استثمارات بمليارات الدولارات.. أكسجين اقتصادي تضخه مؤسسات مالية أوروبية برئة الاستيطان الإسرائيلي

يؤكد جبارين أن هذا التقرير ستكون له آثاره الإيجابية، مستشهدا في ذلك بالتقارير التي أجبرت عددا من الشركات على سحب استثماراتها من المستوطنات

سوق حيفا التاريخي حول لشريان مواصلات ومباني لشركات تجارية وعمارات سكنية.
الشركات المالية الأوروبية لها دور مهم في تسهيل النمو الاقتصادي المستدام لمشروع الاستيطان الإسرائيلي (الجزيرة)

رام الله – قبل 30 عاما، صادر الاحتلال الإسرائيلي أراضي في المنطقة الغربية لبلدة الزاوية شمالي الضفة الغربية وأقام عليها "كسارة حجر" لصالح إحدى شركات البناء الإسرائيلية، أعقبها ببناء مصانع للباطون (الخرسانة) والإسمنت، وبعد سنوات دخلت إحدى الشركات الأوروبية شريكا في هذا المشروع، وضخت استثمارات هائلة فيه.

مصادرة هذه الأراضي وبناء الكسارات والمصانع الاستيطانية لم يحرم مالكيها الفلسطينيين من حقهم بالوصول إليها فقط، بل دمر البيئة الزراعية في المنطقة بالكامل، وحدّ من قدرة البلدة على التوسع الطبيعي فوق أراضيها، كما يقول نعيم شقير، أحد أبناء القرية.

شقير وسائر الأهالي المتضررين من هذا المشروع الاستيطاني وجدوا منفذا قانونيا لملاحقة هذا المشروع، من خلال تتبع الشركة الأوروبية الشريكة فيه مستندين على القانون الدولي الذي يعتبر المستوطنات التي تقيمها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 غير قانونية.

يوضح شقير للجزيرة نت "يرتكز تحركنا القانوني على أنه إذا كان الاستيطان جريمة بتصنيف القانون الدولي، فالتعاون مع هذا الاستيطان لسرقة ثرواتنا من قبل هذه الشركات بحجة الاستثمار هو جريمة كبرى".

 114 مليار دولار تدفقات مالية

والشركة الأوروبية التي تقوم بالاستثمار في المنطقة الاستيطانية على أراضي بلدة الزاوية، واحدة من 50 شركة ضالعة بالعمل بالمستوطنات الإسرائيلية، وتلقت أموالا من مئات المؤسسات المالية الأوروبية، بحسب تقرير لائتلاف فلسطيني دولي جديد انطلق بعنوان "لا تساهم في تمويل الاحتلال"، وجاء التقرير الذي صدر الأربعاء بعنوان: "فضح التدفقات المالية للمستوطنات الإسرائيلية".

والائتلاف هو تحالف إقليمي يضم 25 منظمة حقوقية فلسطينية وإقليمية وأوروبية، يهدف لبحث العلاقة المالية بين الشركات المتورطة بأعمال في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية المقامة في الأرض الفلسطينية المحتلة والمؤسسات المالية الأوروبية.

وركز التقرير على التحقق من العلاقات المالية بين الشركات الضالعة في الاستيطان والمؤسسات المالية الأوروبية، عبر مراجعة مصادر التدفّقات المالية لهذه الشركات، في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2018 ومايو/أيار 2021.

وباعتبار المستوطنات في الأراضي المحتلة عام 1967 غير قانونية بموجب القانون الدولي، يشكل دعمها أفعالا ذات مسؤولية جنائية فردية جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

وتحت عنوان "الأكسجين الاقتصادي" يبين التقرير أنه بين عامي 2018 و2021، كانت لـ672 مؤسسة مالية أوروبية، بما في ذلك البنوك ومديرو الأصول وشركات التأمين وصناديق التقاعد، علاقات مالية مع 50 شركة تعمل مع المستوطنات الإسرائيلية، وحصلت على 114 مليار دولار في شكل قروض واكتتابات.

واعتبارا من مايو/أيار 2021، يصبح إجمالي قيمة الأسهم والسندات التي يمتلكها المستثمرون الأوروبيون في هذه الشركات 141 مليار دولار.

ويشدد التقرير على أن لهذه الشركات والمؤسسات المالية دورا مهما في تسهيل النمو الاقتصادي المستدام لمشروع الاستيطان الإسرائيلي.

ويقول مايكل لينك، المقرر الأممي المعنيّ بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، في مقدمة التقرير "إن مشاركة هذه الشركات في المستوطنات -من خلال الاستثمارات والقروض المصرفية واستخراج الموارد وعقود البنية التحتية واتفاقيات توريد المعدات والمنتجات- تزودهم بالأكسجين الاقتصادي الذي لا غنى عنه، والذي يحتاجونه للنمو والازدهار".

تحريك نشط للتوسيع الإسكاني والبناء بمستوطنة موديعين
في الآونة الأخيرة أعلنت مؤسسات دولية سحب استثماراتها من الشركات المرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية (الجزيرة)

وقف تمويل الاحتلال

يقول ويليم ستايس، منسق ائتلاف "لا تساهم في تمويل الاحتلال"، إنه "رغم عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية بموجب القانون الدولي، فإن المؤسسات المالية الأوروبية ما زالت تمد الشركات العاملة في المستوطنات بشريان الحياة المالي، لذا يجب عليها إنهاء جميع الاستثمارات والتدفقات المالية إلى المستوطنات الإسرائيلية، وعدم المساهمة في تمويل الاحتلال الإسرائيلي".

وفي الآونة الأخيرة، أعلنت مؤسسات دولية سحب استثماراتها من الشركات المرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية، كالصندوق العالمي للمعاشات التقاعدية للحكومة النرويجية (GPFG)، وأعلنت تلك المؤسسات في سبتمبر/أيلول الماضي، أنها ستستبعد 3 شركات منخرطة بالعمل مع المستوطنات الإسرائيلية، بعد إدراجها في قاعدة بيانات الأمم المتحدة التي ضمت قائمة من 19 شركة عاملة في المستوطنات الإسرائيلية نشرها مجلس حقوق الإنسان في فبراير/شباط 2020.

جريمة حرب

توضح مها عبدالله، مسؤولة المناصرة الدولية في مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والتي شاركت في إعداد التقرير، "حاولنا توضيح أن هذه المؤسسات تموّل شركات تقوم بجريمة حرب بحكم القانون الدولي بدعمها الاستيطان".

وأشارت مها، في حديثها للجزيرة نت من مقرها في بروكسل، إلى أن هذا التقرير هو بداية حملات ضغط ومناصرة سيعمل عليها الائتلاف في أوروبا.

وترى أن قوة هذا التقرير أنه صادر من ائتلاف مكون من مؤسسات معظمها أوروبية، تقدم خطابا قويا لحكوماتها مدعوما بالحقائق والأرقام، ويوضح مدى الجريمة التي تقوم بها هذه الشركات.

وحول التأثير المتوقع للتقرير وعمل الائتلاف، تقول مها عبدالله، نأمل أن يشكل هذا التقرير البداية لاتخاذ الإجراءات اللازمة من قِبَل الحكومات لوضع لوائح ملزمة لإنهاء عمل المؤسسات المالية في أي سياقات فيها خرق للقانون الدولي.

وسيكثف الائتلاف جهوده للضغط على الحكومات والمؤسسات الأهلية والحقوقية، والعمل على الصعيد الدولي والأمم المتحدة لتحديث قاعدة بياناتها حول الشركات المتورطة بدعم الاستيطان، إلى جانب السعي لفرض قوانين ملزمة على الشركات لاحترام مسؤولياتها تجاه القانون الدولي وحقوق الإنسان.

وأيضا، سيتواصل الائتلاف -بحسب مها عبدالله- مع هذه المؤسسات وصولا إلى تراجعها عن خرق القانون وتحمل مسؤولياتها تجاه القانون الدولي وحقوق الإنسان.

An Israeli military armoured personnel carrier (APC), a tank and a bulldozer are seen next to the border with the Gaza Strip, in southern Israel July 11, 2019. REUTERS/Amir Cohen
إسرائيل ما زالت تصادر أراضي الفلسطينيين لبناء الكسارات والمصانع الاستيطانية (رويترز)

متابعات قضائية

مدير مؤسسة الحق شعوان جبارين، إحدى المؤسسات الفلسطينية التي شكّلت الائتلاف، يقول إن هذا التقرير هو الأول من نوعه، كونه لا يكشف أسماء الشركات التي تعمل في المستوطنات فقط، وإنما شبكة واسعة من المؤسسات الأوروبية التي تساعد هذه الشركات وتقدم لها خدمات مالية بالمليارات.

وقال جبارين لـ"الجزيرة نت" إن ما جاء في التقرير لا يلزم الشركات بتحمل مسؤولياتها، إلا أنه قد يشكل بداية الحديث عن ضرورة وجود قوانين ملزمة لهذه الشركات من قبل حكوماتها، إلى جانب تجريم هذه الشركات.

وبحسب جبارين، يمكن استغلال هذا التقرير فلسطينيا في رفع قضايا على هذه الشركات التي لا تستثمر بشكل مباشر في المستوطنات، مثل القضية التي تتابعها مؤسسته ضد شركة "بوكينغ" (Booking.com) الهولندية، التي تقوم بالترويج للمستوطنات سياحيا.

ويؤكد جبارين أن هذا التقرير ستكون له آثاره الإيجابية، مستشهدا في ذلك بالتقارير التي أجبرت عددا من الشركات على سحب استثماراتها من المستوطنات.

المصدر : الجزيرة