الدولة الكردية.. هل يتحول الحلم إلى حقيقة؟

غيتي إيميجز

مقدمات إعلان الدولة
المفتاح في واشنطن
حسابات داخلية وإقليمية

خلافا للزيارات السابقة التي قام بها رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني إلى الولايات المتحدة، حرص المقربون منه على الترويج بأنه سيبحث مع الرئيس الأميركي باراك أوباما مسألة إقامة الدولة الكردية.

وقد أثار هذا الحديث جملة من التساؤلات عن توقيت طرح إقامة الدولة الكردية مع الإدارة الأميركية، وهل باتت الظروف مهيأة فعلا لإعلان مثل هذه الدولة أم إن ثمة استحقاقات كردية داخلية تقف وراء هذه الدعوة؟ والأهم هل ثمة تغير في الموقف الأميركي من مسألة إقامة الدولة الكردية؟

إعلان

مقدمات إعلان الدولة
بداية، لا بد من القول إن حلم إقامة دولة كردية قومية تجمع الكرد المتوزعين بين العراق وإيران وتركيا وسوريا، حلم قديم رافق الأكراد منذ رسم الخرائط السياسية في المنطقة بعد الحرب العالمية الأولى، وظل هذا الحلم يدغدغ الوجدان الكردي كلما رأى الكرد أن الظروف والمتغيرات الإقليمية مناسبة مع قناعة بأن هذا الحلم يصطدم بجدار الدول المذكورة نظرا لأنها تمس حدودها وجغرافيتها وسيادتها.

اليوم ومع تداعيات "ثورات الربيع العربي" والحروب والتطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة، ثمة قناعة كردية باتت تترسخ يوما بعد آخر بأنهم باتوا أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر لتحقيق حلمهم القديم الجديد

وعليه حرص الكرد طوال العقود الماضية على أن تكون شعاراتهم القومية مقبولة، تحاشيا للصدام مع أنظمة هذه الدول خاصة وأن المصالح الدولية كانت تصب غالبا لصالح العلاقة مع هذه الدول، وليس مع الطموحات الكردية القومية.

اليوم ومع تداعيات "ثورات الربيع العربي" والحروب والتطورات الدراماتيكية التي تشهدها المنطقة، ثمة قناعة كردية باتت تترسخ يوما بعد آخر بأنهم باتوا أمام فرصة تاريخية قد لا تتكرر لتحقيق حلمهم القديم الجديد. وعليه يمكن القول إن طرح البارزاني إقامة الدولة الكردية في واشنطن في هذا التوقيت يستند إلى جملة من العوامل والأسباب، لعل أهمها:

إعلان

1- أن الكرد في العراق وسوريا وحتى في تركيا (حزب العمال الكردستاني) باتوا يشكلون قوة حليفة للولايات المتحدة والغرب عموما في الحرب الجارية ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وأن بإمكان الولايات المتحدة الاعتماد عليهم في هذه الحرب لتحقيق أهدافها، فعلى الأقل لا يمكن خوض معركة استعادة الموصل من سيطرة داعش دون البشمركة الذين أثبتوا جدارتهم في القتال، وهم (الكرد) هنا يربطون بين الحاجة الأمنية الغربية لهم والتطلع إلى جلب اعتراف دولي بحقوقهم، مع أن هذا الأمر يثير استفهامات كثيرة في العلاقة التاريخية بين كرد العراق وواشنطن وتحديدا تجربة البارزاني الأب.

2- أن إقليم كردستان العراق نجح عمليا في بسط سيطرته على ما كان يعده مناطق متنازع عليها مع بغداد ولا سيما كركوك الغنية بالنفط والغاز، وأن مثل هذه السيطرة رسمت الحدود الجغرافية للإقليم وأمنت له موردا ماليا يمكنه من الاستغناء عن بغداد التي قطعت في عهد نوري المالكي حصة الإقليم من الموازنة وأوقفت رواتب موظفي الإقليم.

أما في سوريا فثمة إدارة ذاتية كردية بدأت تشق طريقها بصعوبة على غرار ما جرى لإقليم كردستان العراق، والخلاصة هنا، هو أن مسار الأحداث الميدانية على الأرض بدأ يرسم خريطة جغرافية جديدة هي في صالح الهوية الكردية.

3- الانفتاح الغربي والإقليمي على إقليم كردستان العراق، فالإقليم ومن خلال مؤسساته (البرلمان والحكومة والجيش..) يتبع سياسة براغماتية نجحت في نسج علاقات مع أميركا وأوروبا، وعلى المستوى الإقليمي مع تركيا والأردن ودول الخليج العربي وإلى حد ما مع إيران.

وبفضل هذه السياسة بات الإقليم لاعبا مهما في المعادلة العراقية والإقليمية خاصة وأن علاقاته القوية مع باقي القوى في الأجزاء الكردية الأخرى تجعل منه عاملا مهما في الأحداث الإقليمية الجارية. وتأسيسا على ما سبق تتحدث مصادر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البارازني عن موافقة عشرين دولة حتى الآن على الاعتراف بالدولة الكردية حال إعلانها، وأن ثمة جهودا تجري في لندن وواشنطن وباريس لإخراج مسعى إعلان الدولة إلى النور.

4 – على مستوى مشروعية المطالبة بدولة قومية، فان الكرد يستندون في مطلبهم هذا إلى جملة من المبادئ الأخلاقية والقانونية والسياسية التي تنص على حق الشعوب في تقرير مصيرها وتحديد خياراتها السياسية، فالكرد الذين يقارب عددهم أربعين مليونا يعيشون وسط ثلاث قوميات كبرى (العرب والأتراك والفرس) ويتساءلون بقوة إلى متى سيبقون من دون كيان قومي يجمعهم أسوة بجيرانهم؟ ولسان حال البارزاني يقول اليوم إن الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو انتهت، وإن الحدود الجديدة ترسم بالدم.

إعلان

المفتاح في واشنطن

إن مشروع القرار الأخير المعروض على الكونغرس والذي ينص على دعم البشمركة والعشائر السنية بمعزل عن موافقة الحكومة العراقية يشكل نقطة مهمة في مسيرة الاعتراف الأميركي باستقلال إقليم كردستان

لمح البارزاني مرارا إلى احتمال إعلان استقلال كردستان، تارة باسم حق تقرير المصير، وأخرى لاستحالة التعايش مع بغداد بسبب تراكم الخلافات المزمنة معها، والتي انتقلت من عهد المالكي إلى عهد حيدر العبادي.

إعلان

وعليه يمكن القول إن الهاجس الأساسي الذي يشغل بال البارزاني في هذه المرحلة، هو توقيت إعلان الدولة الكردية، فالرجل الذي ينتمي إلى عائلة حملت راية النضال القومي الكردي خلال القرن الماضي يطمح إلى أن يدخل التاريخ كأول زعيم كردي ينجح في تحقيق حلم إقامة دولة كردية مستقلة في العصر الحديث، وهو يفكر بالاستقلال يجد نفسه أمام عدة خيارات، تتراوح بين تجربة جنوب السودان التي تحققت دون إراقة دماء، وتجربة فلسطين في الذهاب إلى الأمم المتحدة، وغيرها من الخيارات.

الوقائع تشير إلى أنه يفكر جديا بالخيار الأول ولا سيما أنه شكل لجنة خاصة مهمتها إجراء استفتاء على مصير الإقليم على غرار ما جرى في جنوب السودان، لكن بغض النظر عن هذه الخيارات، فإنه يعتقد أن مفتاح الدولة الكردية هو في واشنطن، نظرا لنفوذها الكبير في المنطقة، ولدورها على الساحة العالمية وتأثيرها على قرارات الدول، ونفوذها في المنظمات الدولية، وبالتالي قدرتها على إنجاح أي قرار أو إفشاله.

في إطار تطلع البارزاني إلى موافقة أميركية لإعلان الدولة الكردية نجح البارزاني في إقامة علاقات جيدة مع الإدارة الأميركية، فقد استقبل للمرة الثالثة في البيت الأبيض خلال السنوات القليلة الماضية وتحت العلم الكردي، وتم تشكيل لجنة مشتركة للتعاون بين الجانبين مهمتها دراسة الأوضاع الجارية في المنطقة وصياغة سياسات مشتركة، لكن البارزاني يدرك أن هذا الانفتاح الأميركي لم يصل حد التعامل مع الشأن الكردي كقضية شعب يطالب بالاستقلال بقدر ما يندرج في إطار الإستراتيجية الأميركية تجاه المنطقة وموقع الكرد في هذه الإستراتيجية.

إعلان

والواقع أن حسابات الجانبين تختلف في الإستراتيجية الأميركية، فالإدارة الأميركية لديها مصالح قوية مع الدول التي يتواجد على أراضيها الكرد، ولا سيما تركيا التي تشكل حليفا تاريخيا لأميركا، ومصالحها معها تتجاوز فوائد العلاقة مع الكرد. لكن البارزاني يدرك أيضا أن الإستراتيجية الأميركية تقوم على رؤية جديدة لشكل الدولة في العراق، وهي رؤية دشنها عمليا نائب الرئيس الأميركي جو بايدن وتقوم على تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم هي عبارة عن ثلاث دول أقرب إلى النظام الكونفدرالي من الفدرالي المعمول به حاليا.

وفي هذا السياق، فإن مشروع القرار الأخير المعروض على الكونغرس والذي ينص على دعم البشمركة والعشائر السنية بمعزل عن موافقة الحكومة العراقية يشكل نقطة مهمة في مسيرة الاعتراف الأميركي باستقلال إقليم كردستان، ولعل رفض موافقة النواب الكرد في البرلمان العراقي على رفض مشروع الكونغرس الأميركي يأتي تعبيرا عن طموح الاستقلال.

كما أن زيارة البارزاني في هذا التوقيت تنبع من قناعته بأن الإدارة الأميركية باتت مهيأة أكثر من أي وقت مضى للاعتراف بالدولة الكردية حال إعلانها، وعلى أقل تقدير، وضع بحث مصير كردستان على طاولة البيت الأبيض، ليبقى السؤال هل سينال البارزاني موافقة أوباما على الدولة الكردية قبل الإعلان عنها؟

إعلان

حسابات داخلية وإقليمية
بداية، ثمة معادلة تاريخية تتلخص باتفاق الدول التي يتواجد فيها الكرد على منع إقامة دولة كردية في المنطقة، لقناعة هذه الدول بأن إقامة دولة كردية في أي جزء سيؤثر على القضية الكردية في الأجزاء الأخرى على شكل مطالبات بالمزيد من الحقوق وصولا إلى مطلب إقامة دولة قومية موحدة.

إن توقيت طرح البارزاني على البيت الأبيض بحث مصير كردستان يمثل استحقاقا داخليا كرديا يتعلق بمستقبل البارزاني نفسه المنتهية ولايته بعد أشهر، فالحصول على موافقة أميركية على إقامة الدولة يعني جواز سفر للمرور نحو ولاية جديدة للبارزاني

وعليه كثيرا ما اتفقت وتعاونت هذه الدول على محاربة الحركات الكردية التي رفعت هذه المطالب، لكن مع تحول الكرد خلال العقدين الماضيين من ورقة إقليمية في يد هذا الطرف أو ذاك إلى لاعب إقليمي، وتفجر عامل الجغرافيا وسقوط حدود سايكس بيكو، وامتلاكهم المزيد من عناصر القوة، باتت ثمة قناعة بأن مسألة إقامة دولة كردية انتقلت من الأحلام والمستحيلات إلى تلمس طريق الواقع، بحكم الظروف والمتغيرات.

إعلان

فتركيا في عهد رجب طيب أردوغان تشهد المزيد من الانفتاح على الكرد، بل إن علاقاتها مع إقليم كردستان العراق وصلت إلى مستوى الشراكة والإستراتيجية، وخلال الفترة الماضية تبدي المزيد من الاعتراف بالواقع الكردي بعد عقود من سياسة الإنكار والعداء، إلى درجة أن ثمة من يرى أن تركيا قد تكون من الدول الأولى التي قد تعترف بالدولة الكردية حال إعلانها، خاصة إذا كانت هذه الدولة ستساهم في إيجاد حل لمشكلتها الكردية في الداخل.

وإذا كانت إيران تعلن رفضها إقامة دولة كردية بحجة الحفاظ على وحدة العراق، فإن العديد من الدول العربية ولا سيما الأردن ودول الخليج وخاصة الكويت والإمارات تبدي المزيد من الانفتاح على إقليم كردستان العراق، ولعل هذا ما يمكن ملاحظته من خلال الزيارات المتبادلة والتصريحات الإيجابية ولا سيما تصريحات الملك الأردني عبد الله الثاني بشأن حقوق الكرد.

إلى جانب هذه المواقف الإقليمية فإن إسرائيل تبدو الدولة الأكثر حماسا لقيام دولة كردية في المنطقة، إذ سبق وأن أعلن قادتها دعمهم لإقامة هذه الدولة، بل هناك حديث عن ضغط إسرائيلي وجهد من لوبيها في الولايات المتحدة للدفع بالأمور نحو هذا الاتجاه.

في الواقع، قد يرى البعض أن التحول الإيجابي الحاصل في المواقف الإقليمية من مسألة الاعتراف بالكيان الكردي هو تحول لا يمكن التعويل عليه نظرا لأن قضية إقامة دولة كردية ستغير من جغرافية المنطقة وقد تفتح الباب أمام حروب جديدة في المنطقة، إلا أنه من الواضح أن كل ذلك لا يقلل من نظرة الكرد بأن مسألة إقامة دولة كردية باتت قضية وقت لا أكثر.

وأخيرا، يبقى القول إن توقيت طرح البارزاني على البيت الأبيض بحث مصير كردستان يحمل استحقاقا داخليا كرديا يتعلق بمستقبل البارزاني نفسه المنتهية ولايته بعد أشهر قليلة، فهو يعتقد أن الحصول على ضوء أخضر أميركي للإعلان عن الدولة الكردية ولو بعد فترة سيكون بمثابة جواز سفر للحصول على ولاية جديدة ولو من خلال دستور جديد لإقليم كردستان.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان