الفجوة أم المكسب.. كيف نغير طريقة تعاملنا مع شؤوننا المالية؟
في مجال التخطيط المالي، يبرز مفهوم خلّاق من كتاب "الفجوة والمكسب"، الذي شارك في تأليفه دان سوليفان، مؤسس التدريب الإستراتيجي، والدكتور بنيامين هاردي، حيث يعيد هذا المفهوم (الفجوة والمكسب) تشكيل الطريقة التي يتعامل بها الأفراد مع شؤونهم المالية وأهدافهم المرصودة.
يشير الكتاب إلى أن العواقب المترتبة على البقاء في "الفجوة" أو "في المكسب" تحمل أهمية عميقة، وخاصة في التأمل الذي يحدث عادة في أواخر يناير/كانون الثاني من كل سنة بشأن قرارات العام الجديد وأهدافه المالية.
فهم الفجوة والمكسب.. نقلة نوعية في التخطيط المالي
يدور مفهوم الفجوة والمكسب حول التواصل بين نقطة البداية والهدف المثالي في مختلف جوانب الحياة.
وبتطبيق ذلك على الأهداف المالية، غالبا ما يجد الأفراد أنفسهم يركزون على الفجوة بين وضعهم المالي الحالي والوضع المالي المثالي المتصور. سواء كان الأمر يتعلق بتوفير مبلغ محدد شهريا، أو الوصول إلى أهداف الاستثمار، أو الالتزام بخطط الميزانية، فإن عقلية الفجوة هي السائدة.
ومع حلول يناير/كانون الثاني من كل سنة، تلتقي أصداء القرارات الطموحة للعام الجديد بواقع الحياة اليومية.
من الأهمية بمكان أن نتبنى حكمة أفلاطون، الذي كان يعتقد أن القناعة هي أعظم الثروة.
يجد المرء أن أهدافه المثالية قد تعثرت الآن في مواجهة متطلبات الحياة، فقد رسم الشهر الأول من العام صورة قاتمة من النكسات، وكشف عن الرحلة المعقدة لتحسين الذات.
وفي نسيج تحسين الذات هذا، أصبحت أواخر يناير/كانون الثاني مفترق طرق اصطدمت فيه الطموحات بتعقيدات الوجود الإنساني.
ويشير الكتاب إلى أن ثقافة "الفجوة" منتشرة على نطاق واسع، وهو ما يؤدي إلى الإحباط وخيبة الأمل، وكما قال دان سوليفان فإن لهذا تأثير زائد على احتمال الفشل في تحقيق الأهداف المالية.
ويتجلى الارتباط بين السعادة والفجوة أو حالة المكاسب في تقرير غالوب لعام 2023 بعنوان "حالة العامل الأميركي"، حيث شعر 39% فقط بتقدم ملموس نحو الأهداف طويلة المدى، في حين تراوحت تقييمات السعادة من 33% إلى 42%.
فخ الفجوة.. منظور مالي
غالبا ما يؤدي التخطيط المالي إلى تفاقم فجوة التفكير بسبب الطبيعة الملموسة للقيم النقدية. هنا يشير الكتاب إلى أن السعي المستمر لتحقيق دخل أعلى، أو زيادة المدخرات، أو رفع قيمة الممتلكات يعكس جوهر الفلسفة الرواقية، "كلما حصلت على المزيد، أردت المزيد". ومع ذلك، فمن الأهمية بمكان أن نتبنى حكمة أفلاطون، الذي كان يعتقد أن القناعة هي أعظم الثروة.
وفي عالم التخطيط المالي، يصبح الرضا بما حققه المرء، وإعادة صياغة العقلية من الفجوة إلى المكسب، أمرا بالغ الأهمية. وهذا التحول العقلي، كما يفترض سقراط، يؤدي إلى الثروة الطبيعية المتمثلة في الرضا.
إن السعي الدائم لتحقيق الأهداف يمكن أن يوقعهم في الفجوة، وهو ما يؤدي إلى عدم الرضا رغم الإنجازات الرائعة.
أتمتة النجاح المالي.. حل بسيط
يقترح الكتاب أحد الحلول الفعّالة لمواجهة فجوة التفكير في التخطيط المالي وهو ببساطة حل الأتمتة. ومن خلال الاستفادة من منصات الخدمات المصرفية والاستثمارية عبر الإنترنت، يمكن للأفراد تحديد أهداف مالية محددة وأتمتة المساهمات تجاهها. سواء أكان ذلك مدخرات طارئة، أو صناديق تقاعد، أو أهدافا مالية أصغر مثل الإجازات، فإن التشغيل الآلي يوفر آلية الضبط والحماية من النسيان.
تتضمن أتمتة مدخرات الطوارئ توجيه مبلغ معين إلى حساب نادرا ما يتم النظر فيه ومراقبته حتى تنشأ حالة الطوارئ. ويمكن أتمتة مدخرات التقاعد على سبيل المثال عن طريق تخصيص نسبة مئوية من الدخل إلى حساب مخصص للتوفير للتقاعد، مع ميزة التصعيد للزيادات السنوية. وحتى الأهداف الأصغر يمكن أن تكون آلية، وهو ما يسمح للأفراد بإنفاق الموارد المتبقية من دون الشعور بالذنب.
في عالم التخطيط المالي، يصبح الرضا بما حققه المرء، وإعادة صياغة العقلية من الفجوة إلى المكسب، أمرا بالغ الأهمية.
تحذير للاستثنائيين
يوجه الكتاب ملاحظة تحذيرية للاستثنائيين، وواضعي الأهداف المتسلسلين، والأفراد المتنافسين، حيث إن السعي الدائم لتحقيق الأهداف يمكن أن يوقعهم في الفجوة، وهو ما يؤدي إلى عدم الرضا رغم الإنجازات الرائعة.
فـ"الفجوة والمكسب" بمثابة دليل للأفراد لتغيير طريقة تفكيرهم وإيجاد الرضا في عملهم الشاق.
ويختتم الكتاب بالإشارة إلى أن الرحلة إلى النجاح المالي تتضمن إدراك ما إذا كان المرء عالقا في الفجوة أم يعيش في المكسب.
إن التحول النموذجي الذي قدمه سوليفان وهاردي يشجع الأفراد، وخاصة المتفوقين، على الاستمتاع بالرضا الناتج عن مساعيهم المالية.
لذا، أثناء تقييم أهدافك المالية، اسأل نفسك: هل أنت في الفجوة أم في المكسب؟