محنة مسجدين بالخط الأخضر.. هل تطفئ "قناديل ملك الجليل" أنوارها؟

المؤسسة الإسرائيلية تواصل التفرد بالمقدسات ووضع اليد على العقارات الفلسطينية بيافا، والمخططات تستهدف مسجد البحر الذي اضحى العقار الإسلامي الوحيد في منطقة الميناء بعد سلب كافة العقارات والمباني العربية، التقطت الصورة بشهر ديسمبر-كانون الأول 2014.
مسجد البحر يعد من معالم فلسطين التاريخية والأثرية وارتبط بناؤه واسمه بعائلة الظاهر الزيداني (الجزيرة)

عمران عبد الله

بدأت سلطات الاحتلال الإسرائيلي إرسال معدات وآليات للقيام بأعمال ترميم لجدران مسجد البحر القديم (وسط مدنية طبريا داخل الخط الأخضر)، وذلك بهدف تحويله لمتحف، وهي خطوة أثارت غضبا شعبيا، واعتبرها ناشطون فلسطينيون محاولة لتغيير معالم مدينة طبريا العربية بالاكتفاء بالمتحف وطمس آثار المسجد كمكان عبادة تاريخي، كما جرى مع مسجد بئر السبع الكبير.

واقتحمت الجرافات ساحة المسجد، في ما يعد نقضاً لاتفاق سابق عام 2000 بين قيادات عربية في الداخل الفلسطيني والسلطات الإسرائيلية، أقروا فيه إغلاق المسجد وعدم الإقدام على أي تغيير في وضعه؛ بعد اعتداءات شملت محاولات إحراقه وكتابات عنصرية على قبابه، لكن بلدية طبرية عادت وسحبت معداتها وآلياتها من مسجد البحر مساء أمس الاثنين بعد احتجاجات وتدخل هيئات عربية.

وقالت مؤسسة "ميزان" لحقوق الإنسان بعد رسالة أرسلتها لرئيس بلدية طبريا؛ إن البلدية "تعاطت مع المسجد بصورة مسيئة وخطيرة جدا، حيث تم هدم الجدار الخارجي وإدخال المعدات وآليات الحفر وغيرها، كما جرى إخراج حجارة من أرضية المسجد، إلى جانب التصريحات الصادرة عن جهات في البلدية ومدينة طبريا حول تحويل المسجد إلى متحف، واستعمالات أخرى". وشددت الرسالة على أن هذه الأعمال تشكل انتهاكات خطيرة وتمس قدسية المسجد.

وغير بعيد عن مسجد البحر، وضعت لجنة التنظيم والبناء في منطقة الشمال ولجنة التنظيم والبناء التابعة لبلدية طبرية -مؤخرا- تخطيطا هيكليا هدفه تحويل ساحة مسجد الظاهر عمر الزيداني في طبرية لمكان تجاري وسياحي. وسمي المسجد العمري نسبة إلى والد ظاهر العمر نفسه، الذي بناه وسط مدينة طبرية عام 1743م.

مسجدا ملك الجليل التاريخيان

ويعتبر المسجدان من معالم فلسطين التاريخية والأثرية وارتبط بناؤهما واسمهما بعائلة الظاهر الزيداني التي انحدر منها ملك الجليل، وبقيت المساجد تشير لما خلفه ظاهر العمر من إرث معماري وأفكار نهضوية زرع بذورها في المنطقة.

وعاش ظاهر بن عمر الزيداني (ظاهر العمر) في فترة (1106-1196 ه‍ـ / 1695-1775 م)، وكان حاكماً لعكا في فترة العثمانيين، وبعد تمرد على السلطة العثمانية قوى مركزه وأسس حكماً مستقلاً وتوسع ليحتل طبريا، وجذب التجار الأوروبيين لساحل فلسطين الشمالي على البحر المتوسط.

وعرف ظاهر العمر بتشييد الحصون والأسوار وتقوية جيشه، وأدخل إصلاحات اقتصادية دعمت قوته التي تمكن بها من غزو أجزاء من الشام والاستيلاء على بيروت.

وتمرد ظاهر العمر بالتعاون مع أهالي قرية البعنة الذين رفضوا دفع الضرائب على الحاكم العثماني، وأدى صدامه مع العثمانيين إلى تأسيس حكم مستقل في الجليل وشمال فلسطين، وحارب الشهابيين وسيطر لفترة على دمشق وصيدا، لكن القوات العثمانية أعادت بسط سيطرتها على هذه المناطق، وقضت على إمارة ظاهر العمر واستقلالها بقيادة أحمد باشا الجزار، وقتل ظاهر العمر في حدود عام 1775.


قناديل ملك الجليل

وتناول الشاعر والروائي إبراهيم نصر الله قصة ظاهر العمر في روايته الملحمية الشهيرة "قناديل ملك الجليل"، التي تسجل كيف قام ظاهر العمر بإقرار الأمن وبعث الحياة اجتماعيا واقتصاديا وعمرانيا وتجاريا، وتوضح تسامحه الديني وسعة أفقه، ولجوء الكثير من الفئات المضطهدة إلى عكا وحيفا والناصرة وطبرية، أثناء فترة حكمه.


ورغم احتواء الرواية على جانب تاريخي، فإنها لم تلتهم حكايات الناس اليومية وأحاسيسهم وثقافتهم الشعبية وتصوراتهم للحياة والقدر والموت وعلاقتهم بالطبيعة.


وتتحرك في الرواية شخصيات كثيرة، بعضها حقيقي مثل ظاهر العمر وأبنائه، وأخرى ابتكرها الكاتب لتعزيز البناء الروائي بمواقف متنوعة تفسح المجال للتعبير عن الأحداث، والبيئة الاجتماعية والسياسية والإنسانية في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر وإسطنبول على مدى 86 سنة.

المصدر : الجزيرة