ما شيء من عالم القراءة ألذّ في اليد ملمسًا، وأقرّ في النّفس وقْعًا، من كتاب في قرطاس يَلمسه القارئ بيديه، مصداقًا لآية سورة الأنعام، في عموم لفظها لا خصوص سببها وسياقها..
اشريف محمد يحيى
محرر إعلامي موريتاني
الجديد من الكاتب
تدفق المحتوى
بدا أن فتاة قرطبة ونظيرتها الشامية قد نصبتا صالونيهما ليكونا -مصادفة أو ترصدا- ميدان تنافس على عرش قلبيهما، لـ”يُلهَبَ” -في معركة الاستئثار- مَن أُلهِبَ عن هوى، و”يُلهَمَ” مَن أُلهِمَ عن جوى.
يُظلم “مخرج المسلسل التاريخي/كاتب السيناريو حين يحاكم محاكمةَ مؤلف الكتاب العلمي/راوي السيرة التاريخية؛ ولو كانا يشتركان في عرض أبطال نفس القصة وشخصياتها وأحداثها “الحقيقية”.
حلّ التلقيب محلّ التكنية عند الموريتانيين فأجروْه مجراها استعمالا وتداولا، وربما غلب اللقب على الاسم الحقيقي، كما في حالة الكنية عند العرب الأولين.
الجليلة وأنّتها الشعرية!
أسبلت عيناي معا وأنا أقرأ قصيدة الجليلة بنت مرة، التي نثرت من خلالها ذات صدرها إثر ذياك الخطب الفاجع الذي أصمى قلبها حزنا على بعلها المقتول، وأدماه أسى على أخيها القاتل!
كانت لها -بالتوازي- دراية واسعة بجديد الأذواق في عالم الموديلات، واطلاع شامل على آخر الصيحات في دنيا الماركات، أما أمور الدين وأحكام الشرع فقد كانت لا تعبأ بالمعلوم منها بالضرورة..
لو فاخرت بقرة مدللة من أبقار سويسرا بقرة رشيقة من أبقار مجتمع الفُلّان ودلت عليها بغزارة لبنها ودرور ضرعها، لرفعت بقرة الفلاني رأسها في الهواء وقالت: هذا قرني، فأين قرنك؟
وتحت هذا “التطهير الإعلامي” خدمة لغوية جليلة، إذ هو -في جانب منه- “تحرير للألفاظ” من أسر الاستعمال وزنزانة التداول.. كما أن ثمة ملمحا آخر من ملامح العناية بدقة التعبير ومراعاة الذوق الاستخدامي.
للعربية ما ليس لغيرها من اللغات؛ فهي معصومة من الانقراض الذي عصف بلغات إنسانية كانت حيّة ذاتَ يوم، وهي محفوظة من الانسلاخ الذي يهدّد لغاتٍ أخرى تعيش على الحضور السياسي وتتغذّى على التأثير الاقتصادي.
متى يحلّق المحتوى الدرامي الموريتاني، حتى يتجاوز نسخة الكوميديا المحلية الحبيسة، ويحقق شرط المنافسة العربية والعالمية مع المحافظة على ثنائية الرسالية الهادفة والإقناع الفني؟