كُنّ فقيهاً في الحبِّ
وكما قال قائلهم على لسان أحد العاشقين: "عش العصفورة يكفينا"، "أطعمني جبنة وزيتونة"، "لقمة صغيرة تشبعنا"، والكثير الكثير من ذلك الكلام الهزليّ والذي يكون من المُحالِ أن يترجم الى خطوبة وزواج شرعيّ مِثاليّ، وإن تُرجِم سرعان ما ينساه الطرفان أو بالأحرى يتناسيانه بعد الزواج، فهو يَحلُم وهي تَحلُم .. وهو يتألّم وهي تتألّم. وهكذا يبقيانِ يحلمانِ ويتألّمانِ ويتوهان في حبائلٍ الحبٍّ والذي يكون غالباً وهمياً أو من طرف واحد دون الآخر.
يقول الطنطاوي رحمه الله: "ما في الحب شيء ولا على المحبّين من سبيل، إنّما السبيل على من ينسى في الحبّ دينه أو يضيّع خلقه، أو يشتري بلذّة لحظة في الدنيا عذاب ألف سنة في جهنّم"؛ إذاً علينا أن نعلم أنّ المشكلة لا تكمن في الحبّ بل في استخدامكَ له، فالحبُّ الذي يبقى مقيداً بلجام العفافِ والتقوى لا حرج فيه، وسبيله الوحيد والسريع هو النكاح، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم "ما رأيت للمتحابين مثل النكاح"، أي بمعنى "أنه إذا كان بين اثنين محبة فتلك المحبة لا يزيدها شيء ولا يديمها مثل النكاح"، فلو كان بينهما نكاح مع تلك المحبة، لكانت تلك المحبة كل يوم بازدياد.
وأخيراً قد تسألني عن مادة الحب، فأجيبك أنّ ذاك سِرٌ من أسرار الإله، دقت معانيه لجلالته وصعب على العلماء في فهمه وتفسيره وحار الشعراء في وصفه، إذ القلوب بيد الله يقلبها كيفما يشاء، وكما قال الشاعر:
إن لم تطعه بكى وإن أطعتَ بغى ….. فلا يريحك محكوماً ولا حَكما
مذ قلتُ دع لي روحي ظل يطلبها ….. فقلتُ هاك استلم روحي، فما استلما
إذاً الحبُّ موجود، ولكن حاول ألا تحاول البحث عليه لأنه ثمرة توفيق إلهيّ وليس ثمرة اجتهاد شخصيّ وشرط حدوثه أن تكون النفوس خيّره أصلاً وتَقِيّة، فالجمال النفسيّ والعقليّ هما المشكاة التي يخرجُ منها هذا الحبّ تحت مظلة العقل، بتقواك ستزرق وتحظى به، فلا تستعجلوا رزقكم فهو آتِ.
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.