حتشبسوت.. والقصة المزعومة!

من أشهر الملكات اللاتي حكمن مصر، وأقواهن نفوذا، حتى أن دورها تجاوز فترة حكمها خلال الأسرة الثامنة عشر ليصبح نقطة فارقة في تاريخ مصر القديمة كله، ولدت حتشبسوت عام 1508 ق.م؛ ونشأت في أسرة ملكية خالصة؛ فأبوها الملك "تحتمس الأول"، ووالدتها الملكة "إعح مس"، وجدها الملك "أحمس" طارد الهكسوس، وكانت حتشبسوت تجيد منذ طفولتها القراءة والكتابة والحساب، ودرست الفلسفة والإنشاء والطقوس الدينية، وعُرفت بذكائها ودهائها، وكانت هي الوريث الشرعي لأبويها فلم يكن لها أشقاء من الذكور، رغم وجود أخ غير شقيق لها وهو "تحتمس الثاني" الذي كان من أم أخرى.

 

ولذا لم يكن أمامه للوصول للعرش سوى الزواج من أخته حتشبسوت فأنجب منها "نفرو رع"، وأنجب من زوجة أخرى "تحتمس الثالث"؛ فأراد أن يورثه الحكم بعده، ولما مات تحتمس الثاني وكان تحتمس الثالث حينها لا يتعدى عمره 9 سنوات؛ استغلت حتشبسوت الفرصة واستولت على العرش مبكرا بعد أن شاركت تحتمس الثالث معها في الحكم مشاركة صورية، ولما حكمت بمفردها تخلت عن اللبس الأنثوى وارتدت ملابس الملوك الرجال، وكعادة الحكام غير الشرعيين – اختلقت حتشبسوت قصة مفادها أنها من نسل إلهي فهي ابنة للمعبود آمون الذي – وطبقا للرواية المزعومة – زار والدتها في صورة بشرية وعاشا معًا لحظات أنس جاءت هي على إثرها؛ وادّعت الرواية أيضا أن أباها آمون بشّر أمها بأن ابنتها هذه ستتولى عرش مصر!، ولا تزال هذه الرواية منقوشة على جدران معبدها بالدير البحري في البر الغربي بالأقصر.

إعلان

 

كان للعمارة في عهد حتشبسوت شأن عظيم، ومن أبرز الدلائل على ذلك معبدها المنحوت في الصخر بالدير البحري، رغم التشوهات التي لحقت به جراء ما قام به أخوها الأصغر تحتمس الثالث عندما تولى السلطة بعدها منفردا

وقد سعت حتشبسوت في تدعيم سيطرتها على الحكم من خلال الاعتماد على بعض الشخصيات القوية بالدولة المصرية حينها، وكان منهم المهندس "سننموت" المشرف على بناء معبدها بالدير البحري، و"حابو سنب" الوزير والقاضي ورئيس الكهنة ومدير أعمال القصر، كما اعتمدت على "جحوتي" حامل الختم الملكي.

إعلان

ورغم أنها وصلت للحكم بطريقة غير شرعية، إلا أن عهدها كان عهد سلام ووئام، فلم تنشب أية معارك بين مصر وجيرانها، وقد أطمعت -حالة الهدوء هذه- بعض البلاد التابعة لمصر فبدأت في الانتفاض والتململ ضد حكمها، ولم يؤثر هذا كله على الملكة التي انشغلت بالشأن الداخلي بشكل كبير فاستغلت المناجم والمحاجر، وزادت صادرات البلاد فعم الرخاء، وقامت بالرحلة التجارية الشهيرة إلى بلاد بونت، وهناك تم استقبالها استقبالا ملكيا أسطوريا؛ وعادت من هناك محمّلة بالخيرات الكثيرة من بخور وعطور وأخشاب وحيوانات، وقد سجلت وقائع الرحلة على جدران معبدها بالدير البحري، وبلاد بونت طبقا لأقرب الآراء إلى الصحة -من وجهة نظرنا واستنادا على ما ذكره أستاذنا الدكتور عبدالحليم نور الدين- تقع في المنطقة التي تقع بجنوبي شبه جزيرة العرب والصومال وإرتيريا.

 

كما كان للعمارة في عهد حتشبسوت شأن عظيم، ومن أبرز الدلائل على ذلك معبدها المنحوت في الصخر بالدير البحري، رغم التشوهات التي لحقت به جراء ما قام به أخوها الأصغر تحتمس الثالث عندما تولى السلطة بعدها منفردا، فلم ينس لها المعاملة القاسية التي عاملته بها؛ وبلغ به الحقد نحوها مبلغه؛ ووجد لذلك أعوانا كثر، فقام بمحاولة إزالة كل ذكرى لها ومحا كل أثر يشير إليها؛ كما هشم معظم تماثيلها وحطم مقابر أصفيائها ومحا أسماءهم، هذا فضلا عن أنه لم يعترف بفترة حكمها وأرّخ عهده بداية من وفاة والده.

 

ماتت حتشبسوت عام 1457ق.م ولم تبلغ من العمر الـ 50؛ وانتهى عهد حتشبسوت بعد فترة حكم دامت ما يقرب من 22 سنة، انتهى عهدها رغم أن حقيقة موتها وانقضاء حكمها لم يتضح لنا حتى الآن، كما أن مومياءها لم تعرف بشكل مؤكد؛ رغم الإكتشاف الذي حدث عام 2007 على يد الدكتور زاهي حواس وفريقه؛ والذي تحدث عن أن مومياء حتشبسوت هي المومياء التي وجدت بالمقبرة رقم 60 بوادي الملوك بالاقصر؛ فالحقيقة الكاملة -كما رأي كثير من الباحثين- لم تظهر بعد، وأن الغموض لا يزال يحيط بحتشبسوت!   

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان