بالفيديو.. "غرناطة الصغرى" بالمغرب وزمان الوصل بالأندلس
مريم التايدي-شفشاون
يقول علي الريسوني للجزيرة نت من داخل أول بيت تأسس بمدينة شفشاون، إن مؤسس المدينة علي بن موسى بن راشد عاش في الأندلس ونقل ما رآه في غرناطة إلى مدينة شفشاون، وأسس النواة الأولى لمدينة شفشاون سنة 1471م بما تشمله من حمام وفرن وجامع كبير، إلى جانب القصبة التي شكلت ثكنة عسكرية، فيما يؤكد مؤرخون أن المدينة تأسست لتكون رباطا جهاديا لمواجهة الغزو الصليبي الإيبيري بعد سقوط سبتة.
البيت الأول
بني البيت الأول بشفشاون وعديد البيوت الأخرى المشابهة على طراز غرناطي، ويتميز حسب ما قال علي الريسوني بالفضاء المفتوح على السماء وبجريان الماء المقتبس من قصر الحمراء، حيث يرتبط البيت بشبكة لجريان الماء تحت أرضية من منبع رأس الماء الشهير بشفشاون.
ويوضح الريسوني أن البيت الأندلسي عموما يمتاز بالزهور وبالنباتات العطرية وبالورود والياسمين والنوافذ الجميلة والقرميد والأبواب الخشبية والبناء المتين القوي والمداخل الواسعة الفسيحة والحمام التقليدي.
ويرتبط البيت بالخارج بـ 12 بابا ويحتفظ بقبة الحمام التقليدي أسفل الدار وقبة الحضرة التي كانت مخصصة للإنشاد الصوفي للسيدات، وتسمى غرف البيت على أسماء سيداتها وتحفظ داخلها ملابس تراثية وحليا وأسرارا تحفظ زمان وصلٍ بأندلس.
نمط أندلسي
يروي المؤرخ علي الريسوني أنه بعد النكبة الفظيعة بتسليم مفاتيح غرناطة في 2 يناير/كانون الثاني سنة 1492م إيذانا بهجرات واسعة من الأندلسيين الذين عرفوا بعد قرار الطرد الصادر في فبراير/شباط 1502م بالمورسكيين، وتدفقت أمواجهم إلى المغرب، وكان من نصيب شفشاون جملة من الموريسكيين الذين تعاقبت فيها ذرياتهم وتخصصت في الحرف والمهن.
وبنى الموريسكيون في شفشاون مسجد الأندلس الذي يحمل اسم الفردوس المفقود، وهو في حي الأندلس الذي أسكنهم فيه علي بن راشد وجلبوا معهم الموسيقى الأندلسية وفن الطبخ وتصفيف الورود والزهور والهندسة المعمارية التي ميزت المدينة ودروبها العتيقة.
ولا تخفي شفشاون طابعها الأندلسي فهو جزء لا يتجزأ من هويتها بصريا وحسيا، وتنتشر بأزقتها المزهريات ويفوح من أبوابها عبق النباتات العطرية، بينما لا تزال الموسيقى الأندلسية وفن السماع الصوفي أمرين رئيسيين في احتفالات أهلها، وتورث النسوة فن الحضرة النسائية الذي يلقن للفتيات والجيل الصاعد مرفقا بخصوصية اللباس التراثي بما يميزه من جدائل حرير وحلي على النمط الغرناطي.
ضياع الهوية
يلحظ المراقب لتطور شفشاون في السنوات الأخيرة الاهتمام الواسع الذي تحظى به والجذب المتواصل الذي يُميزها، وتقدم لزوارها خليطا من عبق تاريخٍ وطبيعة خلابةٍ وهدوء نادرٍ، غير أن شجع التجار والعجلة التي لدى بعضهم -كما يقول الريسوني- قد يهدد معالم المدينة بالضياع.
ويوضح الريسوني أن السياحة التي لا ترتبط بالوعي تدمر ولا تعمر، مطالبا بإعادة الاعتبار للمدينة القديمة وتثمين هويتها وخصوصيتها، مشيرا إلى أن السويقة (حي يضم أقدم البيوت الأندلسية) هو قلب شفشاون النابض.
ويطالب محبو شفشاون وأبناؤها وعشاقها بضرورة حفظ الهوية المشتركة للمدينة والإبقاء على طابعها الذي يمثل جزءا من تميُّزها حتى تستمر المدينة في حمل لقب غرناطة الصغرى.