بثينة الأنصاري للجزيرة نت: نريد النساء في المناصب القيادية.. والنشيطات اقتصاديا معدودات

بيئة العمل الصحية أن أعرف حقوقي وواجباتي، وأتطلع لفرص الغد، أنا اليوم هنا، لكن كيف سأبدو بعد 4 سنوات؟ وما وظيفتي المستقبلية؟

ترى الأنصاري ضرورة توسيع النقاش المجتمعي بشأن عدد من قضايا المرأة القطرية (الجزيرة)
الدكتورة بثينة الأنصاري: علينا أن نربي أبناءنا على عدم وجود فوارق بين الرجل والمرأة (الجزيرة)

ترى خبيرة التخطيط الإستراتيجي والموارد البشرية وتطوير المؤسسات الدكتورة بثينة الأنصاري، أن المرأة القطرية حققت كثيرا من المكتسبات، لكن لا تزال الحاجة قائمة لتوسيع النقاش المجتمعي بشأن عدد من القضايا الأخرى.

واعتبرت أن كثيرا من الشركات والهيئات قد لا تكون قادرة على مواكبة التحول الرقمي الذي ينتظر مجتمع الأعمال والمؤسسات، بعد أن بات معبرا إجباريا نحو المستقبل، بفعل تحديات الثورة الصناعية الرابعة.

وفيما يأتي نص الحوار:

  • كيف تعرّفين نفسك في بضعة سطور؟

بثينة حسن الأنصاري، قطرية، دكتورة في التخطيط الإستراتيجي والموارد البشرية وتطوير المؤسسات من جامعة نوتنغهام البريطانية. نشأت وترعرعت في بيت يملؤه الحب والثقافة والنقاش الحر، وفي جو لا تخلو جلساته من النقاش وتبادل الآراء. لدي ولع كبير بالتعلم وروح المبادرة، وهذا شغف مشهود به لي منذ الدراسة.

لدي اعتقاد راسخ بأن الإنسان الحقيقي لا يصنعه اسم العائلة أو مكانته الاجتماعية والمالية، بل أخلاقه ومثابرته ليصل إلى ما يصبو إليه.

لطالما أحببت إذاعة المدرسة وطابور الصباح، والاشتغال على الإعلانات الحائطية والمجلات التي كنا ننجزها يدويا، وكان كل ذلك بمثابة منصة صقلت مواهبنا في التواصل.

خلال المرحلة الجامعية -وبناء على رغبة الوالدة- درست تخصص طب الأسنان، لكنني لم أكمله لشغفي بمجال الأعمال، ثم حدث أن رجعت إلى جامعة قطر ودرست العلوم الحيوية الطبية، ومن خبرتي في الحياة، أرى في الدقة واحترام الوقت وصفة النجاح.

هذا الصباح- مقهى الجزيرة يستضيف سيدة الأعمال بثينة الأنصاري
بثينة الأنصاري: تحديات كبرى تواجه مؤسسات العالم أبرزها استقطاب العقول وتدريبها على مهارات التحول الرقمي (الجزيرة)
  • أنت متخصصة في التخطيط الإستراتيجي والموارد البشرية وتطوير المؤسسات، ماذا يعني لك هذا المجال؟

أنا إنسانة منظمة، وأخطط جدول عملي أسبوعيا وشهريا، وهكذا يجب أن تكون حياتنا، وفق رؤية تحقق من خلالها أهدافنا، وهو بمثابة بوصلة نعرف بها من نحن؟ وأين نقف؟ وماذا نريد أن نصبح؟ وكيفية تحقيق ذلك؟ كما يمكننا من تحليل المعلومات والآليات التي ستوصلنا إلى النتائج النهائية وتقييمها.

وقد تحدثت عن هذا التخصص الإستراتيجي خلال أزمة كورونا، حيث دعيت إلى عدد من المناسبات للحديث عنه، بحكم أنني عملت مسؤولة في شركة كبرى للاتصالات في قطر، بقسم التخطيط الإستراتيجي مدة 4 سنوات.

وكما نعرف فهو علم مقتبس من القاموس العسكري وإدارة الحروب والمعارك، ثم انتقل إلى علم الإدارة، ويسمى أيضا بالأداء المتوازن، وقد تطور لتقييم أداء الشركات والوزارات، بناء على طبيعة الشركات وماليتها وعملياتها وعنصرها البشري.

  • في أكثر من مناسبة، تشيرين إلى ضرورة تطوير بيئات العمل بما ينسجم مع مهن المستقبل، ماذا تقصدين بذلك؟

أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن بيئات العمل، هو شكل المكتب وتصميمه وأثاثه والديكور المحيط به، لكن هذا غير صحيح، بيئة العمل تعني وجود رؤية لهذه المؤسسة، وفريق عمل ماهر متطلع للمعلومات الجديدة، ومتقارب فيما بينه بود وصفاء، ومتنافس على تحقيق الجودة.

بيئة العمل الصحية، هي أن أعرف حقوقي وواجباتي، وأكون متطلعا لفرص الغد، أنا اليوم هنا، لكن كيف سأبدو بعد 4 سنوات؟ وما وظيفتي المستقبلية؟ وما الفرص التدريبية التي يجب أن أضمها إلى خطتي؟

ولهذا، أعتقد أن إستراتيجيات العمل يجب أن تتناسب مع وظائف المستقبل، فهناك تحديات كبرى تواجه المؤسسات في العالم، وأبرزها ضرورة تأهيل الموظفين واستقطاب العقول وتدريبها على مهارات تستجيب للتحول الرقمي.

أما في بيئاتنا، فأنا أرى أن أداء المؤسسات التي نطمح إليها، لا يتناسب مع التشريعات والقوانين التي تنظم بيئات العمل، ولا تتناسب مع التحول الرقمي، حيث تبدو بعض الذهنيات والعقليات في كثير من المؤسسات والشركات، مستأنسة بمنطقة الراحة، ومعجبة بخط سيرها، وبعيدة كل البعد عن تحديات المستقبل، ولا تولي أي اهتمام بأي تحول كيفما كان نوعه.

ترى الأنصاري أن الدراسات الاستشرافية ضرورية للاستعداد المستقبل وتحدياته (الجزيرة)
ترى الأنصاري أن الدراسات الاستشرافية ضرورية للاستعداد للمستقبل وتحدياته (الجزيرة)
  • أجريتِ بحثا استشرافيا عن التخصصات المطلوبة لعام 2040، كيف تلخصين الاستنتاجات التي توصلت إليها؟

كثيرا ما استوقفتني كلمة استشراف، وهي بخلاف التخطيط الإستراتيجي. الاستشراف يكون مبنيا على سيناريوهات وتفكير خارج الصندوق، ليس القصد منه التكهن، بل تقييم الوضع الحالي ومعرفة ما لدينا من وسائل وإمكانات قادرة على مواجهة تحديات المستقبل، من خلال استغلال البيانات والمعلومات المتغيرة بشكل سريع، وأشرت إلى كثير من ذلك في البحوث التي أجريتها بهذا المجال.

هو علم جديد في علوم الإدارة، له شواهد في السابق، ففي روسيا كانت هناك وزارة اسمها وزارة المستقبل، وفي بريطانيا كانت تصدر مجلة تعنى بدراسات المستقبل، كما أن الأمم المتحدة حين أقرت أهداف التنمية المستدامة، بنت خططها على دراسات مستقبلية، تتوقع حدوث كوارث وتغيرات مناخية، وكذلك ارتفاع البطالة وغياب تكافؤ الفرص، واستفحال اللامساواة بين المرأة والرجل، وبالتالي لا بد من التصدي لها بإجراءات استباقية.

لقد مرّ العالم بسلسلة ثورات، من الثورة الصناعية إلى ظهور الكهرباء، ثم الكمبيوتر، وصولا إلى الروبوت، وكلها مراحل علمية كانت لها خصوصياتها وأداؤها الذي غيَّر حياة الإنسان، لكن القادم مختلف، وهذا ما تحدث عنه العالم الاقتصادي رجل الأعمال الألماني كلاوس شواب في المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2015، بأن العالم يلج ثورة صناعية رابعة.

  • ما التخصصات التي ستفرض نفسها بقوة، وتلك التي ستختفي مستقبلا؟

بما أن العالم قد دخل فعلا الثورة الصناعية الرابعة، بما تحمله من تحول رقمي، وذكاء اصطناعي، وعلم الجينوم، وتجارة إلكترونية، وجيل خامس للاتصالات، فأنا أرى أن الوظائف المطلوبة في هذه المجالات لا تتناسب مع الموجود اليوم، ولا أقول إنها ستختفي، حيث لا توجد أرقام وإحصاءات تشير إلى ذلك، لكن الذكاء الاصطناعي سيستحوذ على حياتنا اليومية ببلوغ 2040.

فقد نشهد اختفاء مهن ووظائف عديدة، كوظائف المعلمين والسائقين وأمناء المكتبات والمراسلين، وموظفي خدمة العملاء، بل حتى الأطباء في بعض التخصصات، لأن الذكاء الاصطناعي سيعوّضهم، وسيكون الطلب كبيرا على الكفاءات القادرة على استغلال الذكاء الاصطناعي، كالأطباء المتخصصين في علوم الجينات والأوبئة والأمراض الانتقالية، والمحللين الماليين والمستشارين، ومهندسي البرامج ومحللي البيانات.

  • كخبيرة في هذا المجال، ما الاستعدادات المطلوبة اليوم لمواجهة تلك التحديات التي ترين أنها آتية لا ريب فيها؟

لا بد من وضع إستراتيجيات ناجعة، تبدأ بتقييم الوضع الحالي وقياس مهارات الموظفين وما تحتاجه المؤسسات مستقبلا، وهذه جهود بحاجة لموارد مادية وبشرية، لأن كل الأعمال الرتيبة التي لا تواكب التغيير ستختفي، وقد لاحظنا أن بعض المؤسسات بدأت تعتمد بعض التطبيقات والحلول التكنولوجية الحديثة، لكن ذلك لا يؤهلها أن تدّعي التحول الرقمي، ربما هو استخدام لتقنيات جديدة، وتطوير معاملاتها اليومية، بما يحسن الإنتاجية وخدمة العملاء، لا أكثر.

 

  • تصدرت صورتك مؤخرا غلاف مجلة "Insights Success" بعد أن اختارتك من بين 10 رواد أعمال هم الأكثر تأثيرا في العالم في مجال تمكين المرأة والتعليم، كيف تلقيت هذا الاعتراف؟ وما الذي تعزز لديك؟

كان اعترافا وتتويجا للجهود والمبادرات التي بذلتها طوال سنين، وتقديرا لمسار أشتغل فيه دون انقطاع بمحتوى مختلف، لإيماني بأهمية صناعة علامة شخصية متميزة عن الباقين.

وهذا اعتراف بإسهامي في ريادة الأعمال والمبادرات والمشاريع التي قمت بها، خاصة في قضايا التعليم وثقافة المرأة، وما له علاقة بالتخطيط الإستراتيجي وتخطيط المؤسسات وتمكين المرأة، ونهجي في ذلك التميز في طرح القضايا الدقيقة، وقد ألفت عددا من الكتب بهذا الشأن، وشاركت في كثير من المؤتمرات، وفعّلت عددا من المبادرات الإعلامية التي تدعم المرأة وتمكينها.

  • "تمكين المرأة"، يثير هذا الموضوع جدلا إعلاميا وأكاديميا يختلف بحسب المرجعيات، أين ترين المنطقة الوسطى التي يجب ألا تختلف حولها الآراء مهما تعددت؟

هناك سوء فهم لمصطلح "التمكين"، فحين نتحدث عنه لا نعني تحقيق المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق العادية، بل في العمل والصحة والتعليم والاحترام والمكانة الاجتماعية، والترقيات، وعضوية الشركات الربحية وليس التطوعية والمجالات الخيرية فقط، وهذا ما سعيت له في انتخابات مجلس إدارة إحدى شركة الاتصالات في قطر، كعضو مستقل.

نحن لا نزال في المراحل الأولى للاعتراف بقيادة المرأة في أدوار مختلفة، وعندما يقولون إن المرأة أصبحت وزيرة أو مسؤولة، أرد عليهم كم عددهن؟ لا شك أنهن قليلات، وهذا لا يستجيب لتطلعاتنا وطموحاتنا، أنا أرى أن هناك عدم إيمان بقيادة المرأة، ولهذا علينا الاشتغال على البيئة المحلية، وأن نربي أبناءنا على عدم وجود فوارق بين الرجل والمرأة.

في قطر مثلا، نرى أن القادة وصناع القرار جميعهم في صف المرأة وتمكينها ورفع مشاركتها، إلا أن المشكلة تكمن في عقليات بعض المسؤولين التي يشوبها قصور كبير، فالتشريعات موجودة، لكن أثناء تطبيقها، تظهر نظرات استغراب لدى بعضهم، صراحة هناك عقليات لا تؤمن بقيادة المرأة.

ورغم ذلك، نراهم في الإعلام ينوهون بمشاركة المرأة، وأنا أرد عليهم أين هي؟ هي موجودة في الوظائف الرتيبة والعادية جدا، نحن نريد المرأة في المناصب القيادية، نحن عددنا قليل، والقياديات النشيطات اقتصاديا والفاعلات معدودات، ولهذا، لا بد من نشر المؤشرات الحقيقية، لأن ما في أيدينا من تصنيفات لا يكون صورة متكاملة، وهذه دعوة لجهاز الإحصاء لإجراء دراسات متخصصة، واقتراح توصيات في هذا الشأن.

  • برأيك، هل استفادت المرأة القطرية من الجهود المختلفة التي تحقق لها التمكين المطلوب سياسيا ومجتمعيا؟

نعم استفادت من مكاسب في الحقوق والواجبات، وهناك أمثلة، وأحدها أن 30% من المناصب تشغلها سيدات، ولكن هناك قوانين وتشريعات بحاجة لإعادة النظر، كضمان حقوق أبناء القطريات من غير القطريين، وتمتيعهم بالجنسية، وكذلك ساعات العمل وإجازات الأمومة والحضانة، وفرض قوانين صارمة تحتم وجود المرأة في مجالس إدارات الشركات الربحية، وتحديد عتبة تلك المشاركة.

لقد كان قرار سمو أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بتعيين 4 نساء في مجلس الشورى عام 2017 صريحا وواضحا، وقبله دخلت المرأة إلى المجلس البلدي، ولهذا نريد تشريعات أخرى تصدر وتطبق بحذافيرها.

  • كيف يمكن إعادة صياغة الأسئلة الملحة حول قضايا المرأة ضمن نقاش مجتمعي أكثر استفاضة؟

في كتبي تحدثت عن ذلك، هناك حاجة كبرى لنقاش مجتمعي موسع يناقش قضايا المرأة، وتمكينها من المجالات الحيوية إلى جانب الرجل، لأننا لا نزال نتطلع لحدوث نقلة كبيرة في مجال المرأة، في حقوقها وإسهاماتها.

  • باعتبارك عضوة سابقة في مجتمع سيدات الأعمال في قطر، ما الذي يحتاجه ليتطور أكثر؟

لقد حدثت نقلة نوعية في مجتمع سيدات الأعمال، لكنهن بحاجة لفعالية أكبر ودعم، ومظلات تعزز ريادتهن، قطر أصبحت مركزا عالميا، وبالإمكان رؤية سيدات أعمال يشار إليهن بالبنان.

طورت الأنصاري تطبيق طفحات الذي يمزج بين الاستفادة واستغلال الوقت (الجزيرة)
طورت الأنصاري (يمين) تطبيق صفحات الذي يمزج بين الاستفادة واستغلال الوقت في القراءة المسموعة (الجزيرة)
  • كنت وراء فكرة تطبيق "صفحات" للكتب المسموعة في مجالات التدريب، كيف جاءت الفكرة؟

تولدت لدي الفكرة من علاقتي مع أولادي، هم يفضلون السماع على القراءة، ومن ثم اخترت أن أنجز تطبيقا قطريا بجهود ذاتية، فتوسع ليشمل مجالات التدريب.

فكرة المزج بين الاستفادة واستغلال الوقت رائعة، هناك مشاريع رقمية تحتاج حاضنة لدعمها، وما لدى عدد من المؤسسات لا يسمن ولا يغني من جوع، ويجب إعادة النظر فيه.

  • بعيدا عن العمل والاهتمامات الوظيفية، كيف تحقق السيدة بثينة الانسجام بين دورها المجتمعي ومتطلباتها الأسرية؟

من السهل أن أقول إنني أحقق التوازن، لكن الحقيقة عكس ذلك، من الصعب على المرأة أن توازن بين بيتها وزوجها وأطفالها وطموحاتها الشخصية، ومن يرفعن شعارات التوازن يسوّقن لصورة غير موجودة.

الأمر يصعب أحيانا، ولهذا يجب أن نضحي، مع إبقاء الأولوية للبيت طبعا، ولو كان على حساب الطموح الشخصي.

المصدر : الجزيرة