المؤتمر الشعبي لفلسطيني الخارج.. الحلم وقصّته

الآن! الآن بعد النهاية إليكم بعضاً من قصّة البداية! الهَمُّ أصل الحكاية!
هَمُّ الشّعب والأرض والقضيّة، ومعاناة الإنسان المبثوث في أركان الأرض منذ قرن لم يغِب عنه طيف "الأرض" لحظة، كان هو المحرّك والدافع! وعند ذَروة الهمّ كان الحلم! الحلم الذي كان يوماً حقيقة، ففرّط به بعض "قومنا" من أجل لعاعة من الوَهْم!
 

إعلان

بدأنا بالهمّ يدفعنا، والحلم يراودنا! بدأنا "بنفسٍ تضيء وهمّةٌ تتوقّد"! بيْد أنّ القلق هاجسٌ ما فارقنا؛ فكيف سنصل لشعبنا الذي يتميّز بتباينه تباينَ الكون شكلاً ومضموناً؟! فكلّ فلسطينيٍّ ربّما له "أيديولوجيا" خاصّة به؛ منطلقة من رَحم معاناته وتجاربه وإبداعاته وآلامه وآماله وتشرّده وخيمته وقصره وملايينه وقروشه.. شعبٌ كلّ مولودٍ فيه يولد على فطرة الثورة والسياسة!
 

لكن كلّ هذا التباين يذوب ويتلاشى تحت وقع خمسة أحرفٍ "أفقيّة التكوين"! فلسطين.. فكان التوفيق أنْ أطلقنا الشعار/ الهاشتاغ الذي اختفت تحت ظلّه كلّ أطياف الخلاف: "فلسطين-تجمعنا!" وكان العتبة التي خلعنا عليها كلّ خلافاتنا وحزبيّاتنا وفصائلياتنا؛ فكان النّجاح!
 

ضاقت الدّنيا بما رحبت! لكنّ إسطنبول عاصمة الأرض، اتسّعت -كعادتها- لما ضاقت به الأرض! ليس هذا فقط بل قدّمت التسهيلات التي ساعدت على نّجاح مؤتمر "فلسطيني الخارج"، وكلمة السرّ كانت: فلسطين.
إعلان

قلتُ للمهندس هشام أبو محفوظ -رئيس اللجنة التحضيرية-: ليكن هذا المؤتمر فرصة جامعة يأخذ فيها كلّ فلسطينيّ فرصته أيّاً كان "فصيله"! بل ليأخذ كل فلسطينيّ فصائليّ فرصة لا يأخذها داخل فصيله! واجَهَنا سؤال الجغرافيا الذي يواجهنا منذ سبعين عاماً! أين؟! أيّ بلاد الدّنيا ستستقبلنا؟ بعضها بالكاد يستقبل يوافق على منح تأشيرة أو إقامة لأفراد فكيف سيتحمّل مئات -كان حلم الآلاف كبيراً!- في نشاطٍ سياسيّ شعبيّ؟!
 

ضاقت الدّنيا بما رحبت! لكنّ إسطنبول عاصمة الأرض، اتسّعت -كعادتها- لما ضاقت به الأرض! ليس هذا فقط بل قدّمت التسهيلات التي ساعدت على النّجاح. وكلمة السرّ كانت: فلسطين؛ ودائماً هي المفتاح عند إخواننا الأتراك وغيرهم من الشعوب الحرّة، ودائماً فلسطين تفتح لنا كلّ المغاليق! ألا ليتنا نكون على قدرها!
 

وهنا حانت ساعة الحقيقة؛ فبدأنا نتواصل مع شعبنا في الأقطار المختلفة، معتمدين على مَنْ نعرف من الرموز والكفاءات والوجاهات الوطنية من مختلف الأطياف، وما أنْ سمعوا الفكرة حتى تلقّفوها بحماسة فاجأتنا؛ فكانوا نعم العوْن والسَّند، وهم السبب الحقيقيّ وراء هذه الحشود من الآلاف التي أمّت المؤتمر، الأمر الذي أدهشنا وفاق توقّعاتنا وتوقّعات شانئينا والمتربّصين بنا سوء!
 

ولا أذيع سرّاً أنْ أقول: أنّنا عندما شاهدنا القاعة أوّل مرّة أرهبنا اتساعها، وتولّد لدينا قلقٌ وتساؤل كبير: هل ستأتي الأعداد التي تملأ هذه القاعة الكبيرة؟ فكان الجواب في المشهد التاريخيّ المهيب، وكان البطل الحقيقيّ فيه هو هذا الشّعب العظيم الذي يثبت دوماً أنّه أعظم مِن نُخبه، وأعظم ممّا يُظَنّ به!
 

بدأ التجاوب مع الفكرة من الشخصيّات، وفي مقدّمة الجميع كانت قاماتٌ أفنت عمرها في النضال الوطني ما لانت لهم قناة، ولا تاهت لهم بوصلة! الدكتور أنيس القاسم، والدكتور سلمان أبو ستة، والأستاذ منير شفيق، وغيرهم من المناضلين والمناضلات الذي يصعب حصرهم! هؤلاء جميعاً كانوا الراية التي اجتمعت الحشود حولها! فاقترحنا معاً تشكيل إطار موسّع يضمّ من استجاب "لمبادرتنا"؛ فكانت الهيئة "التأسيسية" والتي ضمّت أكثر من ثلاثمائة شخصيّة من قامات شعبنا.
 

وهكذا.. تحقّق الحلم الذي رآه العالم حقيقة! وهكذا جاؤوا! جاؤوا لفلسطين ومع فلسطين يحملون فلسطين!
وضّبوا أمتعتهم في حقائبهم، متلهّفين للقائها، كما آلاف المرّات التي يرتحلون فيها إليها وهي لم تفارقهم!
كأنّ كلّ رحلةٍ هي الأولى؛ حسبوا حساب كلّ صغيرةٍ وكبيرة، وأعدّوا العدّة لكلّ أمر، كأنّما هم ذاهبون للمحكمة الدوليّة!
 

إعلان
لسنا منصّة "لديناصور" امتطى ظهر قضيّتنا عقوداً، ومضى يبيعها شبراً شبراً في سوق النخاسة الصهيوني! إنّنا إطارٌ يقول للعالم: نحن فلسطينيي الخارج سنعمل المستحيل لتحرير أرضنا، وخدمة شعبنا!

استلّوا كواشين الأرض "المعتّقة" من جِرابها! راجعوا قوانين جنيف وقرارات الأمم المتحدّة، وكتبوا مرافعاتهم في ظُلاماتهم! استعادوا حفظ قصائدهم التي يرتلونها في كلّ "مشوار"؛ ويرسمونها "جداريّة" على كل دار! استعدّوا لكلّ التفاصيل، ثياب النّساء المطرّزة حسب كلّ قرية، والرجال كلٌّ جهّز "كمبازه" وكوفيّته! كوفيّة وخارطة وعلم ومفتاح وكمباز وثوب مطرّز.. وحُلمٌ ببندقيّة.. فأنت في حضرة فلسطينيّ وفلسطينيّة! الشيء المشترك بين الجميع صغاراً وكباراً نساء ورجالاً: صورة الأقصى وخارطة فلسطين المفصّلة والكاملة؛ بحيث يرى كلّ واحدٍ قريته على الخارطة! منهم من رآها قبل خمسين سنة حينما تحطّم جسر النّهر تحتهم وهم متجّهين شرقاً نحو الشتات، ومنهم من أعيته ذاكرة السبعين عاماً، فلم يبق في ذاكرته إلاّ اسم قريةٍ!
 

إعلان

جاؤوا يحملون حلمهم ولم تقْعدهم همومهم! فما بين فلسطينيي الخارج والهموم قصص وملاحم لا تنتهي: لعنة الوثيقة، رُعب التأشيرة لأيّ بلد، الحرمان من ٧٠ وظيفة، الرقم الوطني، منع حق التملّك والبناء، تقليص خدمات الأونروا من التعليم والصحة والتموين، أبسط معايير الحياة الإنسانية الكريمة، المخيمات المدمّرة، منع التنقّل بين دول الخليج حتى لو كان مقيماً "دون بقيّة جنسيّات العالم!"..‬
 

مَنْ لهم ولهمومهم؟ أين المؤسّسات التي تُسمّى وطنية منهم ومن همومهم؟ أين المشاريع التي تخدمهم وتلبي حاجاتهم؟‬‬‬‬ أسئلة وهموم ومعاناة وحاجات بحثها فلسطينيو الخارج بصراحة ووضوح وجدّية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج‬‬‬‬‬.‬ بيْد أنّ أهمّ ما جاؤوا من أجله هو أن يضعوا أنفسهم من جديد على خارطة العمل الوطني بعد هذا التهميش والإقصاء لربع قرن! ولمّا كان هذا همّهم وهمّنا فقد استفزّ هذا بعضاً من "قومنا"، فأطلقوا "ريح" حملاتهم ليطفئوا شمعة أملنا، وما دروا أنّهم بذلك أشعلوا شعلة حلمنا!
 

والآن.. الآن بعد أن تبدّدت الأوهام والخيالات وسقطت الاتهامات، وأسقطت الحشود العظيمة من أبناء شعبنا ادّعاءاتهم؛ الآن نقول بيقين الحقيقة: لسنا منصّة شبابيّة تهتف "لغرٍّ" متعطّشٍ للزعامة باسم معاناتنا؛ وإن كان شباب فلسطين المبدع أيقونات في مؤتمرنا! ولسنا منصّة "لديناصور" امتطى ظهر قضيّتنا عقوداً، ومضى يبيعها شبراً شبراً في سوق النخاسة الصهيوني! إنّنا إطارٌ يقول للعالم: نحن فلسطينيي الخارج سنعمل المستحيل لتحرير أرضنا، وخدمة شعبنا!
 

آخر الكلام:
نعم! ها هو الحلم أصبح حقيقةً، والحقيقة تنتظر منّا جميعاً صدق الوَعْد!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان