يفكرون جديا بترك العمل.. كيف أضرت الإغلاقات بصغار المزارعين الفلسطينيين؟

العرض والطلب على المنتجات الزراعية تأثرا بإغلاق الأسواق المركزية في المدن الرئيسية

عاطف دغلس-كثير من الموروعات تضررت بفعل الاغلاق وعدم التسويق كمزارع الخيار-الضفة الغربية-الاغوار الوسطى- قرية النصارية- الجزيرة نت2
الكثير من المزروعات تضررت بفعل الإغلاق وعدم التسويق كمزارع الخيار (الجزيرة)

بحسبة بسيطة بالقلم والورقة أجراها المزارع الفلسطيني عمار ظاهر تبين تراجع إنتاجه الزراعي بشكل لافت ولا مجال لتعويض خسائره، فباع جزءا من المزرعة ويفكر ببيع ما تبقى.

وظاهر (50 عاما) واحد من مئات "صغار المزارعين" الفلسطينيين أتى على ذكرهم نداء صدر مؤخرا من اتحاد لجان العمل الزراعي الفلسطيني (مؤسسة أهلية غير ربحية) حذر فيه من تدهور أوضاع صغار المزارعين بسبب الإغلاقات الجزئية والكلية للمناطق الفلسطينية بسبب فيروس كورونا.

يزرع ظاهر في أرضه بقرية فلامية قرب مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية 3 دفيئات (البيوت البلاستيكية) من الخضار وأشجار الليمون التي لجأ إليها لتعديل ميزان البيع لديه، لكن حسبته عصفت بها الريح بعد أن صار الإغلاق حالة مستمرة.

ويقول ظاهر في حديثه للجزيرة نت إن أوضاعه تتدهور منذ بدء جائحة كورونا، وهو ما اضطره للتوقف عن زراعة دفيئتين للخيار والفاصولياء بمساحة دونمين (الدونم يعادل ألف متر مربع) وباع معداتهما، وأبقى على دفيئة البندورة ظنا منه بتحسن الأسعار، لكنه الآن يدرس بيعها، فحتى الآن لم تغط هذه الدفيئة تكلفتها المقدرة بنحو 3 آلاف دولار، بل تراكمت ديون ظاهر لتتعدى هذا المبلغ، كما تدنت أسعار الليمون وتوقف تصديره بفعل الإغلاق، وهذا ضاعف خسارته كونه ينتج حوالي 7 أطنان منه.

وبنبرة فيها من الحزن الكثير قال ظاهر إن ما خفف عنه اعتماده على ولديه في العمل، وإنه بات يفكر جديا بترك الزراعة والعمل داخل الخط الأخضر "فالزراعة بالكاد تغطي مصروفنا".

عاطف دغلس-المستهلك عنصر اساس لدى صغار المزارعين- مواطنون يتبضعون حوائجهم من الخضار-الضفة الغربية- نابلس-الجزيرة نت16
تم إغلاق محلات التجزئة ولم يتمكن تجارها من الوصول للأسواق المركزية (الجزيرة)

إغلاق الضفة والداخل

وفق بيان اتحاد لجان العمل الزراعي الذي وصل للجزيرة نت، فإنه رغم عدم تقييد حركة المنتجات الزراعية فإن العرض والطلب تأثرا بإغلاق الأسواق المركزية في المدن الرئيسية، مثل نابلس ورام الله وقلقيلية.

كما أغلقت محلات التجزئة، ولم يتمكن تجارها من الوصول للأسواق المركزية، إضافة إلى تشديد الإغلاق على المستهلكين، وإغلاق المعابر مع إسرائيل التي تصدر إليها مئات الأطنان من الخضار يوميا.

وزاد الطين بلة منع وصول الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر إلى أسواق الضفة الغربية كما هو الحال في محافظة قلقيلية الحدودية، مما أدى لكساد 500 دونم من الخضار إما ببقائها في الأرض دون حصاد أو بيعت بأسعار متدنية لا تغطي تكاليف الإنتاج.

كما لم تصدّر قلقيلية 2400 طن من الليمون -من نحو 8 آلاف طن تنتجها سنويا- إلى الأردن نتيجة الإغلاق.

وفي سوق نابلس المركزي انخفضت القدرة الاستيعابية من 80% للمنتجات المحلية إلى 20%، ومن 20% للفاكهة المستوردة إلى 5%.

غياب الحكومة

يواجه صغار المزارعين غياب الدعم المباشر والتعويض عن الأضرار، وهو ما يتطلب تخصيص موازنة حكومية خاصة ومباشرة لهم، والنظر مجددا بموضوع الإغلاق الذي لم يعد مجديا في ظل ارتفاع الإصابات وعدم توفر اللقاحات.

ويمثل المزارعون الصغار أكثر من 70% من المزارعين، وفق مدير اتحاد لجان العمل الزراعي الفلسطيني فؤاد أبو سيف الذي أكد أن أضرار هؤلاء تراوحت بين 20 و80% خلال الإغلاقات نتيجة فساد المحاصيل التي لم تنقل للأسواق ولم تجد مستهلكين.

ويرى أبو سيف أن غياب المزارعين الصغار يشكل خطرا على "مائدة الطعام" الفلسطينية التي تعتمد عليهم بشكل كبير، ولا سيما صغار المستهلكين، والمطلوب تلمّس احتياجاتهم دوما لإبقاء عجلة الإنتاج مستمرة ومنع ارتفاع الأسعار واحتكار التجار.

والأهم من كل ذلك أن صغار المنتجين يحافظون على الأرض من الضياع، خاصة في مناطق "ج" التي تشكل 62% من أراضي الضفة الغربية ويسيطر عليها الاحتلال كمناطق الأغوار المعروفة بأنها "سلة غذاء" الفلسطينيين.

وإن تعثرت خطة إصلاح شاملة لدعم المزارعين الصغار فهذا لا يمنع -وفق حديث أبو سيف للجزيرة نت- تعزيز وجودهم بتوفير موارد الخدمات التحتية الأساسية كالطرق والمياه التي تسيطر إسرائيل على 83%منها، ومنع إدخال منتجات الاحتلال.

كما لا بد من صندوق "حماية وأمان" لدرء المخاطر وتعويض الخسائر، وتوفير التأمين الزراعي، ودعم أسعار "مدخلات الإنتاج" التي تصل أحيانا إلى 60% من تكلفة الإنتاج للمزارع "وتخفيضها يعني زيادة ربحه المحدود أصلا".

وأظهر بيان اتحاد لجان العمل الزراعي عجز الحكومة المالي رغم إجراءاتها الوقائية من الفيروس، وعدم قدرتها على تغطية خسائر المزارعين الذين لجؤوا إلى تأخير فترة الحصاد لتخفيف الضرر، فتفاجؤوا بتدني الأسعار وانخفاضها إلى أقل من 70% وزيادة تكاليف الإنتاج وانخفاض جودة المحاصيل.

عاطف دغلس-مزارعون يجنون محصول البطاطا-الضفة الغربية-الاغوار الوسطى-قرية النصارية-الجزيرة نت3
القطاع الزراعي الفلسطيني يساهم بـ4.6% من إجمالي الناتج المحلي (الجزيرة)

تراجع الإنتاج

سجل الاقتصاد الفلسطيني -حسب بيان للجهاز المركزي للإحصاء نشر قبل أيام- تراجعا حادا نسبته 11.5% خلال العام 2020 مقارنة بالعام السابق متأثرا بجائحة كورونا، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي خلال الفترة المرصودة بنسبة 12% مقارنة بـ2019.

ويقر مدير وزارة الزراعة في قلقيلية أحمد عيد بتأثير الإغلاقات فعلا على صغار المزارعين تحديدا رغم مساعيهم لتخفيف القيود أثناء الإغلاق والسماح بنقل البضائع، لكن المشكلة كانت بانعدام التسويق والوصول للمستهلك.

ودعا عيد في حديثه للجزيرة نت إلى تمييز صغار المزارعين بالاستثناءات كونهم يملكون أراضي صغيرة نتيجة تفتت الملكية ويتعاملون مع منتج لا يؤجل قطفه وتسويقه، كمحصول الخيار الذي يسوّق نحو 70% داخل إسرائيل وأتلفه المزارعون بسبب الإغلاق وتراجع أسعاره من 10 دولارات للصندوق الذي يزن 15 كيلوغراما إلى 1.5 دولار تقريبا.

ويساهم القطاع الزراعي الفلسطيني بـ4.6% من إجمالي الناتج المحلي، و15% من إجمالي صادرات فلسطين للخارج، ويشغل حوالي 13.4% من الأيدي العاملة في ظل تصاعد البطالة بين الفلسطينيين إلى نحو 24% حسب بيان للبنك الدولي.

المصدر : الجزيرة