الاستثمار بالعراق بين سطوة الأحزاب وضعف الإجراءات

جانب من اثار الدمار الذي لحق بمدينة الموصل
دعوات لاحترام قانون الاستثمار لتسهيل دخول الشركات للاستثمار بالمدن التي تحتاج إعمارا (الجزيرة)

الجزيرة نت-بغداد

في الوقت الذي اتهم فيه برلمانيون عراقيون حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي بعرقلة تفعيل قانون الاستثمار رقم 13 (المعدل) لعام 2016، وتحكم المافيات واللجان الاقتصادية التابعة للأحزاب المتنفذة بملف الاستثمار في البلاد، أكدت جهات حكومية وتنفيذية سعيها إلى تبني خريطة طريق للإصلاح وخطة استثمارية شاملة تفتح آفاق المباحثات مع الشركات العربية والعالمية.

ويعد ملف مكافحة الفساد من أبرز التحديات التي تواجه العبادي الذي أعلن في أكثر من مناسبة سعيه إلى شن ما أسماها "الحرب" ضد الفساد الذي بات يستشري في أغلب قطاعات الدولة، ومنها الوزارات التي باتت تنفذ أجندات خاصة بالأحزاب المتنفذة والمرتبطة ببعض المافيات واللجان الاقتصادية سواء في البرلمان أو الحكومة، بحسب مصدر في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.

ويوضح المصدر الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن اللجان المذكورة ترتبط بكل وزير بعد أن يُشترط عليه قبل ترشيحه للمنصب أن يكون مدير مكتبه تابعا للحزب الذي رشحه، ويزيد "لقد أصبح لدينا الآن ما يعرف بوزراء الظل، مهامهم متابعة ملفات العقود من خلال تعين أشخاص تابعين لهم في كافة المديريات العامة التابعة للوزارات".

ولا يخفي المصدر أن أغلب عقود الاستثمار خاضعة إلى "لوبيات" الأحزاب التي باتت تسيطر على كشف المناقصات وبيعها من خلال سماسرة معتمدين ومعروفين من قبلهم، مؤكدا أن محاسبة هذه اللجان ستكون "ضربا من الخيال" لعدم إمكانية إثبات أي دليل عليها، واصفاً إياها بـ"أشباح الفساد".

ويعتمد توزيع المناصب الحكومية على الأحزاب العراقية بعد العام 2003 على حجم القوة التي يمنحها كل منصب، وقيمة الموارد المالية التي تدرها تلك المناصب.

الدراجي: المستثمرون يعانون من إجراءات بيروقراطية عقيمة (الجزيرة)
الدراجي: المستثمرون يعانون من إجراءات بيروقراطية عقيمة (الجزيرة)

ورغم وجود قانون للاستثمار فإن أغلب المستثمرين يعانون من تعقيدات وإجراءات بيروقراطية عقيمة أصبحت تؤثر على مستقبل البلاد، بحسب عضو اللجنة المالية رحيم الدراجي، الذي يرى أن العقلية القديمة للقائمين على الاستثمار والمرتبطين بالحكومة في إدارة ملف الاستثمار في الحكومة أسهمت في فشله وتراجعه بشكل لم يسبق له مثيل.

ولا يخفي الدراجي أن "تغول" المافيات التابعة للأحزاب كبّد البلاد خسائر كبيرة عبر الاستحواذ على أغلب الاستثمارات، كذلك سعي بعض الشخصيات السياسية لتنفيذ أجندات خارجية من أجل تدمير العراق وتحويله إلى "مول" كبير لبضائع بعض الدول المجاورة (لم يسمها)، مؤكدا أن "الكل يريد بقاء الحال على ما هي عليه، خاصة مع ازدياد حجم الاستيراد مع تلك الدول إلى أربعين مليار دولار سنويا".

تفعيل القانون
بالمقابل، دعا عضو لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية كامل الغريري الحكومة إلى احترام قانون الاستثمار، وتفعيله بالطريقة التي تسهل دخول الشركات الاستثمارية، لا سيما في المدن الآمنة والتي تحتاج إلى إعمار.

وعن السبب وراء عدم تطبيقه، قال إنه "الروتين والمساومات وعمليات الترهيب التي تعترض المستثمرين من قبل جهات سياسية ولجان اقتصادية مرتبطة بها تحاول إضعاف اقتصاد البلد".

وأشار إلى أن قانون الاستثمار العراقي يعد من أبرز القوانين التي تمنح المستثمر العديد من الامتيازات التي لم تستغل بالشكل الصحيح ولم يستفد منه، وأن غياب قانون يردع الفاسدين والمتنفذين من الأحزاب والسياسيين المتورطين بسرقة المال العام سيؤدي إلى نفور شركات الاستثمار.

وسبق للعبادي -ضمن خطته الإصلاحية- أن طلب في العام 2016 من الأمم المتحدة مساعدته في الكشف عن مصير 360 مليار دولار فقدت من موازنات البلاد بين عامي 2004 و2014، فضلا عن ملفات الفساد ومصير آلاف المشاريع الفاشلة أو المعطلة والاستثمارات في عدد من قطاعات الدولة.

وخلال عامين من العمل في البلاد، توصل الفريق الدولي المكون من 21 خبيرا ومحققا ماليا إلى تورط مسؤولين كبار وسياسيين بارزين بملفات فساد منذ 2003، تمت تبرئة الكثير منهم بعد شمولهم بقانون العفو العام الذي أقره البرلمان بتوافق الكتل السياسية فيه.

الغريري: غياب قانون يردع المفسدين سينفّر الشركات (الجزيرة)
الغريري: غياب قانون يردع المفسدين سينفّر الشركات (الجزيرة)

نظام اقتصادي مركزي
ويعترف رئيس هيئة الاستثمار سامي الأعرجي بأن العراق لا يزال يعتمد على نظام اقتصادي مركزي يعيق تنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية، كما أشار إلى أن التخلص من موروث الدولة العراقية خاصة ما يتعلق بسوء تفسير القوانين التي يتعارض بعضها مع قانون الاستثمار يتطلب العديد من الإجراءات من أجل خلق اقتصاد وسوق حر.

وأكد أن قانون الاستثمار الحالي ينسجم مع المنظومة الدولية التي أشادت به خلال العديد من المناسبات.

وعن خططهم لتذليل العقبات أمام المستثمرين، قال الأعرجي "هناك خريطة طريق للإصلاح وخطة استثمارية شاملة حظيت بموافقة مجلس الوزراء ستفتح آفاق المباحثات مع القطاع الخاص والعام وعدد الدول العربية والغربية مما سيخلق بيئة استثمارية مستقرة وآمنة".

وكان البنك الدولي قد صنف العراق في المركز 168 عالميا من أصل 190 دولة في تقييمه لبيئة الأعمال لعام 2017، وفق الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، الذي يجد أن المناخ الاستثماري والأمني غير المستقرين أسهما في ترسيخ هذا الانطباع عن العراق، فضلا عن التحديات الأخرى كالبيروقراطية والفساد والمحسوبية التي أدخلت البلد في أزمة حقيقية.

ويعتبر عدم وجود قانون جنائي يحاسب الفاسدين والممارسات الجديدة وكل من يحاول العبث بالأمن الاقتصادي العراقي سببا في عدم رغبة الشركات الاستثمارية في العمل بالعراق، كما يؤكد مراقبون.

المصدر : الجزيرة