رغم تعيينات بايدن.. هل نجحت أميركا في القضاء على العنصرية؟

متظاهرون يلوحون بلافتات مناهضة للعنصرية خلال احتجاجات أمام برج ترامب في مدينة نيويورك (رويترز)

تعهد الرئيس الأميركي جو بايدن بتشكيل وزاري لإدارته يشبه أميركا في تنوعها العرقي والإثني، وبالفعل عين بايدن الجنرال لويد أوستن ليكون أول وزير دفاع من الأميركيين الأفارقة السود، وعين كاترينا تاي لتكون أول وزيرة من أصول آسيوية في منصب الممثل التجاري للولايات المتحدة.

واختار بايدن كذلك عدة وزراء من أصحاب الخلفيات اللاتينية من أبناء مهاجري دول أميركا الوسطى والجنوبية، مثل أليخاندرو مايروكس وزير الأمن الداخلي، إضافة لوزيري التعليم والإسكان، كما تم تعيين ديب هالاند وزيرة للداخلية لتصبح أول من يصل إلى هذا المنصب من أبناء سكان البلاد الأصليين.

وقبل ذلك اختار بايدن كامالا هاريس لتكون أول سيدة تصل لمنصب نائب الرئيس في التاريخ الأميركي، وهي سوداء وابنة مهاجرين من الهند وجامايكا.

إعلان

ورغم جهد بايدن، لا يشعر الأميركيون أن بلادهم تخطت حواجز العنصرية أو تغلبت على إرث مرحلة العبودية، وخاصة بعدما شهد الصيف الماضي توترات وأعمال عنف على خلفية مقتل الرجل الأسود جورج فلويد على يد رجال شرطة بيض، وما تشهده الولايات المتحدة حاليا من ارتفاع نسب الهجمات العنصرية على الأميركيين من الأصول الآسيوية على خلفية تداعيات تفشي فيروس كورونا.

نجاحات.. ولكن

رغم نجاح الأميركيين السود في القضاء على العبودية والفصل العنصري فإن مجتمعهم مازال يعاني حتى اليوم من مظاهر متخلفة ومشاكل عديدة بالمعايير الأميركية. وبعد أكثر من نصف قرن على الخطاب التاريخي "عندي حلم" لزعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينغ ما زالت الظروف المعيشية الصعبة للسود في أميركا قائمة.

لم يعد يُحرم السود من دخول المطاعم ودور السينما المخصصة للبيض، وبرز منهم رؤساء مجلس إدارة شركات كبرى وأساتذة جامعيون، وصحفيون لامعون، ووزيران للخارجية ومستشارة للأمن القومي ورئيس للجمهورية.

إعلان

من هنا اعتقد بعض المهتمين بالشأن الأميركي -خطأ- أن وصول أوباما لعرش البيت الأبيض -قبل 12 عاما عن طريق انتخابات حرة صوّت فيها لصالحه ما يقرب من 42 مليون أميركي أبيض أو ما يعادل 72% من إجمالي الأصوات التي حصل عليها- يُعدّ دليلا كافيا لما وصل إليه المجتمع الأميركي من نضج يتجاهل معه لون البشرة وخلفية الشخص، واعتبر البعض أن أميركا تشهد مرحلة ما بعد العنصرية.

إلا أن تكرار حوادث المواجهات بين رجال شرطة بيض -في الأغلب الأعم- وبين شباب أسود، وما ينتج عنها من أعمال عنف ومواجهات مختلفة، تذكرنا بأن الطريق ما زال طويلا، بسبب غياب أبسط قواعد "العدالة الاجتماعية" المتمثلة في كيفية توزيع الدخل وتخصيص الموارد وإتاحة الفرص وسياسة منصفة للعقاب والثواب، وقد عكس تفشي فيروس كورونا -وما تبعه من تداعيات اقتصادية واجتماعية- حقيقية هذه الأوضاع.

نتائج صادمة من جامعة هارفارد

وأجرت جامعة "هارفارد" (Harvard) دراسة على 3453 شخصًا، بمن فيهم أميركيون أفارقة ولاتينيون وأميركيون آسيويون وأميركيون أصليون وأميركيون بيض، وسُئل المستطلَعون هل عرفوا شخصيا أشكالا مختلفة من التمييز والعنصرية المؤسسية أو الفردية على حد سواء؟

وأشار ما يقرب من 45% من الأميركيين الأفارقة إلى تعرضهم لسلوك عنصري عند محاولة استئجار شقة أو شراء منزل، وذكر 18% من الأميركيين الآسيويين تعرضهم للتمييز عند التفاعل مع الشرطة، وبلغت النسبة ما يقرب من 20% بين الأميركيين اللاتينيين ممن أشاروا إلى تعرضهم لعنصرية ومعاملة سيئة في أماكن العمل، في حين عبّر 41% من النساء عن تعرضهن للتمييز في مجال المساواة في الأجور وفرص الترقية.

وفي إشارة واضحة إلى الخلل في تطبيق القانون، تبلغ نسبة السكان السود 13% من إجمالي عدد السكان الأميركيين، في حين يمثلون ما يقرب من 40% من إجمالي السجناء في البلاد.

مكانة أميركا

وخلال اجتماع أممي -شهدته لجنة "الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية" بالأمم المتحدة الأسبوع الماضي- اتهمت السفيرة الأميركية بالأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد الصين بارتكاب جرائم ضد مسلمي الإيغور والأقليات الأخرى، فما كان من الصين إلا الرد باتهام الولايات المتحدة بالتمييز والكراهية، وأشار سفيرها بالمنظمة إلى "القتل الوحشي ضد الأميركيين من أصول سوداء أو أصول آسيوية".

إعلان

ومنذ إطلاق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عبارة "الفيروس الصيني" على فيروس كوفيد-19، زادت جرائم الكراهية وانتشرت العنصرية ضد الأميركيين من أصول آسيوية. وأشارت بيانات حكومية إلى تزايد جرائم الكراهية تجاه أصول آسيوية خلال عام 2020، ووصلت إلى أكثر من 3800 حادث ضدهم، وهو ما يمثل 3 أضعاف العدد في عام 2019.

وقال بايدن -في كلمة ألقاها في جامعة "إيموري" (Emory) بولاية جورجيا- إن "الصمت تواطؤ، لا يمكننا أن نكون متواطئين، وعلينا أن نتحدث علانية، علينا أن نتحرك ضد عودة ظهور كراهية الأجانب".

وجاءت كلمات بايدن خلال زيارته ولقائه قادة الجالية الآسيوية عقب حادث إطلاق النار من رجل أبيض وقتل 8 أشخاص منهم 7 آسيويين، في هجوم على مراكز تدليك في مدينة أتلاتنا، وقد زرع الهجوم الرعب في صفوف الأميركيين من أصول آسيوية في الولايات المتحدة.

مطالب متجددة بالمساواة

وأظهر استطلاع للرأي -أجرته شبكة "سي إن إن" (CNN) على 1106 أشخاص في سبتمبر/أيلول الماضي- أن أغلبية الأميركيين يعتبرون العنصرية أحد أهم مشكلات المجتمع، واتفق الأميركيون في مجملهم على أن العنصرية تُعد مشكلة حقيقية، لكن اختلف الأميركيون في حجم هذه المشكلة طبقا لخلفياتهم العرقية.

وذكر 51% من الأميركيين البيض أن العنصرية قضية كبيرة، في حين ارتفعت النسبة لتصل إلى 78% بين السود الأفارقة والآسيويين الأميركيين.

ومع موافقة أغلب الأميركيين على ضرورة مواجهة العنصرية، لا تتوقف الحوادث ذات الطبيعة العنصرية، والتي تؤججها الكراهية بين بعض فئات المجتمع الأميركي، عن الظهور بصورة متكررة.

من هذا المنطلق يطالب قادة الأقليات السوداء واللاتينية والآسيويين بتدريب رجال الشرطة على ضرورة احترام حقوق الأقليات، وعدم الاكتراث بلون البشرة، وهذا الطلب ليس جديدا، لكن لم يستثمر فيه بجدية من قبل.

المصدر : الجزيرة

إعلان