مدفن الزعماء والعامة.. قصة مقبرة العالية التي رقد فيها جثمان بوتفليقة

قوات من الشرطة خارج مقبرة العالية بالضاحية الشرقية للعاصمة الجزائر في أثناء تشييع بوتفليقة (رويترز)

ترقد في مربع الشهداء بمقبرة العالية -حيث ووري جثمان الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة الثرى- جثامين أسماء تاريخية وازنة بالجزائر، على غرار مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر، والشهيد العربي بن مهيدي، ومن الرؤساء أحمد بن بلة وهواري بومدين ومحمد بوضياف، وأسماء فنية مثل وردة الجزائرية وغيرهم كثر.

ويعتبر مربع الشهداء الذي ضم جثمان بوتفليقة وأسلافه وغيرهم من مقاتلي الاستقلال أحد المزارات المهمة للقادة الأجانب الذين يزورون الجزائر، ليضعوا باقات من الورود على أرواح الشخصيات الهامة في تاريخ البلاد، سياسية كانت أو ثورية أو تاريخية وحتى ثقافية وفنية.

مقبرة "الرؤساء والبؤساء" -هكذا يصفها البعض- حيث يجمع هذا المدفن مئات الآلاف من المقابر لشخصيات بارزة ومعروفة مثل مربع الشهداء، إضافة إلى عامة الشعب والمواطنين في المربعات المجاورة التي تبعد أمتارا قليلة عن هذا المربع داخل المدفن ذاته.

إعلان
موكب رسمي شيع جنازة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة (رويترز)

اليوم الأحد 19 سبتمبر/أيلول، كل الطرق تؤدي إلى مقبرة "العالية" في الجزائر العاصمة، وكل الأنظار مشدودة نحو المكان الذي سيرقد فيه جثمان الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة الذي أعلنت رئاسة الجمهورية الجزائرية وفاته مساء أول أمس الجمعة عن عمر ناهز الـ84 عاما.

وتم تشييع جنازة بوتفليقة في موكب رسمي يحيطه أفراد من الحرس الجمهوري، وحملت عربة عسكرية جثمان بوتفليقة من محل إقامته في زرالدة إلى غاية مقبرة العالية.

وشارك في مراسم الجنازة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، وعدد من كبار المسؤولين، وممثلون عن السلك الدبلوماسي، في حين كان الحضور الشعبي متواضعا في محيط المقبرة.

إعلان

وكانت السلطات الجزائرية قد أعلنت تنكيس العلم الوطني لمدة 3 أيام إثر "وفاة الرئيس السابق المجاهد عبد العزيز بوتفليقة"، كما ورد في بيان لرئاسة الجمهورية.

مواطنون جزائريون قرب مقبرة العالية للمشاركة في تشييع بوتفليقة (رويترز)

تخمينات وتوقعات

ولم تتوقف التساؤلات -منذ ليلة أمس السّبت إلى اليوم الأحد- حول المكان الذي سيتم فيه دفن الراحل، إذ تباينت التوقعات بين مقبرة بن عكنون (في الضاحية الغربية للعاصمة) حيث دفن أفراد من عائلة بوتفليقة وبين مقبرة العالية (في الضاحية الشرقية للعاصمة) حيث مربع الشهداء.

ثم تأكد من الوضع العام ومن الإجراءات في محيط مقبرة العالية الشهيرة أن المراسم الرسمية ستكون فيها، وأن جثمان بوتفليقة سيواريه ثرى هذا المدفن العريق الذي يحمل كثيرا من الدلالات.

ولقد سبقت شائعات وفاة بوتفليقة الحقيقة اليوم؛ فقبل أن يصبح موته واقعا، كان يرتبط تزيين أو طلي أرصفة مقبرة العالية في كل مرة بخبر وفاته، فكلما رأى المواطنون التجهيزات في العالية، أذيعت شائعة التحضير لمراسم دفنه باعتبارها "المقبرة الرسمية للدولة الجزائرية".

مقبرة العالية تبلغ مساحتها 800 ألف متر مربع وتضم الشخصيات التاريخية والسياسية وعامة المواطنين (الجزيرة)

أشهر المقابر

تواصلنا مع العم مراد وهو متعهد دفن الموتى في مقبرة العالية منذ ما يزيد على ربع قرن من الزمان، ولقد جهز قبور عدد لا بأس به من الموجودين بمربع الشهداء، مثل الرئيس الراحل علي كافي، ووردة الجزائرية، والقايد صالح، وغيرهم.

ويحكي عن هذا المكان -في حديثه للجزيرة نت- قائلا إنه "يعتبر متحفا أثريا يستحق توفير الحماية له؛ يرقد هنا شخصيات ماتت ولكن أسماءها لا تزال حية بيننا، والتاريخ يرغمنا على الحرص".

إعلان

تمتد مقبرة العالية على مساحة 800 ألف متر مربع، أي حوالي 78 هكتارا، وتحوي ما يزيد على ربع مليون قبر. وتتميز بتنظيمها المحكم والاخضرار الذي يحيط بالقبور فيها، حيث غرست أنواع عديدة من الأشجار والزهور لتكون مكانا يليق بحرمة المنزل الأخير للإنسان في الدنيا.

تحوي العالية -إلى جانب مربع الشهداء- مربعا آخر خاصًا بالموتى المسيحيين بصفة عامة، ومربعا للأميركيين والبريطانيين الذين قضوا في الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى مربع للصينيين الذين يعملون في الجزائر.

قوات أمنية ومواطنون خارج مقبرة العالية اليوم الأحد قبل بدء تشييع جثمان بوتفليقة (رويترز)

مقبرة أولاد نايل

سميت مقبرة العالية على اسم سيّدة يصفها الجزائريون بالسيدة الصّالحة، وتعود القصة لسنة 1928 حيث قدّمت سيدة ثرية من "عرش أولاد نايل" -وهو أعرق العروش وأكبرها في الجزائر- قطعة أرض بمساحة 78 هكتارا وقفًا -لله تعالى- من أجل دفن موتى المسلمين.

ويروي القصة قويدر حمزة ابن أخو السّيدة عالية حمزة -التي سُميت على اسمها المقبرةـ قائلا: "كانت فاحشة الثراء؛ إذ فاقت ثروتها المليارات، وقبل أن تتنقل لأداء مناسك الحج هي ووالدتها سنة 1928، زارت إماما تسأله عن التجارة مع اللّه فدلها على صدقة جارية، مقبرة".

عرفت السّيدة عالية بكرمها وجودها وكفالتها للأيتام، خاصة أنها كانت عاقرًا لا تنجب الأولاد، ودفنت في مسقط رأسها بمدينة سور الغزلان (120 كلم جنوب العاصمة)، في حين تركت مقبرة للعامة والمشاهير من أبناء بلدها، ليدفن فيها اليوم بوتفليقة بجوار من خالفه ومن ناصره.

المصدر : الجزيرة

إعلان