عن "لعبة الأمم".. استدراج إلى الحيرة

"إن اللاعب في "لعبة الأمم" مجبر بطبيعة محيطه على التحرك في اللعبة التي لا شأن لها، أحياناً، مع الربح. إن هدف اللاعبين الدائم في لعبة الأمم هو استمرار اللعبة لأن توقفها يعني الحرب المحتمة".

بهذه الكلمات اختصر رجل المخابرات القوي وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو الغامض زكريا محيي الدين، التناقضات السياسية الكثيرة الغير مفهومة، وأجاب عن أسئلة حائرة لطالما راودتنا، كيف يمكن أن تخطئ الدول في سياستها الخارجية وفيها أساطيل من الخبرات والكفاءات الدبلوماسية والسياسية، هل يعقل أنا نحن كعامة أكثر ادراكاً لهذه الأخطاء من الخاصة؟!
إعلان

لقد فسر مايلز كوبلاند فى كتابه الشهير "لعبة الأمم" الذي نشره في لندن سنة 1969، أحداثاً وقعت في الشرق الأوسط في الفترة الناصرية كانت غير مفهومة وقتها، لا وبل حتى المؤرخين عجزوا عن تفسيرها، لإنهم وبحسب كوبلاند، لا يعرفون القصة التي وراء القصة، أو يرفضون فكرة أن القصة تولد القصة! لسنا هنا بصدد الحديث عن تناقضات سياسية تاريخية، أو قادة سابقين أشبعهم المؤرخون مدحاً وذما، بل هي محاولة لفهم لعبة الأمم في الأمس وربما اليوم، دليل للحيارى أو استدراج إلى الحيرة!
 

ليس معنى أن هذه الدولة تسير في فلك تلك الدولة العظمى أنها عميلة لها، يقول كوبلاند: "ليس من الضروري أن يكون الشخص عميلاً كي يقوم بالخدمات المطلوبة، بل يكفي نوعا من الاتفاق الودي لتبادل المعلومات كي يصبح أكثر أهمية من أكبر العملاء"! ويضيف:

"في الوقت الذي ترفض فيه الولايات المتحدة بشكل علني التدخل في شأن دولة معينة، فإنها في الحقيقة تقوم بإيجاد أساليب مبتكرة في الخفاء للتدخل". ولست بحاجة هنا للتأكيد على هذه الحقيقة! يشبه كوبلاند السياسة الدولية بمسرح للعرائس، ينظر لها الرأي العام على أنها أحداث حقيقية ووقائع مهمة، ولكنها في الحقيقة غير ذلك!
 

إعلان
يقول كوبلاند: "ليس من الضروري أن يكون الشخص عميلاً كي يقوم بالخدمات المطلوبة، بل يكفي نوعا من الاتفاق الودي لتبادل المعلومات كي يصبح أكثر أهمية من أكبر العملاء".

البعض اعتبر هذا الكتاب تجسيدا لنظرية المؤامرة، والحقيقة أنه كتاب تأريخي لفترة مهمة في التاريخ العربي الحديث كان فيها ضابط المخابرات الأمريكي كوبلاند عضواً في جهاز سري أطلق عليه اسم "لعبة الأمم" يجسد أعضاءه شخصيات زعماء – خارج الغرب- لتوقع ردود أفعالهم على أحداث معينة.

وكان كوبلاند يجسد دور الرئيس المصري جمال عبدالناصر. ثم أن كوبلاند ليس مؤرخاً أو صحفياً يصيب ويخطئ في رأيه، بل شاهد عيان ذو مركز مهم، ولا يعقل أن ينسج كل هذه المعلومات من وحي خياله.
 

لعله من الملفت أن يأتي لفظ "لعبة الأمم" على لسان زكريا محيي الدين قبل صدور هذا الكتاب بـ 7 سنوات تقريباً، ربما هذا يفسر قوة ومكانة الرجل الذي أسس جهاز المخابرات المصري، واختاره ناصر ليكون رئيسا للجمهورية بعد تنحيه في أعقاب هزيمة 5 يونيو، ويفسر كذلك غموضه وصمته الدائم بعد خروجه من السلطة وحتى وفاته سنة 2012 على عكس رفقائه في مجلس قيادة الثورة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان