"في ذكرى الغياب".. روح درويش تحلّق بالأردن
توفيق عابد-عمّان
ويضم المعرض 24 لوحة مختارة من قصائد درويش، جميعها تتغنى بالأرض والحياة والإنسان "لو كان أمسي معي لامتلكت غدي كله" و"على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، وتشير بألم وحسرة إلى المعونة الغذائية لوكالة غوث اللاجئين "يصبح البدر رغيفا في عيوني.. عندما تفرغ أكياس الطحين".
وامتازت اللوحات التي كتبت بخطوط مختلفة كالكوفي والديواني والثلث باللون الترابي والأزرق والأخضر، وهي ألوان تراب الوطن الفلسطيني وسمائه، كما كان للأرض وهي محط اهتمام الشاعر حضور مميز كترجمة على تركيز الراحل على المكان الذي يفتقده جراء الاغتصاب واحتلال الأرض الفلسطينية.
وتعيد اللوحات جماليات الخط العربي الذي تعرّض لهزة عنيفة عندما غزت التكنولوجيا أوجه الحياة وحتى الطباعة، حيث غاب الخطاطون عن الصحافة المطبوعة واستغني عنهم.
قصائد للحرية
وفي حفل افتتاح المعرض قرأ الشاعر غازي الذيبة من نصوص الشاعر الراحل ما يحمل إشارات إلى الحرية لفلسطين وتفاعل معها الجمهور في استجابة بدت مثيرة للحنين، وكما لو أن درويش كان يطوف في ذلك المساء المشحون بالتوق الشديد للحرية والخلاص من الاحتلال.
وقرأ الذيبة قصيدة مهداة لروح محمود درويش "يطير الحمام"، ومما ورد فيها: كنا نراك من النوافذ/لا نرى أحدا سواك يمر في أحداقنا/ونرى تدلّه نسوة يلمحن طيفك/ثم يركضن ابتهاجا خلف ضوء مارق/ويشرن نحوك أن تلوّح من بعيد.
كما قرأ مختارات من قصيدتين: الأولى "أحمد والزعتر "أنا أحمد العربي فليأتِ الحصار/جسدي هو الأسوار فليأتِ الحصار"، وقصيدة "الأرض" التي تتحدث عن انتفاضة 1976 داخل الخط الأخضر: "أسمي التراب امتدادا لروحي/أسمي يديّ رصيف الجروح/أسمي الحصى أجنحة العصافير لوزا وتين".
وعقب حفل الافتتاح قال الفنان أحمد داري للجزيرة نت إنه يتعامل مع الخط العربي لصناعة لوحة فنية قائمة على إيقاع الكلمة، وبالتالي يقفز عن الأنماط التقليدية للخطوط وشروط التعاطي مع أنواعها النمطية، بل يخلط بين الخطوط في معادلة تصنع ملامح جديدة للوحة، وهو نمط خاص يندرج تحت الحداثة ليس موجودا لدى آخرين، حسب تعبيره.
لماذا درويش
وبشأن اختياره الراحل محمود درويش كمصدر إلهام للوحاته، أوضح داري أنه عايش الشاعر في باريس وتربطهما علاقة صداقة، وأن درويش يمتلك نصا شعريا حاضرا بقوة في تفاصيل الحياة وتطور مسار القضية الفلسطينية ببعدها الإنساني.
كما أن المعرض -والحديث لداري- يُعتبر تكريما لشاعر ترك إرثا إنسانيا تجاوز في مشروعه الأدبي الجغرافيا السياسية لفلسطين، واستطاع من خلال رؤيته وقراءاته واندماجه بالمشروع الثقافي العالمي أن يصل لشريحة عالمية.
من جهته، قال الشاعر غازي الذيبة في حديثه للجزيرة نت أنه أراد من خلال مشاركته التواصل والاستمرار في ظلال الشاعر الراحل محمود درويش من خلال الاحتفالية التي جمعت اللون والكلمة معا في وقت تقف فيه فلسطين كلها في مواجهة العدو الإسرائيلي، وكأن روح درويش المحرضة على الحرية والجمال تسند روحنا في هذه العتمة وتعيدنا لصفاء اللحظة الأولى للمقاومة.
بدوره، رأى رئيس رابطة الفنانين التشكيليين غازي انعيم الذي افتتح المعرض أن الفنان أحمد داري اختار أبياتا من قصائد الراحل محمود درويش ووظفها عبر ريشته بالخط واللون ليقدم وجبة دسمة من الكلمات المعبرة عن الواقع والحياة، كما تغنت هذه الكلمات بالإنسان، وأكدت كما يقول درويش أنه "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".