المرونة العصبية.. مهارة تجعل الطفل قبل الخامسة أكثر قدرة على التعلم

رغم تمتع الأطفال بالقدرة على التعلم بسرعة، فإنهم سيجدون تحديات إذا لم يتم دعمهم جيدا (بيكسابي)

يعرف الجميع أن أدمغة الأطفال الصغار مثل "الإسفنج"، يمتصون كل شيء يرونه ويسمعونه ويشعرون به. نعلم أيضا أن لديهم قدرات عجيبة لتعلم مهارات جديدة أسرع من الكبار. ولكن ما السبب العلمي وراء ذلك؟

ترجع هذه الميزة بنسبة كبيرة إلى ما يعرف بـ"المرونة العصبية"، التي تعني قدرة الدماغ على تكوين وتغيير روابطه ومساراته بناء على التجارب.

وتمنح المرونة العصبية الأطفال القدرة على التعلم، والتخلص من العادات والأمور غير المستحبة بسرعة كبيرة. وتكون هذه القدرة أكثر ثباتا وسرعة قبل عيد ميلاد الطفل الخامس، عندما يكون الكثير مما يواجهه أو يختبره جديدا بالنسبة له.

ويمتلك المولود الجديد جميع خلايا الدماغ العصبية التي سيحصل عليها لبقية حياته، ولكن ما يجعل الدماغ يعمل بالفعل هي الروابط بين تلك الخلايا. والتي يتم تكوينها خلال السنوات الأولى من حياة الطفل. ويكون الطفل على الأقل مليون وصلة عصبية جديدة كل ثانية، وذلك أكثر بكثير من أي وقت آخر في حياته القادمة.

وأظهرت الأبحاث العلمية الحديثة أن الروابط اللازمة للعديد من القدرات المهمة عالية المستوى، مثل التحفيز والتنظيم الذاتي وحل المشكلات والتواصل واحترام الذات، تتشكل في السنوات الأولى. ومن الصعب جدا تكوين تلك الروابط الأساسية في الدماغ في وقت لاحق من الحياة.

أما عن كيفية بناء هذه الروابط، فإنه يتم من خلال تجارب الطفل اليومية، من خلال التفاعلات الإيجابية مع الوالدين ومن حوله، وباستخدام حواسه للتفاعل مع العالم المحيط به.

إن التجارب اليومية للطفل الصغير التي تعتمد على مقدار وجودة الرعاية والتحفيز والتفاعل الذي يتلقاه في سنواته الأولى، هي التي تحدد الروابط الدماغية التي تتطور وستستمر مدى الحياة.

منذ الولادة وحتى سن الخامسة، يتطور دماغ الطفل بسرعة أكثر من أي وقت آخر في الحياة (بيكسابي)

فرصة حتى سن الخامسة

يذكر موقع "فييرست ثينغس فيرست" (Firstthingsfirst)، أنه منذ الولادة وحتى سن الخامسة، يتطور دماغ الطفل بسرعة أكثر من أي وقت آخر في الحياة. ويكون متوسط دماغ الطفل عند الولادة حوالي ربع حجم دماغ الشخص البالغ، حيث إن الدماغ البشري يعد العضو الوحيد الذي لم يتطور بشكل كامل عند الولادة. ويتضاعف حجم الدماغ في السنة الأولى من عمر الطفل، ويستمر في النمو إلى حوالي 80% من حجم دماغ البالغين بعمر الثالثة، ويكتمل نموه بنسبة 90% بحلول سن الخامسة.

كما تعد فترة ما بين الولادة وسن الخامسة "فترة حرجة" للأطفال، لأنه خلال هذه السنوات المبكرة يكون دماغ الطفل الصغير أكثر انشغالا من دماغ الكبار فهو يتعلم باستمرار ويكتشف أفضل طريقة للتعامل مع أي موقف معين. وهذا كله مرتبط بالتفاعلات من حوله.

يقول ديبي رافنسكروفت، المحاضر في جامعة تشيستر في المملكة المتحدة لموقع "لايف ساينس" (Live Science) العلمي، إن هذه القدرة على التعلم بسرعة مرتبطة بعدة مجالات، بما في ذلك المرونة والتجارب مع البالغين وبيئتهم ودافعهم البيولوجي للاستكشاف.

الأطفال الرضع واكتساب اللغة

ويشير رافنسكروفت إلى أن اكتساب اللغة، على وجه الخصوص، هو مجال يتمتع فيه الأطفال غالبا بميزة كبيرة على البالغين. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى "قدرة الأطفال على ضبط الإيقاع والأصوات المستخدمة في لغتهم الأم، وبالتالي يمكنهم أن يصبحوا متحدثين أكفاء وبطلاقة في سن الرابعة". وهذه القدرة يمكن أن تساعد الأطفال الصغار على تعلم لغة ثانية أو ثالثة بسهولة واضحة.

وفي ورقة بحثية نُشرت في أبريل/نيسان 2022 في مجلة "بيرسبكتيفز أون سيكولوجوكال ساينس" (Perspectives on Psychological Science)، يشير المؤلفون إلى أن "الأطفال الرضع يولدون وهم يرون ويسمعون المعلومات اللغوية التي يفوتها الأطفال الأكبر سنا والبالغون، وهم يفقدون هذه القدرة مع المزيد من الوقت والمزيد من التجارب في بيئاتهم".

إضافة إلى ذلك، يمكن للأطفال التمييز بين أصوات الكلام والنغمات المستخدمة في جميع لغات العالم مما يجعلهم منفتحين على جميع المدخلات، وذلك بغض النظر عن البيئة اللغوية التي يولدون فيها.

ويعد الوقت متغيرا مهما في عملية اكتساب اللغة. فقد وجدت الدراسات أنه منذ الولادة وحتى سن البلوغ يستطيع الطفل تعلم اللغة بسرعة وفعالية بسبب المرونة العصبية والمرونة الإدراكية، أو القدرة على التبديل العقلي بين مفهومين أو أفكار مختلفة بسرعة، بالإضافة إلى القدرة على التفكير بوضوح في العديد من المفاهيم في الوقت نفسه.

تؤثر تجارب الطفل في السنوات الأولى من الحياة على قدرتهم على التعلم والنجاح في المدرسة والحياة (بيكسلز)

أهمية التجارب اليومية للطفل المولود

أوضح البحث العلمي أن جودة تجارب الطفل في السنوات القليلة الأولى من الحياة، إيجابية كانت أم سلبية، تساعد في تشكيل كيفية تطور عقولهم، هذا بالرغم من أن الجينات تلعب دورا مهما في ذلك أيضا. وتؤثر هذه التجارب بشكل دائم على صحتهم وقدرتهم على التعلم والنجاح في المدرسة وفي الحياة.

لذا، فإنه رغم تمتع الأطفال بالقدرة على التعلم بسرعة، فإنهم سيجدون تحديات إذا لم يتم دعمهم جيدا من قبل البالغين الذين يهتمون ويتعاطفون والذين يشكلون بيئتهم وتجاربهم. مع العلم أن أفضل وقت للتعلم هو في "أقرب وقت ممكن".

القراءة أيضا توفر للطفل تجربة رائعة ومشتركة للترابط بالإضافة إلى توفير حب اللغة وضمان إجراء الاتصالات في الدماغ مبكرا.

ومن المهم كذلك التحدث والغناء والقراءة واللعب مع الأطفال الصغار منذ يوم ولادتهم، لمنحهم الفرص لاستكشاف عالمهم المادي مع توفير بيئات آمنة ومستقرة وراعية لهم كذلك.

إن الأطفال الذين يعيشون الكثير من التفاعلات الإيجابية سيصبحون أكثر صحة ونجاحا في المدرسة وفي الحياة. والعكس أيضا صحيح، فالأطفال الصغار الذين يحرمون من التفاعل والرعاية اللازمة لا تتطور لديهم العديد من الروابط الدماغية مما يتسبب في تأثير سلبي ودائم.

ويعد الفقر والتعرض للعنف الأسري ونقص الحصول على خبرات التعلم المبكر الجيدة، عوامل يمكن أن تؤثر سلبا على نمو الطفل المبكر وبالتالي على نجاحه على المدى الطويل.

المصدر : مواقع إلكترونية