معاناة جديدة بسبب كورونا.. أطفال التوحد يواجهون صعوبات التعلم عن بعد في إندونيسيا

سلمى الطفلة التي قارب عمرها 10 سنوات واحدة من مليونين و400 ألف شخص في إندونيسيا يعانون من التوحد، وعمّق وباء كورونا معاناتهم اليومية، إضافة إلى مئات الآلاف غيرهم من أطفال يعانون من إعاقات مختلفة، وزادت ظروف كورونا من مصاعب حياتهم.

تقول هاريانتي كيرتو دينومو والدة الطفلة سلمى إن حالتها بدت طبيعية عند ولادتها، حيث كانت تستجيب للتواصل مع والديها، وتتلفظ ببعض الكلمات، لكن بعد أن بلغت 15 شهرا من عمرها لم تجد والدتها منها أي استجابة لفظيا أو بصريا، بعد أن أصيبت بالحمى من دون أن يعرف سبب ذلك، ولم تعد تستجيب لأي طلب أو نداء، وبعد شهور عدة، أخذتها إلى أحد المستشفيات الحكومية ليتأكد أنها مصابة بالتوحد، ولتبدأ رحلة معاناتها وأسرتها، ومتابعة جلسات العلاج أسبوعيا.

ثم تبع ذلك مرض والدها، الذي أجبره على التوقف عن العمل، لتقوم الأم بأعمال منزلية في الحي الذي يسكنون فيه في بلدة بيكاسي (شرق جاكرتا)، لتنفق على علاج زوجها ومعيشتهم، وتتوقف جلسات علاج سلمى، فالوضع الاقتصادي لم يعد يسمح بذلك، ولم تدم الحال طويلا، ليتوفى الزوج وسلمى تبلغ من العمر 3 سنوات.

اليوم، وبعد نحو 7 سنوات تستذكر هاريانتي رحلة علاج سلمى بعد وفاة والدها، التي بدأت عندما التقت هارياتني معالجة متخصصة بدأت معها بعض جلسات العلاج، ثم لمحت يوما سيارة عليها شعار لمؤسسة تشرف على دور لرعاية التوحد، ومن هنا عرفت هذه الدار، التي أفادت سلمى كثيرا، لتصبح أكثر استقلالية في نشاطها اليومي، وقراءتها وكتابتها، وتلاوتها بعض سور القرآن الكريم مع أطفال الحي كل مساء.

كفاح الوالدين

تقول هاريانتي في حوارها مع الجزيرة نت "أعيش وحيدة وبعيدة عن أسرتي، وكان علي أن أكافح وحدي، وأنا أشكر الله تعالى على أن منحني هذه الطفلة بما تتميز به، فلقد تعلمت كثيرا من عيشي معها، لعل الله أعطاني هذه البنت لأنه يعلم قدرتي على العناية بها، وهنا أقول لكل أب وأم لديهم طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة ألا يخجلوا من ذلك، بل كافحوا من أجلهم، من أجل مستقبل أفضل لهم. والتحقت بمجموعات عديدة في مواقع التواصل الاجتماعي لأسر تعيش الحالة نفسها، ندعم ونشجع بعضنا البعض، وأشعر بحماسة كبيرة اليوم، وكلما حصل تطور ولو ضئيلا في حالة أطفالنا فإننا نشعر بالسعادة، مثل قدرة الطفل على اللعب بالدراجة الهوائية بعد تدريب على ذلك لمدة طويلة وبشكل يختلف عن الأطفال الآخرين".

وتضيف والدة سلمى أنها تشعر بالامتنان لدار رعاية أطفال التوحد، لأنهم يدعمون الأطفال من الأسر الفقيرة، وقالت "كل شيء يعتمد في نهاية المطاف على الوالدين، فسر نجاح أي علاج يبدأ مع الوالدين، فنحن نعرف حالة الطفل أكثر من غيرنا، والمعالجون يساعدون فقط لا غير، ونتعلم منهم أساليبهم لنطبقها في المنزل، ولن تتحقق الفائدة لو لم نواصل العلاج في المنزل بعد القيام بذلك في الدار من قبل المعالجين".

التعليم عن بعد غير مناسب

وتقر هاريانتي بأنها لم تحصل على تعليم عال مما جعلها تشعر بأن التعليم عن بعد بالنسبة لسلمى في ظل وباء كورونا قد زاد مسؤولياتها، وكان عليها أن تقسم وقتها بين واجباتها المختلفة، لا سيما أنها تعمل في غسل وكي الملابس لتضمن مصاريف عيشها وابنتها في منزلهما المتواضع الذي تستأجره، وتقول إنها تفضل أن تتابع سلمى تعليمها بشكل مباشر مع معلميها في دار الرعاية أو المدرسة بدل التعليم عن بعد، وإرسال التسجيلات المصورة والصوتية كل يوم لما تقوم به من واجبات منزلية.

وتأمل هاريانتي كغيرها من الآباء والأمهات أن تتحسن حال ابنتها، وتصبح قادرة على التواصل والاختلاط في المجتمع كغيرها، ولهذا فهي تكرس حياتها من أجل مستقبل ابنتها، وتقول "لا يتقبل كل أفراد المجتمع الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، مما يدعو بعضهم إلى التوجه للعزلة خجلا، لكنني أقول كأم إن علينا تشجيع هؤلاء الأطفال؛ فالله سبحانه وتعالى اختارنا لهذه المهمة، وعلينا أن نكافح ونتقبل الطفل مهما كانت حالته، ولقد رأيت البعض يخفي الطفل في منزله خجلا، مع أن هذا الطفل له الحق في اللعب والتعلم كغيره، ونحن كأولياء أمور علينا منحه هذا الحق".

تجربة 16 عاما

من جانبها، تقول مديرة دار رعاية أطفال التوحد إسمو نورة بنت أونتونغ واسيتو إنها عندما بدأت التعامل مع مشكلة التوحد قبل نحو عقدين كانت غريبة بالنسبة لكثيرين، وكان الأطباء المتخصصين في هذا الشأن قلة، وفي القرى وأطراف المحافظات كان أمر صعبا للغاية بالنسبة للأسر الفقيرة التي لديها طفل يعاني من التوحد، وغير ذلك من أشكال الإعاقة.

وكان التصور في جاكرتا وما حولها قبل نحو عقدين أن علاج هذا الأمر مكلف، وخاص بالأغنياء والمقتدرين ماليا، ومرتبط بأغلى الأطباء والمدارس والمكملات الغذائية، ومن هنا ولدت فكرة تأسيس مؤسسة خيرية تشرف على دور لرعاية أطفال التوحد من غير المقتدرين ماليا، من ذوي الدخل المحدود، فأطفال التوحد موجودون بين الأسر الفقيرة أيضا، وليسوا بين الأغنياء فقط، كما تضيف إسمو نورة في حوارها مع الجزيرة نت.

وتحقق ذلك الهدف عام 2004 عندما أسست مؤسسة "تشاهيا كيلوراغا فطرة" (تعني بالإندونيسية مؤسسة نور فطرة العائلة) لرعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة بمختلف معاناتهم، واليوم أصبحت لها 7 فروع في جاكرتا ومحافظات ومدن أخرى، هي باندونغ وبيكاسي وبوغور وكاراوانغ وديبوك وتانغرانغ، وهي المناطق المحيطة بجاكرتا غربا وشرقا وجنوبا، حيث الاكتظاظ السكاني.

ويعمل في تلك الدور أكثر من 70 متطوعا معالجا لأكثر من 200 طفل من ذوي الاحتياجات الخاصة، 80% منهم من الأسر الفقيرة ومتوسطة الحال، في ظل تقاعس مؤسسات خيرية وإنسانية شهيرة عن دعم هذه الفئة في المجتمع الإندونيسي.

وتقول مديرة دار رعاية أطفال التوحد إن التعامل مع هذه الفئة من الأطفال ليس سهلا، فهناك حاجة للسير ضمن مراحل تدريجية من الملاحظة والتشخيص وتحديد العلاج المطلوب وفترته، ولهذا فمستويات وبرامج العلاج مختلفة ومتباينة، تبعا لمحدودية قدرات التواصل والسلوك والتعلم لكل طفل، ولكل حالة علاجها، كما أن في الدار برنامجا خاصا لإعداد أطفال التوحد ليكونوا قادرين على الالتحاق بالمدارس العامة لمن هم دون سن السابعة، والبعض قد تكون حالته صعبة ويضطر لمتابعة دراسته في المؤسسة لسنوات حتى يقدر على اللحاق بمدرسة عامة مع غيره من الأطفال.

معاناة سلوكية ونفسية ومادية

وضاعف وباء كورونا معاناة الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث إن فترة الحجر الصحي وتقليل حركة الخروج إلى المدارس والتنقل شكلت بالنسبة لهم أمرا غير مفهوم، ويصعب عليهم إدراك مخاطره، وزاد من تدهور حالتهم الصحية في ظل عدم متابعتهم جلسات العلاج والمتابعة في دار التوحد والعيادات لشهور، كما أن الأطفال من هذه الفئة لا يقدرون على التعبير عما يدور في داخلهم تجاه التطورات الجارية من لبس الناس الكمامات والتباعد الاجتماعي الذي ظل مفروضا بنسب متفاوتة لأسابيع وشهور، حتى فترة قصيرة.

وزادت الحالة الاقتصادية للأسر الفقيرة الوضع سوءا، فكثير من أربابها فقدوا العمل مؤقتا أو طوال الفترة الماضية، مما جعلهم يعيشون تحت ضغوط اقتصادية واجتماعية تراكمت مع الوباء، وانعكس هذا الأمر كما تقول إسمو نورة أونتونغ واسيتو على الحالة النفسية للأطفال ممن لم يلتحقوا بالدراسة وجلسات العلاج ولم يختلطوا بأصدقائهم لشهور، ولذلك قررت مؤسسة دور رعاية أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة إعادة فتح أبوابها من جديد، لإدراكها أن هؤلاء الأطفال يختلفون عن غيرهم من عامة الأطفال ممن يتابعون الدراسة عن بعد من خلال تطبيقات الاتصال المرئي.

لكن جانبا آخر تأثر بفعل أوضاع الوباء الاقتصادية، فالدعم لدور أطفال التوحد تراجع في الأشهر الأخيرة، ولم يعد بالقدر اللازم لتسيير نشاطها، وليست هناك جمعية أو جهة إنسانية محلية أو دولية تكفل نشاط هذه المؤسسة المتخصصة في الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل كامل، مما يجعلها تعتمد على تبرعات الأفراد المتفرقة، والتي تصلها بشكل متقطع من حين لآخر.

المصدر : الجزيرة