"حجارة الألم".. عن فلسطين بلغة الآخر

جانب من الندوة الثقافية "مخاطبة الآخر بلغته" بمقر دار الشروق في رام الله
undefined
 
عوض الرجوب-رام الله
 
لا تُعد اللغة العقبة الأساسية لمن يحاول الكتابة للآخر ومخاطبته بلغته، لأنه يمكن التغلب عليها، إنما العقبة الأهم هي امتلاك القدرة على مخاطبة وعي الآخر المختلف ثقافيا وتاريخيا ومحاولة تجاوز الفجوة الثقافية والإنسانية.
 
هكذا لخص الروائي والصحفي الفلسطيني أنور حامد تجربته في الكتابة الأدبية عن قضيته باللغة المجرية، خلال أمسية عقدها مساء الأربعاء بحضور عدد من المثقفين في مقر دار الشروق للنشر بمدينة رام الله في الضفة الغربية.
 
‪أنور حامد: عنما تخاطب بلدا ما بلغته فإنه‬ (الجزيرة)
‪أنور حامد: عنما تخاطب بلدا ما بلغته فإنه‬ (الجزيرة)

تقريب الفجوة
في روايته "حجارة الألم" باللغة المجرية والتي صدرت طبعتها الأولى عام 2004، يسجل حامد تفاصيل الحياة اليومية التي عاشتها قريته "عنبتا" في ظل الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى، وما نتج عنها من تحولات اجتماعية وثقافية وسياسية.

الكتابة للقارئ العربي باللغة العربية لها ما يكملها من عاطفة وتاريخ، ومن هنا يقع من يكتب للآخر بلغته في مأزق تقريب الفجوة الثقافية، كما يرى حامد الذي انتقد محاولة البعض تغذية الصورة النمطية عند الأوروبيين والغرب، حين يتصدر اضطهاد المرأة العربية والإرهاب سلم اهتماماته.

الروائي الفلسطيني أعرب عن أمله في أن يكون قد أوصل مأساة الشعب الفلسطيني إلى الوعي الأوروبي، موضحا أنه أصدر خمسة آلاف نسخة من روايته في طبعتها الأولى، ثم تلتها طبعات أخرى لاقت ترحيبا من النقاد، في مجتمع لا يزيد عدد سكانه عن عشرة ملايين نسمة.

أنور حامد يرى أنه بذل جهدا كبيرا في إيصال الفكرة عبر حواجز الوعي والوجدان، "لأن لكل شعب مفاهيمه الثقافية المختلفة وإدراكه ووعيه المختلف للأشياء"، لافتا إلى أنه جاء في البداية إلى بلد (المجر) يجهل أهله كل شيء عن المجتمع والبلد الذي جئت منه، وبالتالي عندما تخاطبه بلغته فإنه يحاكمك بصرامة، كما يحاكم كاتبه الذي ولد فيه".

وفي روايته الأخيرة "يافا تعد قهوة الصباح"، يقول حامد إنه عالج تفاصيل الحياة الفلسطينية في المدينة قبل التهجير، بعيدا عن الصورة النمطية السائدة للفلسطيني الذي يحمل أمتعته ويرحل.

وتناول تفاصيل الحياة ما قبل الهجرة في فلسطين، راسما لوحة اجتماعية بألوان كثيرة عن المجتمع، وقد استغرقه الإعداد -كما يقول سنوات- من البحث والتحري والزيارات، لمعرفة أدق تفاصيل حياة المدينة الثقافية والاجتماعية والسياسية قبل الاحتلال.

واجه حامد في كتابته لروايته تلك، تحديا بين تقديم صوة مثالية عن مجتمعه وبالتالي تضليل القارئ وفقدان مصداقيته وتكوين شخصية مهزوزة، وبين نشر الغسيل الوطني على حبال غربية كما يقول، فاختار نقل الواقع كما هو، باعتبار أن "الأدب كمبضع الجراح"، وفق رؤيته.

‪السوادني: حامد استطاع أن يترجم حضور الوجع الفلسطيني في روايته بالمجرية‬ (الجزيرة)
‪السوادني: حامد استطاع أن يترجم حضور الوجع الفلسطيني في روايته بالمجرية‬ (الجزيرة)

إقناع المتلقي
الكاتب وليد أبو بكر اقتبس في مداخلته بالندوة عن رئيس جمهورية المجر سابقا الأديب أرباد جُونز قوله عن رواية  حامد إنها "تصوّر عالما يصدمك ولا تكاد تصدق وجوده، عالما مجهولا لنا نحن المجريين، لكن أنور حامد قرّبه إلينا لدرجة لا يمكننا عندها تجاهله". ويرى أبو بكر أن حامد في خطابه لقارئة المجري الغربي يختلف عن أسلوبه الخطابي العاطفي الموجه إلى القارئ العربي.

من جهته يوضح الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين ورئيس بيت الشعر الفلسطيني مراد السوادني، أن حامد استطاع في مغتربه أن يترجم حضور الوجع الفلسطيني والمقولة الثقافية الفلسطينية في مخاطبة الآخر واقتحام وعيه.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الروائي الفلسطيني تمكن من خلال اللغة التي أتقنها، ومن خلال قدرته على استبطان هذا الوعي، "أن يقنع الآخر ويوصل الرسالة واضحة"، مستشهدا أيضا بما قاله الرئيس المجري عن روايته.

واستعرض السوادني تجارب لكتاب فلسطينيين آخرين في المنافي نجحوا في تحقيق حضور مميز في الغربة، بينهم محفوظ مصيص في تشيلي، ونتالي حنظلة في الولايات المتحدة، وغيرهما من الأسماء التي تمكنت من حمل الوجع الفلسطيني والمتن الثقافي الفلسطيني.

المصدر : الجزيرة