ضرائب السعودية والإمارات.. نهاية دولة الرفاهية

People shop at a market in Riyadh, Saudi Arabia, October 18, 2017. Picture taken October 18, 2017. REUTERS/Faisal Al Nasser
المواطن السعودي عرف في 2017 إلغاء العلاوات والزيادات على الرواتب ويستعد لاستقبال فرض ضرائب في 2018 (رويترز)
محمد النجار-الجزيرة نت
على بعد أيام قليلة من بدء كل من السعودية والإمارات تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5%، تودع الدولتان عقودا من الرفاهية عاشها مواطنوها والمقيمون فيها دون ضرائب، في حين اختارت الدول الخليجية الأخرى تأجيل هذا التطبيق.
وتفرض ضريبة القيمة المضافة على فارق سعر التكلفة وسعر المنتج، وتعد من الضرائب غير المباشرة التي تشمل السلع والخدمات، ويدفعها المستهلك النهائي.
وقررت دول الخليج العام الماضي بدء تطبيق الضريبة بشكل موحد بداية عام 2018، لكن التفسخ الذي أصاب منظومة مجلس التعاون الخليجي إثر إعلان السعودية والإمارات والبحرين فرض حصار على قطر، ساهم في عدم توحيد المواقف من الضريبة.
 
وأعلنت سلطنة عمان تأجيل تطبيق الضريبة حتى عام 2019، في حين يحتاج القانون لإقراره من مجلس الأمة الكويتي، وسط توقعات محللين كويتيين تأجيل تطبيقها، أما قطر فلم يصدر عنها أي إعلان بهذا الشأن، وهو الأمر ذاته بالنسبة للبحرين.
 

زيادة الإيرادات

وستطبق الإمارات والسعودية والبحرين ضريبة انتقائية على سلع وخدمات اعتبارا من مطلع العام المقبل، في حين أجلت عمان تطبيقها لمنتصف 2018، ولم تعلن قطر والكويت أي موعد.
 

وتقول الرياض وأبو ظبي إنها تهدف من تطبيق "القيمة المضافة" زيادة إيراداتهما التي تأثرت بفعل الانخفاض الكبير في أسعار النفط في السنوات الثلاث الأخيرة، إضافة إلى أعباء الإنفاق العسكري على الحروب ودعم اقتصادات دول حليفة بمليارات الدولارات.

 
والأخطر برأي العديد من المحللين العرب والغربيين أن فرض هذه الضريبة سيكون تدشينا لدخول دول الخليج عهد الضرائب، وبالتالي عقد اجتماعي وسياسي جديد، يدشن نهاية عهد الدولة الريعية.
ويرى هؤلاء أن فرض الضرائب قد يشجع المطالبات بمجالس منتخبة تشارك في الحكم بعد أن انتقل المواطن في هذه الدول من عهد البيعة المقرونة بالدولة الريعية، إلى المساهمة في إيرادات خزينة وطنه وبالتالي المطالبة بحق المشاركة في الحكم.
 
محللون اقتصاديون أشاروا إلى أن السعودية والإمارات والبحرين من أكثر الدول الخليجية سعيا لزيادة الضرائب، بينما تتحفظ قطر والكويت وعمان على فرض ضرائب جديدة.
 

عالم بلا ضرائب

وكان التراجع الكبير في أسعار النفط قد أدى لعجز كبير في موازنات السعودية والامارات، حيث أوقفت الرياض العلاوات السنوية والزيادات على رواتب موظفي القطاع العام، كما فرضت رسوما متعددة على العمالة الوافدة وعائلاتهم، دفعت بعشرات الالاف منهم للمغادرة.
 

وتحت عنوان "نهاية عالم من دون ضرائب بالخليج العربي"، قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن الإصلاح الضريبي المرتقب في السعودية والإمارات يمثل قطيعة مع ماض ظلت فيه الضرائب لمدة طويلة شبه معدومة في هذه البلدان التي تستمد معظم عائداتها من المنتجات النفطية.
ونقلت عن شركة ديلويت إن هذا الإجراء يمثل "التغيير الاجتماعي والاقتصادي الأكثر إثارة وطموحا في المنطقة منذ اكتشاف النفط" في القرن الماضي.
 
وبرأي لوموند، فإن مثل هذا الإجراء "ينطوي على مخاطر للأنظمة الحاكمة التي اكتسبت شرعيتها من إعادة توزيع واسعة للعائدات النفطية".
 

البيئة التنافسية
ووفقا لأرقام موازنة 2018 التي أعلنتها السعودية، فإن العبء الضريبي الجديد سيساهم في رفع الإيرادات من 25 مليار دولار العام الجاري، إلى 38 مليار دولار العام المقبل، بزيادة كبيرة تتجاوز 46%.

أما الإمارات التي تعيش أزمة اقتصادية منذ 2009، فإن كافة المؤشرات توضح أن أسعار العديد من السلع والخدمات سترتفع، وهو ما سيؤثر سلبا في البيئة التنافسية للدولة عموما، وإمارة دبي خصوصا.

 
وحسب دراسة لشركة بايفورت، فإن 47% من سكان الإمارات يعانون من القروض، في حين يبحث 13% من البقية عن جهة تقرضهم، بينما أقر 29% من السكان أنهم لا يستطيعون الادخار بسبب ارتفاع كلفة المعيشة والخدمات.
من جهته، اعتبر الباحث الاقتصادي المصري عبد الحافظ الصاوي أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة في السعودية والإمارات يسير عكس الاتجاهات الاقتصادية الصحيحة. 
 

انكماش وانتعاش

وقال للجزيرة مساء الثلاثاء الماضي إن كلتا الدولتين تدعيان بأن هناك اتجاها لديهما للتنوع الاقتصادي والاعتماد على الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ولكنهما تفقدان أهم ميزتين لهما، وهما الإعفاء الضريبي وسعر الطاقة المدعوم الذي ارتفع مؤخرا، وفرض ضرائب، وبالتالي لن تكون هناك ميزة تجذب الاستثمار الأجنبي.
 
ولفت الصاوي إلى أن الاقتصاد السعودي يعيش حالة انكماش، حيث أظهرت بيانات موازنة 2018 أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في 2017 كان سلبيا بمعدل 0.5%، وأنها تستهدف تحقيق نمو 2.7% العام المقبل، وهو ما يبدو صعبا، لا سيما أن المبدأ الاقتصادي يقول إنك إذا أردت الانتقال من حالة الانكماش إلى الانتعاش فعليك أن تعطي إعفاءات ضريبية.

حقيقة أخرى تحدث عنها الخبير الاقتصادي وهي العدد الكبير للذين تقدموا للحصول على دعم من حساب المواطن في السعودية البالغ 13 مليون سعودي، وهو ما يشكل 64% من السعوديين، "وهذه دلالة خطيرة تؤشر إلى ارتفاع معدلات الفقر، أو المتوقع دخولهم الفقر في 2018″.

 
وخلص للإشارة إلى أن الوضع المالي في السعودية في الفترة القادمة سيكون أصعب، مشيرا إلى أن المملكة طلبت من صندوق النقد الدولي تأجيل خطتها لتحقيق التوازن المالي التي كان مقررا تحقيقها في 2020، إلى عام 2023.
 
لكن السؤال الأهم يأتي من المؤشرات التي كشف عنها صندوق النقد الدولي، والمتعلقة بإدارة عوائد هذه الضرائب، والذي لم يحقق أي نتائج ملموسة في البلدين وفقا لأرقام موازنتيهما المعلنة للعام المقبل، وهو ما يدفع مراقبين للإشارة إلى أن الأزمة هي في إدارة موارد وليس في الموارد ذاتها، إذ يجري هدر عشرات المليارات من الدولارات في أغراض شخصية وتمويل حروب وانقلابات خارجية.
المصدر : الجزيرة + وكالات + الصحافة الفرنسية