها جراء إعادة تملك أصول عقارية، وتراكم متأخرات قروض لشركات تطوير عقاري، وبعد شهرين أعلن صندوق النقد الدولي أن كبريات البنوك الإسبانية لا تتوفر على كفاية في رؤوس أموالها بما يمكنها من مواجهة أي تدهور اقتصادي، مشيرا إلى عشرة مصارف بينها بانكيا.

ومع تفاقم الأزمة رفعت الحكومة في مايو/أيار 2012 الحد الأدنى من المستوى المطلوب من مدخرات البنوك، وطلبت منها شطب المزيد من القروض التي منحتها لمقاولات البناء، وذلك بقيمة 30 مليار يورو، وأممت مصرف بانكيا عبر تحويل قروض منحها للدولة بقيمة 4.5 مليارات يورو (5.6 مليارات دولار) إلى أسهم في المصرف، وفي 8 يونيو/حزيران 2012 خسر العديد من المستثمرين نسبة 70% من استثماراتهم فيه.

وبعد أقل من أسبوعين أعلنت إسبانيا أن عملية إنقاذ مصرف بانكيا ستكلف ما لا يقل عن تسعة مليارات يورو، ليطلب مصرف بانكيا بعد أيام من الحكومة حزمة إنقاذ بقيمة 19 مليار يورو تضاف إلى 4.5 مليارات يورو هي قيمة تحويل الدولة قروضا مستحقة له عليها إلى أسهم، وهو ما رفع الكلفة الإجمالية لإنقاذ المصرف إلى 23.5 مليار يورو.

في يونيو/حزيران 2012 أشارت بيانات البنك المركزي الإسباني إلى أن 66.2 مليار يورو تم تحويلها إلى خارج إسبانيا في مارس/آذار من العام نفسه، نتيجة مخاوف من غياب الاستقرار في القطاع المصرفي الإسباني، بينما عرف الشهر نفسه من العام 2011 فائضا في الودائع البنكية، وبعد أقل من شهر فتحت النيابة العامة في إسبانيا تحقيقا بشأن شبهات فساد بشأن مصرف بانكيا.

في 28 سبتمبر/أيلول 2012 أعلن البنك المركزي الإسباني عن خطة إنقاذ للمصارف الإسبانية المتعثرة، وشمل التقرير الذي أعد للمهمة نحو 14 مجموعة مصرفية تشكل 90% من النظام المصرفي الإسباني، وصرحت إسبانيا أنها طلبت من الاتحاد الأوروبي الدعم المالي لهذه المهمة.

وفي نفس الوقت أعلنت الحكومة عن ميزانية تقشفية للعام 2013 وأكدت أن تطبيق سياسات تقشفية وتقديم نتائج التدقيق المالي لوضع المصارف يعدان عنصرين ضروريين للتمهيد لطلب مدريد حزمة إنقاذ شاملة وليس للمصارف المتعثرة فقط.

وعقب تداعيات الأزمة والإعلان عن اللجوء لدعم الاتحاد الأوروبي تظاهر آلاف الإسبان في عدة مدن بأنحاء البلاد احتجاجا على إجراءات التقشف الصارمة لكن الحكومة الإسبانية استمرت في إصلاحاتها وخلال العامين 2013ـ 2014 تم تسيير القروض الممنوحة من منطقة اليورو والتي بلغت 41 مليارا رغم ارتفاع فوائدها.

وفي الربع الثالث من عام 2013 أعلنت إسبانيا أنها خرجت من الركود الذي كان من أبرز أوجهه أزمة المصارف الإسبانية وأنه من المتوقع أن تحقق معدل نمو قدره 0.5% على الأقل خلال 2014.

المصدر : الجزيرة