ما بعد الحوار الوطني في السودان

انشغلت الساحة في السودان وعلى مدى ثلاث سنوات بحوار جمع غالب الأطراف الحزبية للتشاور حول مستقبل العمل السياسي في ظل احتقان محلي وصل حد الثورة إلا قليلا، وتمخض عن ذلك الحوار توصيات توافقت عليها غالب الجماعات والأحزاب، بالرغم من عدم وجود إجماع على المخرجات إلا أن التوافق كان غالبا.

 

إعلان

كأي نشاط سياسي كان لا بد من وجود مقاطعين للحوار وليسوا قلة، وقد استند كثير منهم على عدة حجج يمكن اعتبارها منطقية في بعضها، وتعنتا في البعض الأخر منها.

 

إعلان

توفر مناخ الحريات كان شرطا أساسيا لدخول الحوار عند بعض المقاطعين، وشرطا للتوافق على حكومة ما بعد الحوار عند بعض المشاركين أيضا، فمن يملك السلطة يتردد في منحها بلا ضغوط، ومن يطلبها بلا سند شعبي أو حتى عسكري كمن يحرث في الماء؛ وتلك حجة تبدوا منطقيه في طرحها، وهو الطريق الذي يطلبه الممانعون والثوار إما ثورة شعبية معلنة أو انقلاب عسكري يدبر بليل.

 

لم يخلوا تاريخ السودان الحديث ما بعد عام ١٩٨٩م من ثورات شعبية قصيرة نجحت في بداية وقتها، وفشلت على المدى القصير في الحفاظ على تكتل عريض ونسيج اجتماعي مترابط كثورتي١٩٦٤ م و١٩٨٥م، وحتى الانقلابات العسكرية انتهت قبل أن تبدأ وفشلت بسجن فاعليها أو إعدامهم.

 

وبناء على ذلك يحتج المشاركون في الحوار، استدلالا بتجارب محلية سابقة ضاعت فيها كثير من الدماء والثروات وخيبات إقليمية تحطمت على صخرتها أحلام الثوار، وجعلت بعض الأحزاب تزهد في التغيير خوفا من تصدع بنيان الدولة الذي في أصله تجتاحه بعض التصدعات ويوشك أن ينهار.

 

إعلان
يزعم البعض أن الحكومة قبل ثلاث سنوات وحتى وقت قريب مرت بضغوط اقتصادية محلية وإقليمية مما أدى لارتفاع حاد في سعر الصرف وتضخم في تكلفة المعيشة واحتقان شعبي أخرج الناس للشارع متظاهرين وساخطين.

وفي خضم تلك الأحداث ظهر تيار ثالث؛ يدعوا للحفاظ على بنيان الدولة وإصلاحها وجعل الأولوية لمكافحة الفقر والعطش والتخلف، بل ويدعوا لإصلاح الأحزاب المعارضة أولا، وبناء مؤسساتها قبل التفكير في التغيير ورائد هذا التيار المحامي وائل عابدين ويرافقه في ذلك ما يسمى بحكومة الظل التي هو وزير في طاقمها.

 

إعلان

قد تختلف الأراء في سبب تبني الحزب الحاكم لحوار قد ينزع بعض مما في يديه، فالبعض يزعم أن الحكومة قبل ثلاث سنوات وحتى وقت قريب مرت بضغوط اقتصادية محلية وإقليمية مما أدى لارتفاع حاد في سعر الصرف وتضخم في تكلفة المعيشة واحتقان شعبي أخرج الناس للشارع متظاهرين وساخطين، فاضطرت الحكومة لإشراك الجميع في قيادة سفينة توشك أن تغرق كتكتيك مرحلي كسبا للوقت وتهدئة للشارع، وأنه بمجرد انقشاع سحابة الضغوط حتى تعود النعجة العرجاء لقطيعها.

 

ويرفض بعض مؤيدو الحوار ذلك، وحتى الذين اقتنعوا بفاعلية الأسباب الاقتصادية أعلاه يشاركون بدعوى استغلال الظرف لحماية مستقبل الدولة لا الحزب الحاكم من الانهيار.

 

والأن بعد مرور مياه كثيرة تحت الجسر وخاصة التخفيف الجزئي للعقوبات الاقتصادية تحسن العلاقات مع دول الخليج وهبوب رياح خفيفة من الانتعاش الاقتصادي، تصبح الحكومة ممثلة في حزبها القابض بالسلطة أمام اختبار جدية، فهل تنكص عن وعودها تعهداتها، ويصيب ظن المعارضون للحوار بذلك أم أن بناء الحوار متين لا يتشقق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان