المتأتركون الجدد

قبل أن أبدأ
التجارب الإنسانية مهما بلغت فهي عُرضة للخطأ، وانتقاد تجربة ما لا يعني بأي حال من الأحوال نسفها، ولكل تجربة إنسانية جوانب مضيئة كما لها جوانب مظلمة أو أقل إشراقاً، ولا بد من التنويه أن أي تشابه في المواقف والشخصيات الواردة ضمن التدوينة إنما هو محض صدفة غير مقصودة.
 

وعلى الله التكلان..
ترددت قبل أن أنشر تدوينتي السابقة "سيستم يوك"، ولكنني بعد أن ضغطت زر الإرسال من بريدي الإلكتروني ورأيتها ماثلة أمامي على مدونات الجزيرة أدركت أنني "تتورطت" أمام ردات الفعل المتباينة بين المؤيدين للتدوينة ومحتواها ممن عانوا من ظاهرة "سيستم يوك" في تركيا، وبين كمٍ من المعارضين الذين انهالوا هجوماً لأسباب بعيدة عن المنطق والواقع فقط لأن التدوينة عرضت جانباً من جوانب المعاناة والفساد الإداري في تركيا.

إعلان


"المتأتركون الجدد"

كما أهتديت مؤخراً أن أسميهم؛ فإن المتأتركون الجدد جلهم ممن تغلبهم العاطفة ليرفضوا كل من ينتقد ولو بحرف تركيا واقعاً او سياسةً أو شعباً، وبعض هؤلاء بالأمس كانوا -وأدعي أنهم لا يزالون- يعانون من بيوقراطية القرارات والمعاملات في تركيا، ولكنهم جبلوا على تقديس رمز غاب عنهم في بلدانهم فوجدوه في تركيا.

جُلُّ المتأتركون الجدد وخصوصاً العرب منهم مسوقون سلبيون لتركيا وسياساتها باندفاعهم الغير محسوب وحدتهم في الرد على كل من ينتقد تركيا ولو بغرض الإصلاح أو البناء.

قبل قرابة شهر أو يزيد استيقظت من نومي، وكما هي عادتي صباحاً أن أتصفح "العالم الأزرق" أتصفح آخر الأخبار والمنشورات لأتفاجأ بعدد غير يسير من الإشارات "التاغات" التي تدعوني للاحتفال بذكرى قيام الجمهورية التركية، وجل تلك التاغات من أشخاص إسلاميين أو محسوبين عليهم، بالرغم من أن يوم قيام الجمهورية التركية هو ذات اليوم الذي اسقطت فيه الخلافة العثمانية! وليس ذلك إلا لأنه يوم "وطني تركي".

إعلان

هوس تركيا وكل ما هو تركي سيطر على أصحابنا حد الجنون أو يزيد فلا تراهم يفتأون يبررون كل ما يصدر عن تركيا أو تقوم به قيادتها ولو كان باطلاً أو على خطأ، مؤخراً وبعد تصريح أردوغان خلال مقابلة مع قناة عبرية أن "المسجد الأقصى للديانات الثلاثة" شهدتُ العديد من النقاشات التي يبرر فيها المتأتركون التصريح سواء بمحاولة إثباته كما هو أو تبريره تحت بند الرخصة والمواربة السياسية، وفي أفضل الحالات اعتبار الترجمة غير دقيقة بالرغم من تأكي دقتها كون المقابلة كانت باللغة التركية؛ وبعد عدة أيام تفاجأ المتأتركون أنفسهم بتراجع أردوغان عن تصريحاته واعتذار مبطن منه عما كان صرح به، ليروا أنفسهم "ملكيون أكثر من الملك".

بعض المتأتركون بالأمس كانوا من الباحثين عن وطن والنازحين من بلدانهم، يعلمون حقيقة معنى اللجوء والغربة، فباتوا بنعمته أتراكا، فرموا أيامهم الخوالي تحت أقدامهم، ونسوا أصلهم، وصعدوا أبراجهم العاجية يرقبون أقوال المحللين والناشطين حتى إذا ما لمحوا تعليقاً أو مقالاً يحلل أو يينتقد موقفاً أو ظاهرة في تركيا انهالوا على صاحبها بالتخوين والشتائم، وقد يصل بهم الحد إلى التطاول وطلب مغادرة البلد إلى بلده التي جاء منها، وكأنها أرض أجدادهم، وقد خجل أهل البلاد أنفسهم أن يصلوا لهذا المستوى!

جُلُّ المتأتركون الجدد وخصوصاً العرب منهم أو الناطقون باللغة العربية -من حيث يدرون أو لا يدرون- هم مسوقون سلبيون لتركيا وسياساتها باندفاعهم الغير محسوب وحدتهم في الرد على كل من ينتقد تركيا ولو بغرض الإصلاح أو البناء.

لقد غاب عن المتأتركون الجدد وأنصارهم أن تركيا هي دولة قطرية تحدها حدود وتحكمها دبلوماسيات واتفاقيات ومصالح، وهي جزء من المنظومة والمجتمع الدوليين، وليست دولة "خلافة عثمانية" كما يتصورونها في أذهانهم، أو يحاولون تسويقها، وهم في حقيقة الأمر لا يخدمون إلا الفئات المتربصة بتركيا على الأمد البعيد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.



إعلان