راح ضحيتها المئات.. وثائقي جديد يكشف فاجعة حادثتي بوينغ "737 ماكس"

عائلات ضحايا طائرتي بوينغ من الفيلم الوثائقي الاستقصائي "السقوط المدوّي: قضية ضد بوينغ" (مواقع التواصل)

على مدار عقود من الزمان، اكتسبت شركة "بوينغ" (Boeing) الأميركية العملاقة لصناعة الطائرات، ثقة كبيرة من خطوط الطيران والمسافرين من حول العالم، جعلتها الأولى في مجالها، واستمر نجاحها لسنوات حتى وقوع حادثتين خلال بضعة أشهر، مما أدى إلى توجيه الاتهامات إلى بعض مسؤوليها.

وفي فيلمها الوثائقي الاستقصائي الجديد "السقوط المدوّي: قضية ضد بوينغ" (Downfall: The Case Against Boeing)، تكشف شبكة "نتفليكس" (Netflix) الأسباب الحقيقية وراء سقوط طائرتي "بوينغ" من طراز "737 ماكس" في حادثتين متتاليتين قبل أكثر من 3 أعوام، ما تسبب في إهدار حياة مئات الأشخاص بشكل مأساوي وصادم زلزل العالم.

ويسلط الوثائقي الضوء على ما مر به أهالي الضحايا، والتحقيقات مع مديري "بوينغ"، وكيف قامت الشركة متعمدة بإخفاء معلومات خطرة عن شركات الطيران والطيارين والجهات الحكومية، من أجل توفير التكاليف، وتحقيق مبيعات أكثر، وكسب المزيد من المال.

سقطتا من السماء!

يقول الصحفي آندي باستور، الذي يعمل في صحيفة "وول ستريت جورنال" (Wall Street Journal)، ومختص في كتابة مقالات عن الطيران لأكثر من 20 عاما، إن العالم في بداية عام 2018 شهد حقبة تعد الأكثر أمانا للطيران التجاري في تاريخ الطيران، إذ لم يقع أي تحطم لطائرة ركاب في أي مكان في العالم في العام الذي سبقه، إلى أن سقطت طائرتين "من السماء!".

وتروي زوجة طيار شركة الطيران الإندونيسية "ليون إير" (Lion Air)، كيف راح زوجها ضحية الحادث الأول الذي وقع في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بعد أن سقطت الطائرة التي كان يقودها في بحر جاوا، عقب دقائق من إقلاعها من العاصمة جاكرتا، وتحطمت الطائرة وخلفت وراءها 189 ضحية.

وحاولت الشركة إلقاء اللوم على طاقم الطائرة، ولم تعترف بوجود خلل بطائرتها، لكن خلال التحقيقات لمعرفة السبب الحقيقي، وقعت الحادثة الأخرى في 10 مارس/آذار 2019، بعد 19 أسبوعا من الحادث الأول، عندما لاقت رحلة الخطوط الجوية الإثيوبية مصيرا مشابها للطائرة الإندونيسية، وبطريقة مماثلة، وأودى الحادث بحياة 157 شخصا.

ولم يعد الأمر حينها مجرد حدث عارض، فعندما وقعت حادثتان بعد دقائق من الإقلاع خلال أشهر معدودة، من دون وجود أي عوامل جوية مساعدة على سقوط الطائرتين، لم يعد بإمكان "بوينغ" المراوغة مجددا وإلقاء اللوم على الطيار وتعليمه ومدى كفاءته.

ومع محاولات العائلات لمعرفة سبب موت أحبابهم، تبدأ التحقيقات المكثفة، واستدعاء مديري الشركة والتحقيق معهم، وتطالب لجنة التحقيق بكشف الوثائق اللازمة لمعرفة المسؤول وراء هذه الفاجعة.

أولوية المال على السلامة

هنا يرجع الوثائقي إلى الوراء، ويتعمق في تاريخ الشركة، وكيف تحولت من شركة رائدة كسبت ثقة العامة وجعلت السلامة في مقدمة أولوياتها، إلى شركة حاصدة للأموال، وتنازلت تدريجيا عن جودتها ومعاييرها، وقللت عدد المسؤولين عن الجودة إلى موظف واحد فقط للمبنى برمته في كل مناوبة، بينما قديما كان هناك 15 موظفا.

وخلال البحث عما وراء الحادثتين يظهر الكثير من الاكتشافات المزعجة حول بعض مسؤولي "بوينغ"، فخلال الصراع مع المنافسين ومحاولات تحقيق أكبر مبيعات، قررت الشركة تطوير طائرتها الموجودة بالفعل "بوينغ 737″، وقدمت الشركة للعالم طائرتها المطورة الجديدة باسم "بوينغ ماكس 737".

لكنها تعمدت كتم عيب فادح بها، وأخفت حقيقتها عن شركات الطيران والطيارين، وحتى عن مراقبي إدارة الطيران الفدرالية الأميركية، حسب التحقيقات. وكل هذا من أجل توفير الوقت والتكاليف.

وبعد تحقيق "بوينغ ماكس 737" أعلى مبيعات في تاريخ الشركة، وقعت الحادثتان المروعتان وقُتل المئات، وهو ما كان يمكن تجنبه لو أنفقت الشركة المزيد من الأموال لتدريب الطيارين على استخدام طائرتها الجديدة، وبذل المزيد من الوقت لحل عيوبها التقنية المميتة.

لا يشعرون بالندم

وفي حين أن حوادث تحطم الطائرات تسببت في إيقاف "737 ماكس" عن العمل لبضعة أشهر، أعطت إدارة الطيران الفدرالية في عام 2021 الضوء الأخضر للطائرات للتحليق مرة أخرى.

وخلال سعي "بوينغ" لرفع تهمة جنائية عن نفسها، بأنها خدعت إدارة الطيران الفدرالية، وافقت الشركة على تسوية بقيمة 2.5 مليار دولار قبل أكثر من عام، لكن موقفها تجاه الضحايا لم يتغير، وبحسب ابنة أحد الضحايا، لم تتواصل "بوينغ" مع الضحايا مباشرة "وهو ما يظهر أنهم لا يشعرون بأي ندم أو أي إحساس بالمسؤولية" على حد تعبيرها.

وقالت مخرجة الفيلم روري كينيدي، الفائزة بجائزة إيمي والمرشحة للأوسكار، خلال مقابلة مع موقع "ديدلاين" (Deadline) "أردت حقا معرفة ما حدث، ومن المسؤول، وصنع فيلم يمكننا من خلاله تعلم بعض الدروس من ذلك، لضمان عدم تكرار هذا الحادث المأساوي مرة أخرى".

وهو ما حاولت كينيدي تقديمه في الوثائقي، من خلال عرض مقابلات مع طيارين، وعائلات الضحايا وصحفيين ومحققين ومهندسين سابقين في "بونيغ"، وخبراء طيران، ومسؤولي جودة، ومسؤولين من إدارة الطيران الفدرالية، وأعضاء من الكونغرس الأميركي، بنسج للحقائق والعواطف وسرد للسياق التاريخي في وضوح شديد، وعلى طريقة أفلام الإثارة.

المصدر : مواقع إلكترونية