بعد عام التعليم عن بعد.. كيف يستعيد الآباء السيطرة على وقت الشاشات لأطفالهم

تُظهر البيانات أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون على الشاشات لم ينخفض ​​بشكل حاد، حتى مع انحسار جائحة كورونا.

“عزلة قسرية”.. ما الآثار النفسية التي يسببها استمرار التعليم عن بعد لدى الأطفال؟
رغم الفوائد التي وفّرتها التكنولوجيا الجيدة للأطفال خلال العام الماضي، كانت هناك أيضا جوانب سلبية (غيتي)

بعد 15 شهرا من عمليات الإغلاق المختلفة، تحاول العائلات الخروج من الضباب المليء بالتكنولوجيا منذ الصيف الماضي. إنها فرصة لاستبدال وقت "إكس بوكس" (Xbox) بركوب الدراجة مع الأصدقاء، أو حضور الفصول الدراسية عبر تطبيق زوم إلى أنشطة المخيم الصيفي.

لكن الآباء يكتشفون أن تقليص وقت الشاشة أصعب بكثير من زيادته. إنهم يواجهون مقاومة من أطفال اعتادوا على حريتهم أو يكافحون لملء وقتهم قبل بدء فصل الخريف الدراسي العادي.

بحسب مقال للكاتبة هيذر كيلي في صحيفة "واشنطن بوست" (WashingtonPost) الأميركية، فإنه بالتزامن مع عودة الأنشطة التجارية ومراكز رعاية الأطفال وتباطؤ معدلات الإصابة بفيروس كورونا، تُظهر البيانات أن الوقت الذي يقضيه المستخدمون على الشاشات لم ينخفض ​​بشكل حاد. ووفقا لشركة لايكويب للأبحاث (Likeweb)، كان هناك انخفاض لمدة 24 ثانية في متوسط ​​الوقت الذي يقضيه المستخدمون في كل جلسة على أفضل 100 موقع.

وأثناء الوباء، تم تخفيف القيود المفروضة على وقت الشاشة في كثير من الأسر حول العالم، وقد منعت الشاشات ملايين الأطفال من التخلف عن زملائهم في المدرسة، وسمحت للعديد من الآباء بمواصلة العمل داخل المنزل وخارجه. وبالنسبة للأطفال غير القادرين على رؤية الأصدقاء، فإن خيارات مثل تطبيقات المراسلة وألعاب الفيديو منحتهم رابطا أساسيا بحياتهم القديمة.

المعلمات أيضا يعانين من التعليم عن بعد.. هذه تجاربهن (بيكسلز)
في فترة كورونا تم تخفيف القيود المفروضة على وقت الشاشة لدى كثير من الأسر حول العالم (بيكسلز)

تغيرات سلوكية

على الرغم من كل الفوائد التي وفرتها التكنولوجيا الجيدة للأطفال خلال العام الماضي، كانت هناك أيضا جوانب سلبية لا مفر منها. فقد وجدت دراسة حديثة في مجلة طب الأطفال للمرضى في شبكة رعاية مستشفى فيلادلفيا للأطفال، زيادة بنسبة 2% تقريبا في السمنة بين الأطفال أثناء الوباء.

وفي حين أن بعض الآباء يريدون فقط لأطفالهم أن يكونوا اجتماعيين أو نشطين مرة أخرى، فقد لاحظ كثيرون تغيرات في الشخصية والسلوك لدى أطفالهم. فقد أصبحوا سريعي الانفعال وكثيري الجدل وضعافا في التركيز، كما أصبح البعض منهم قلقا أو مكتئبا، أو ازدادت نوبات غضبهم.

وقالت طبيبة الأطفال النفسية فيكتوريا دنكلي التي تدرس تأثير الشاشات على الأطفال ومؤلفة كتاب "إعادة تعيين دماغ طفلك"، إن "كل هذا التحفيز المفرط يضعهم في حالة من التوتر".

وبحسب الكاتبة، فإن الآباء يحاولون -لاستعادة السيطرة على وقت الشاشة- استخدام تقنيات مختلفة، وهم يراهنون على عوامل تشتيت الانتباه، مثل المعسكر الصيفي والنزهات العائلية، لملء وقت الأطفال. ويجبر البعض أطفالهم على العودة إلى الخارج بمفردهم، بينما يعتمد آخرون على ضوابط وقت الشاشة لفرض عدد محدد من ساعات استخدامها يوميا.

وفي حين أن بعض الآباء يتراجعون عن مقدار الوقت المسموح به أمام الشاشة، وجد آخرون تقديرا جديدا للطريقة التي يمكن بها مساعدة الأطفال على التواصل الاجتماعي والتعلم. أصبحت ألعاب الفيديو والأدوات الاجتماعية -مثل تطبيق الدردشة ديسكورد (Discord)- شريان حياة للعديد من الأطفال والبالغين المعزولين أثناء وجودهم في المنزل، مما منحهم وسيلة للتواصل مع الأصدقاء أو حتى تكوين صداقات جديدة.

يجب توفير أنشطة بديلة للشاشات خلال شهور الصيف الحالي (الجزيرة)

بدائل الشاشات

لم يكن المفهوم الشائع لوقت الشاشة مصدر قلق كبير لمهندس البرمجيات ديفيد بريسلر (53 عاما)، الذي استقال من وظيفته في وقت مبكر من الوباء لتولي رعاية ابنته (6 سنوات) وابنه (8 سنوات).

يقول بريسلي إنه يعتقد أن بإمكانه الارتباط عاطفيا بطفليه من خلال التكنولوجيا، "يمكننا التحدث عن ذلك، ويمكنني التحدث عما يهتمون به. لقد كنت دائما ليبراليا في استخدام التكنولوجيا، لكنني منخرط بشدة في الطريقة التي يستخدمونها بها، لأنني أعتقد أنها تبني الجسر بيننا وبين الأطفال. إنه ليس نهجا يحركه الخوف حيث يكون عقابا أو مكافأة".

ومع ذلك، فهو محبط من ولع ابنه بمشاهدة "يوتيوب" (youtube)، ويدرك أن كلا الطفلين بحاجة إلى بدائل عن الشاشات. إنه يعمل على التأكد من تواجدهم في الخارج قدر الإمكان الآن بعد أن فتحت المدينة، إذ يأخذهم إلى الحدائق القريبة للتخلص من الطاقة وللحصول على دروس في التزلج، ويقول إنه حتى النزهة الأخيرة لمتجر بيع بالتجزئة كانت رحلة ميدانية مثيرة للعائلة. فبدلا من قضاء الصيف على الأجهزة، سيحضرون معسكرا في الهواء الطلق مكتملا، فيه حمامات السباحة والرياضة والفنون والحرف اليدوية.

أما الموسيقار جوناثان كورتي فقد قرر أن يبدأ معسكره غير الرسمي عندما رأى أطفاله الثلاثة يقضون وقتا في إمضاء الوقت بعيدا على أجهزتهم في ربيع عام 2020. لذلك وضعهم في شاحنته وأخذهم للصيد في جميع أنحاء مقاطعة مارين بكاليفورنيا، وإلى الشواطئ والبحيرات حيث نشأ وهو يركب الأمواج، وحيث سرطان البحر وأسماك الباس المخططة.

تقول جمعية المعسكرات الأميركية إن التسجيل في المعسكرات الصيفية قد ارتفع هذا العام، على الرغم من أنه لم يصل بعد إلى عدد ما قبل الوباء الذي كان حوالي 26 مليون طفل. وتقول الجمعية إن 19.5 مليون شخص من المعسكر لم يحضروا خلال صيف عام 2020.

وتعد المعسكرات طريقة منطقية للتخلص من عادات العام الماضي، ولكنها ليست خيارا متاحا لكل عائلة، إذ لا يزال الأطفال دون سن 12 عاما غير مشمولين بالتطعيم، والعديد من المخيمات بها عدد أقل من الأماكن المتاحة بسبب متطلبات السلامة من فيروس كورونا ونقص موظفي المخيم، كما رفع البعض أسعارهم لتغطية التكاليف. وفي هذا الصيف -على الأقل- لا يزال العديد من الآباء يواجهون مصاعب في رعاية الأطفال، ويبذلون قصارى جهدهم.

المصدر : الواشنطن بوست