الذات والآخر .. لمن يكتب الشعراء المغاربة؟
عبد الغني بلوط-مراكش
يتذكر الشاعر والناقد المغربي عبد الحق ميفراني كيف أن الشاعر الكولومبي المعروف خوان مانويل روكا لمّا طُرح عليه سؤال "لمن يكتب الشاعر المبدع؟"، قال بكل بساطة إنه يكتب لذاته، وهو جواب أدهش الحاضرين في إحدى الندوات خلال السنة الماضية بمدينة آسفي المغربية، ممن كانوا يعتقدون غير ذلك.
ويقول الشاعر المغربي إسماعيل هموني -وهو أيضا باحث وأكاديمي- إن الشاعر المبدع يكتب لذاته أولا، لأن العملية الإبداعية لصيقة بالذات، لكنه لا ينفي تأثيرها في الغير.
دوافع غامضة
من جهته، يبرز الناقد والشاعر المغربي عبد اللطيف السخيري في حديثه للجزيرة نت أن الدوافع الأولية للشاعر المبدع تكون غامضة، لأنها تبدأ داخلية ذاتية، وقد يعجز عن تفسيرها.
ولكن فيما بعد وحين تتبلور التجربة، يضع الكاتب أهدافا لكتابته، وأولها هو أن يتواصل مع قارئ مفترض، يتوجه إليه بمنجزه الشعري أو النثري وينتظر منه تفاعلا في سياق ما.
ويشير السخيري، وانطلاقا من ديوانه الأول الذي أصدره، إلى أن هدفه من الكتابة كان مناقشة العديد من القضايا الاجتماعية، وبالتالي فالمخاطَب الأول هو القارئ المغربي لأنه مرتبط بهذه القضايا.
أما الشاعرة المغربية الشابة مليكة بوطالب التي تكتب باللغة الأمازيغية وهي لغة قليلة الانتشار مقارنة مع لغات أخرى، وفي حديثها للجزيرة نت ترى أن ما تكتبه ينحصر فقط في نخب محدودة، ولكنها تؤكد أن الكتابة هي نوع من النضال، وتكريس لعشق اللغة.
رسم الحدود
سؤال آخر يطرحه كل متتبع، كيف يرسم الشاعر المبدع حدوده مع قارئه المفترض؟ وفي هذا الصدد يؤكد الشاعر إسماعيل هموني أن تلك الحدود تبدو دائما هشة وغير واضحة، لأن كل مبدع يتضمن في ذاته قارئا، وكل كاتب هو قارئ جيد يستطيع أن يكتشف معاني النص في قراءة جديدة.
ويريد هموني أن يكون المتلقي ندا له وليس ظلا، مختلفا عنه وليس تابعا، فبقدر ما ترسم تلك الحدود نوعا من التماس أو التلاقي، أو نوعا من التباعد، لتحقق ذلك "البين – بين" يستطيع الشاعر أن يفاجئ قارئه الذي يتابعه بأشياء مختلفة لم يعهدها فيه سلفا.
أما الشاعر السخيري فيقول إن التواصل بين المبدع والقارئ يبدو مستحيلا كما يرى الناقد الفرنسي موريس بلانشو، لأن المبدع يكتب بهاجس معين، وقد يُفهم منه فهم آخر، قد لا يكون ما يريد أن يوصله الشاعر وهنا يكمن التناقض بين حلم خلق التواصل مع القارئ المفترض، واستحالته لأسباب خارجية، أو دوافع تأويلية.
استحالة التواصل
ويؤكد السخيري أن هذه الاستحالة جلية اليوم أكثر من أي وقت مضى، فتأثير الشاعر القديم كان مباشرا، وقد يلقي قصيدة فتهب القبيلة للقيام بحرب أو لنجدة أحد أفرادها، أما الآن فالمبدع تطوقه أسئلة فلسفية أخرى، لها واقع وسياق متغايران، ولا يكون التواصل إلا عبر النص المكتوب أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
ويستند إلى فكرة الشاعر أحمد المجاطي الذي يقول إن الشاعر يحكمه سياق درامي، مثل البطل التراجيدي الذي لا يمكنه أن يصل إلى ما يريد تحقيقه، ولكن عليه مسؤولية -الكتابة والقول الشعري- بغض النظر عن نتائجه.
ويضيف أن الخطاب موجه من الذات إلى المجتمع، ولكنه في الحقيقة يعود إليها، وكم من قصائد أحدثت تغييرا داخليا عبر التأويل أو القراءات المتعددة.
ويكتب الشاعر أيضا للتاريخ، ضدا على الزوال والمحو، ذلك أن الانتصار باللغة على الموت يجعل التواصل بين الأجيال مستمرا.
صدق الإحساس
ويبرز ميفراني، من جهته أن الشاعر اليوم يكتشف أنه يلامس أشياء جديدة، بل إنه من خلال الملتقيات يمكن أن ينفتح على جمهور جديد ينتصر له، ويحظى باحتفاء خاص منه.
ويضيف أن التواصل مستمر بين المبدع والمتلقي والقطيعة مستحيلة ما لم يحدث زلزال في الأدب ذاته.
بدورها، تؤكد الشاعرة مليكة بوطالب أن الدهشة التي يجدها الشاعر لدى المتلقي لا تقل عن دهشة اللحظات الأولى لخروج النص من المخيلة إلى الواقع.
وبالرغم من أن المتلقي ذاته لا يفهم في كثير من الأحيان اللغة الأمازيغية، لكن الإحساس يصله حتما من خلال الإيقاع والإلقاء الصادق.