تفاصيل يوم عاصف بالسودان.. معركة كسر العظم في ذروتها بين القادة المدنيين والعسكر
الخرطوم– بلغت معركة كسر العظم ذروتها بين المكونين المدني والعسكري في السودان مساء الأحد، باستدعاء روح اعتصام الثوار أمام قيادة الجيش في أبريل/نيسان 2019، ولكن هذه المرة بملمح اعتصام داخل مقر لجنة تفكيك النظام السابق القريب جدا من القصر الجمهوري بالخرطوم.
فقد أعلن عضو مجلس السيادة الانتقالي محمد الفكي (من المكون المدني)، تحول مقر اللجنة (مبنى البرلمان العتيق) إلى غرفة عمليات تضم قيادة وفروع لجنة التفكيك ولجان العمل الميداني ولجان المقاومة قائدة الاحتجاجات التي أسقطت الرئيس المعزول عمر البشير.
وعقب حشد تعبوي داخل قاعة البرلمان الذي أعلن من داخله استقلال السودان، تشكلت فرق حماية لمقر لجنة التفكيك، بعد أن سحب الجيش قواته بأوامر من رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsألغام الخلافات تحت رماد الانقلاب.. توتر واتهامات بين المكونين المدني والعسكري بالسودان
تحذير أميركي من الانقلاب على الديمقراطية.. عضو بمجلس السيادة السوداني: البرهان ليس وصيا على البلاد
السودان.. مستشار البرهان يؤكد أنه حامي الديمقراطية وحميدتي يتهم المكون المدني في مجلس السيادة بالنفاق
وتتبع أطراف التصعيد -بين المدنيين والعسكريين- خطوات تنتهج سياسة حافة الهاوية، يرمي من ورائها العسكريون لفتح تفاوض جديد مع ائتلاف قوى الحرية والتغيير، ربما يعود لنقطة الصفر بعد فضّ الاعتصام، مما يتطلب تدخل وساطات إقليمية مجددا.
مَن بدأ التصعيد؟
بدأ التصعيد بما بات يعرف اصطلاحا بـ"خطاب المرخيات" الذي ألقاه البرهان أمام قواته في منطقة المرخيات شمالي الخرطوم، غداة إعلان الجيش إحباط محاولة انقلابية.
وكان لافتا تزامن هذا الخطاب الثلاثاء الفائت مع آخر لنائبه في مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي.
واتفق قائدا الجيش و"الدعم السريع" في الهجوم على شركائهم المدنيين في قوى الحرية والتغيير، من باب انقساماتهم التي تغري الانقلابيين.
وفي أعقاب رد فعل غاضب من عضو مجلس السيادة محمد الفكي -يوم الجمعة- على الخطابين، ظهر البرهان الأحد وقبله حميدتي السبت، مجددا في خطابات مرتجلة كانت أكثر وضوحا هذه المرة.
وطالب البرهان بتوحد قوى الثورة، قائلا إن "خطنا لن يمضي مع مجموعة صغيرة اختطفت التغيير، نريد من الذين خرجوا من المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير والآخرين التوحد".
الحرية والتغيير جاءت بعد تعثر وفاق القوى السياسية بسبب احتكار القرار بيد منظومة سياسية، وهي بالتأكيد لاتمثل كل الشعب حتى وهو في قمة تماسكه، أما وقد تشظى،فالذين يرتدون عباءة الحرية والتغيير الآن، لا يمثلون كل التحالف.الانفتاح بين مكونات التحالف لتحصين الفترة الانتقالية هو العلاج
— Mini Arko Minawi. | مني اركو مناوي (@ArkoMinawi) September 23, 2021
تفاصيل يوم عاصف
وفي تصعيد مخيف، أتبع البرهان حربه الكلامية بخطوات عملية، بإصداره أوامر لعناصر الجيش التي تؤمن مقر لجنة التفكيك والأصول المستردة، بالانسحاب صباح الأحد، وهو ما حدث بحلول الظهر.
وطبقا لمعلومات الجزيرة نت، فإن الجيش سحب هذه القوات عبر إشارة الساعة التاسعة صباحا، ولاحقا عند الساعة الرابعة عصرا انسحبت قوات الشرطة أيضا، لكنها عادت بعد اتصالات بين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ووزير الداخلية عز الدين الشيخ.
وعلى الفور، دعت لجنة التفكيك "الثوار" للاحتشاد في مقر اللجنة، وهو ما كان بحلول مساء الأحد، في أول تحرك للشارع الذي تسعى قوى الحرية والتغيير لمصالحته وتفعيل لجان المقاومة بالأحياء.
وما أن اكتمل الحشد حتى وصلت قيادات قوى الحرية والتغيير ووزراؤها إلى المقر الذي علت داخله الهتافات المنددة بالعسكريين في السلطة.
ومن المكون المدني في مجلس السيادة حضر محمد الفكي سليمان الذي يبدو أنه يتصدى لوحده داخل هذا المكون، للبرهان وحميدتي.
تصعيد في الشارع
ونقلت قرارات قيادة الجيش الخاصة بسحب قواته المخصصة للجنة التفكيك، تصعيد الشارع إلى نقطة قريبة من القصر الرئاسي، إذ إن مقر اللجنة يقع على بعد شارع واحد من القصر حيث يوجد مكتبا البرهان وحميدتي.
وبدأت قوى الحرية والتغيير والمكون المدني في السلطة تلمس سلاحهم الوحيد صبيحة اكتشاف المحاولة الانقلابية الثلاثاء الماضي، عندما طالب محمد الفكي السودانيين بأن يهبوا للدفاع عن الانتقال.
وبعد خطاب المرخيات، بدأت لجان المقاومة في الأحياء الاستعداد فيما يبدو لموجة احتجاجات جديدة، وهو ما ظهر في تحركات احتجاجية لتسخين المشهد وصولا إلى "مليونية" ترتب لها لجان المقاومة يوم 30 سبتمبر/أيلول الحالي (الخميس القادم).
ومنحت قرارات البرهان سحب قوات الجيش من مقرّ لجنة التمكين ومواقع الأصول التي استردتها قبلة حياة لقوى الحرية والتغيير، إذ إن اللجنة تتمتع بقبول لافت وسط القوى الثورية، وهو ما يعني عمليا ورقة اعتصام في يد المدنيين قرب القصر الرئاسي.
حماية الانتقال للديموقراطية تستلزم عدم العودة للشراكة مع المجلس العسكري.
إعلانالدولة المدنية لا تعادي قوات الشعب المسلحة بل تعلي شأنها كحامية للوطن ودستوره، وتبني جيشًا وطنيًا موحدًا ذا شأن.#شوارعنا_ومواكبنا
— تجمع المهنيين السودانيين (@AssociationSd) September 26, 2021
انقلاب أم أوراق ضغط؟
ومع ملاحظة أن الحرب الكلامية بدأها البرهان وحميدتي بالتزامن، فإن مراقبين رجحوا أن العسكريين في مجلس السيادة ينفذون خطة تصعيدية تتبع سياسة حافة الهاوية.
وينتظر أن ينتهي التصعيد الذي تبدى أمس الأحد بأفعال تتجاوز حالة التهديد، بتفاوض جديد بين الطرفين لفتح ملفات تشكل مخاوف للعسكريين.
ويتوقع البعض أن يكون ائتلاف الحرية والتغيير (المشارك في الحكم) أول أجندة هذا التفاوض، إذ إن البرهان وحميدتي ركزا في خطابيهما على ضرورة إدخال أحزاب -ربما تكون موالية لهما- في الائتلاف الحاكم.
كما يريد العسكر مواصلة تولي البرهان رئاسة المجلس السيادي، مع اقتراب موعد انتقال الرئاسة للمدنيين في نوفمبر/تشرين الثاني القادم، وهو أمر لا يخلو من الجدل، فتعديلات الوثيقة الدستورية بعد اتفاق السلام مع الحركات المسلحة في جوبا لم تحسم مواقيته بشكل قاطع.
مصير شركات الجيش
ومن النقاط التي تشكل هاجسا للقوات النظامية: ملف العدالة، خاصة ما يتعلق بالتحقيق في فض الاعتصام أمام قيادة الجيش في 3 يونيو/حزيران 2019، والذي خلف مئات القتلى والمصابين والمفقودين.
ويريد العسكر التوصل إلى تسوية واضحة في ملف فضّ الاعتصام، لأن الملف يشكل هاجسا كبيرا لدى المكون العسكري في المجلس السيادي، خاصة حال تنازلهم عن رئاسة المجلس، باعتبار أن هذا المكون كان وقتها مجلسا عسكريا يدير البلاد.
ولا يستبعد البعض أن تشمل المقايضة -إن تمت- الشركات والاستثمارات التابعة للجيش وقوات الدعم السريع وجهاز المخابرات العامة، في ظل مطالبات غربية بولاية وزارة المالية عليها.
كما ستشمل -وفقا لهذا التوقع- تحجيم لجنة التفكيك وإصلاح وهيكلة الجيش، إذ إن حميدتي -الذي بدا حليفا للبرهان في معركته ضد المدنيين- يقاوم دمج قواته في الجيش، كما نصت على ذلك الوثيقة الدستورية.
وقدم رئيس لجنة التفكيك الفريق أول ياسر العطا استقالته من اللجنة في فبراير/شباط الماضي، لكن عمل اللجنة لم يتوقف.
هل من أفق للحل؟
لا تستبعد أطراف في قوى الحرية والتغيير تدخل وساطات إقليمية كما حدث عقب فض الاعتصام، حال استمرار انسداد أفق الحل.
وكورقة أخيرة، يتبدى رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وسيطا بين المدنيين والعسكريين، لأنه لم يدخل في حالة التصعيد والحرب الكلامية المستعرة بين الطرفين.
إن الصراع الدائر حالياً هو ليس صراعاً بين عسكريين ومدنيين، بل هو صراع بين المؤمنين بالتحول المدني الديموقراطي من المدنيين والعسكريين، والساعين إلى قطع الطريق أمامه من الطرفين، لذا فإن وحدة قوى الثورة هي الضمان لتحصين الانتقال من كل المهددات التي تعترض طريقه.#إرادة_الشعب pic.twitter.com/QehFFPz7Tu
— Abdalla Hamdok (@SudanPMHamdok) September 26, 2021
وقال حمدوك مساء الأحد إن الصراع الذي يدور حاليا ليس صراعا بين عسكريين ومدنيين، بل هو صراع بين المؤمنين بالتحول المدني الديمقراطي من المدنيين والعسكريين، والساعين إلى قطع الطريق أمامه من الطرفين، لذا فإن وحدة قوى الثورة هي الضمان لتحصين الانتقال من كل المهددات التي تعترض طريقه.
ودعا حمدوك كل الأطراف للالتزام بالوثيقة الدستورية التزاما صارما، والابتعاد عن المواقف الأحادية، وأبدى تعويلا على مبادرته "الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال- الطريق إلى الأمام" في حل الأزمة، بعد الاستماع لكل الآراء حولها.