شعار قسم مدونات

كيف سيتذكر العالم أوباما؟

blogs - obama
بعد ثلاثة أسابيع سيغادر الرئيس الأمريكي باراك أوباما البيت الأبيض بعد ثماني سنوات من وجوده على رأس أقوى قوة عالمية. وفي العاشر من هذا الشهر سيلقي الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته آخر خطاب له كرئيس لبلده موجه إلى الشعب الأمريكي وإلى العالم وهو بمثابة خطاب وداع.

وقد استبق أوباما خطابه بنشر تغريدة شكر فيها الشعب الأمريكي معلنا عن امتنانه له لأنه شرفه برئاسته، وفي نفس الوقت قال إنه يتطلع إلى العودة للعيش بين صفوفه كمواطن أمريكي.

ما سيجعل التاريخ يذكر أوباما أكثر هو قراره في آخر أيام ولايته الثانية التخلي عن دعم إسرائيل أمام مجلس الأمن.

ومع خروج أوباما من البيت الأبيض سيترك لنا الكثير من الذكريات التي طبعت ولايتيه الرئاسيتين، منها ما هو جميل ومنها ما هو حزين وسيء سيظل يلاحق صاحبه كظله.

لنبدأ بما هو جميل. فأوباما دخل التاريخ من بابه الواسع لأنه سيظل يعتبر أول رئيس أسود يصل إلى رئاسة أمريكا، حول البيت الأبيض الذي بناه العبيد في زمن العبودية إلى مسكن لأسرة من أحفاد نفس العبيد الذين اضطهدوا في بلادهم لعدة عقود.

ثاني شيء جميل سيفتقده العام بعد ذهاب أوباما، هو قدرته البارعة على الخطابة، فقد حول الرئيس الأمريكي مناسبات إلقائه لخطبه إلى متعة حقيقية لمن يهوى فن الخطابة وقوة الإلقاء. وسيتذكر التاريخ أوباما كرئيس مفوه خطيب، يعرف كيف يستأسد عندما يقف خطيبا في الجماهير أو عندما يتولى ارتجال خطاباته، فهو سيد الارتجال بامتياز حتى وإن كان يستعين أحيانا بالمرايا العاكسة التي تكتب عليها خطبه.

وفي العالمين العربي والإسلامي لن ينسى الناس أنه أول رئيس أمريكي في ولايته الأولى قرر أن يوجه رسالة سلام إلى العرب والمسلمين من العاصمة المصرية القاهرة. وبالرغم من أن تلك الرسالة حملت من الأماني والأحلام أكثر مما ترك أثرها على الواقع إلا أنها تبقى وثيقة اعتراف مهمة من رئيس أول قوة في العالم حاولت بتركيز شديد وقوة في الإقناع بسط وجهة النظر العربية والإسلامية لمن كان يجهلها من الغربيين والأمريكيين. فبالرغم من أنها كانت موجهة إلى العرب والمسلمين عامة، إلا أنها كانت أكثر إفادة في نقل وجهة نظرهم إلى الغربيين عامة بلغتهم ومنطقهم وعلى لسان رئيس أقوى دولة في معسكرهم.

ما هو جميل أيضا في ولايتي أوباما المتتاليتين هو أنه حاول أن يتفادى بكل ما أوتي من قوة صبر وتحمل للضغوط الزج ببلاده في حروب جديدة كلفتها الكثير في الماضي ومازالت. وحتى عندما قرر في السنتين الماضيتين أن تقود بلاده التحالف الدولي ضد "داعش"، لم يرسل جنوده إلى أراضي المعركة وإنما اكتفى بالقصف الجوي لمراكز واحد من أقوى وأخطر التنظيمات الإرهابية التي عرفها العالم المعاصر.

لكن ما سيجعل التاريخ يذكر أوباما أكثر هو قراره في آخر أيام ولايته الثانية التخلي عن دعم إسرائيل أمام مجلس الأمن. فهذا القرار التاريخي يأتي ليتوج فترة من الصراع الصامت بين البيت الأبيض وصقور تل أبيب وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان يشعر بأن أوباما يتقصد دائما اهانته وازدراءه، ومثل هذا الاحتقار الذي كان يواجه به لم يحدث مع أي رئيس وزراء إسرائيلي من قبله كما لم يصدر عن أي رئيس أمريكي قبل أوباما. وما لم يفصح عنه أوباما من خلال إشاراته وقراره الأخير أمام مجلس الأمن عبر عنه صراحة وزير خارجيته كيري الذي حذر من الخطر القادم الذي اسمه إسرائيل.. لكن للأسف مثل هذا التحذير جاء متأخرا ولن يكون له أي أثر على االواقع الذي تحاول إسرائيل أن تفرضه يوميا بقوة السلاح والغطرسة وبدعم من حليفتها أمريكا.

على مستوى السياسة الدولية سيتذكر التاريخ أوباما بأنه كان كثير التردد في اتخاذ قرارات حاسمة في أوقات مناسبة.

وبالمقابل فإن مساوئ وأخطاء أوباما أكثر من أن تعد وتحصى. فسيتذكر التاريخ أنه في عهد أول رئيس أمريكي أسود تعرض الكثير من السود إلى القتل العمد وبدم بارد من طرف شرطة عنصرية في بلاده، وتعرض الآلاف من السود إلى الإهانة والإذلال بسبب لون بشرتهم السوداء ومع ذلك لم يحرك رئيسهم وابن جلدتهم ساكنا لوقف زحف العنصرية العائد من عقود غابرة من تاريخ بلادهم البعيد، وترك شبابا سوادا في مقتبل العمر يسقطون فرائس لحقد عنصري دفين. وقد عبر السود عن خيبة أملهم من أول رئيس أسود يرأس بلادهم عندما قاطعت أغلبيتهم التصويت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عقابا لأوباما الذي دعم مرشحة حزبه الديمقراطية هيلاري كلنتون. ففشل كلينتون راجع في جزء منه إلى هذا "العقاب" الذي واجه به السود سياسة رئيسها أوباما.

وبالرغم من أن أوباما حاصل على جائزة "نوبل للسلام" التي منحت له أول ما دخل إلى البيت الأبيض، إلا أن يداه تلطختا بالكثير من دماء الأبرياء في أفغانستان واليمن ذهبوا ضحايا الطائرات الأمريكية بدون طيار التي كانت تقصف عشوائيا فتقتل العشرات من الضحايا الأبرياء من بينهم أطفال ونساء وشيوخ.

وعلى مستوى السياسة الدولية سيتذكر التاريخ أوباما بأنه كان كثير التردد في اتخاذ قرارات حاسمة في أوقات مناسبة. وقد لوحظ تردده بشكل كبير خلال الأزمة الأوكرانية مما شجع فلادمير بوتين على إشعال حرب أهلية في بلد يوجد في قلب أوروبا، وضم جزيرة "القرم" إلى بلاده بقوة السلاح والنار وأمام مرأى ومسمع العالم. كما بدا تردده واضحا أمام مجرم حرب مثل بشار الأسد وهو ما جعله يتمادى في تقتيل شعبه وتدمير بلاده.

وتكرر تردد أوباما أمام تغول وتوسع تنظيم إرهابي مثل "داعش" حتى تحول إلى أخطبوط بعدة أذرع يصعب وضع حد له. لكن التردد الكبير الذي سيسجل ضد أوباما هو تأخره في دعم ثورات "الربيع العربي" وسكونه وعدم حركته عندما اغتصبت هذه الثورات وقتل أصحابها تحت جنازير الدبابات العسكرية في شوارع القاهرة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.