حولت أحلام العديد من المبتكرين لواقع.. تأثير أفلام الخيال العلمي على تطور التكنولوجيا الرقمية

يقول رجل الأعمال الأميركي ستيف وزنياك -الذي شارك في تأسيس شركة آبل- إن "الكثير من الخيال العلمي يبدأ كحلم في رأسك يرافقك أينما تذهب… وبعد ذلك يقوم خبراء التكنولوجيا بتحويله إلى حقيقة واقعة".

LAS VEGAS, NV - JUNE 09: A model of the USS Enterprise from the 'Star Trek' movie franchise is displayed during the Licensing Expo 2015 at the Mandalay Bay Convention Center on June 9, 2015 in Las Vegas, Nevada.
سلسلة أفلام حرب النجوم كانت مصدر إلهام للعديد من المبتكرين (غيتي)

كانت ولا تزال أفلام الخيال العلمي مصدر إلهام للعديد من المبتكرين، وقد تناولنا بالجزء الأول -من مقال سابق- بعض هذه الأفلام التي رسمت ملامح الاختراعات للأجيال الجديدة من المخترعين، والآن في الجزء الثاني سنتطرق لبقية الأفلام التي أصبحت دليلا لأجيال من المطورين:

"رحلة النجوم" (Star Trek).. حلقة النسب من إنتاج 1993

عرض الجزء الأول من "حلقة النسب" (Descent) على شاشة التلفزيون عام 1993، ضمن سلسلة "الجيل القادم" (The Next Generation). وتدور أحداث هذا الجزء عام 2369 م.

ونرى في هذا الجزء رئيس العمليات الروبوت داتا يجلس مع إسحاق نيوتن وألبرت أينشتاين وستيفن هوكينغ خلف طاولة مستديرة يلعبون البوكر ويتسامرون في غرفة هولوغرامية خاصة أطلق عليها "هولوديك" ضمن سفينة الفضاء التي تبحر في أعماق الكون.

وقد تطورت تقنيات الواقع الافتراضي -التي تمكّنك من الدخول ضمن الألعاب والأماكن الافتراضية- خلال العقد الماضي بشكل كبير، ويتطلب استخدامها ارتداء نظارات الواقع الافتراضي.

أما الواقع المعزز -الذي يضيف معلومات أو أشكال أو كائنات إلى الواقع الفعلي الذي نشاهده- فتتطلب استخداماته المتقدمة ثلاثية الأبعاد ارتداء نظارات الواقع المعزز الذكية.

وبينما الألعاب الحديثة التي تمزج بين الواقع الافتراضي والإسقاط الهولوغرامي (ثلاثي الأبعاد)؛ فتجري ضمن غرف خاصة، وقد أطلق عليها مشغلوها اسم "هولوديك" بهدف ربطها بمسلسل "رحلة النجوم" على الرغم من أنها تختلف عنها، فهي تتطلب ارتداء نظارات خاصة أيضا، فيما لا تحتاج غرفة "هولوديك" في "رحلة النجوم" إلى ارتداء نظارات، بل يتم إسقاط الشخصيات المجسمة ذات الأبعاد الثلاثية باستخدام أجهزة إسقاط هولوغرامية، وهو أمر متوفر حاليا في حالة النقل المباشر للشخصيات الحية.

أما بالنسبة للشخصيات التاريخية، فهو متوفر أيضا لحالات محددة كما تم مع المغنيين الراحلين مايكل جاكسون وإلفيس بريسلي، لكن بناء الشخصيات التاريخية ومحاكاة سلوكها الفعلي والتحاور معها بشكل سلس لا يزال قيد التطوير وربما يتطلب عقدا آخر من الزمن لتحقيقه.

"تقرير الأقلية" (Minority Report).. إنتاج 2002

يعتبر هذا الفيلم من أكثر أفلام الخيال العلمي إلهاما لشركات التكنولوجيا، فقد تضمن العديد من التكنولوجيات المستقبلية التي استطاع الخبراء لاحقا تطوير قسم منها، فيما لا يزال العمل جاريا على تطوير قسم آخر.

ومن هذه التكنولوجيات الإعلانات المفصلة لتلبية احتياجات كل شخص على حدة، والفيديو ثلاثي الأبعاد، والصحيفة الإلكترونية التي تجدد محتوياتها آليا، ومسح قزحية العين عن بعد، والتحكم بالبرامج والألعاب من خلال الإيماء، والروبوت العنكبوت، والسترة التي تمكن الإنسان من الطيران.

وباتت العديد من البلدان تستخدم تقنية مسح قزحية العين عند المعابر الحدودية للتعرف على الشخص، ومن بينها دول عربية، ولكن يجب أن تلاصق عينك الكاميرا تقريبا من أجل الحصول على النتيجة المطلوبة.

أما في الفيلم فإن التعرف يتم وأنت على بعد نصف متر أو أكثر من الكاميرا وفي حالة حركة.

وبما أننا نشهد تحسنا يوميا في أداء الكاميرات وأجهزة الكمبيوتر، فيمكننا التوقع أننا سنصل إلى هذا المستوى قريبا.

أما تكنولوجيا التعرف على الإيماءات -أي التحكم بالتلفزيون الذكي أو الحاسوب من خلال التلويح باليدين التي استخدمها رئيس وحدة التوقع المسبق للجرائم "توم كروز" في الفيلم- فقد أصبحت متوفرة منذ عدة سنوات.

بدأت شركة "سوني" (Sony) بتطوير هذا النوع من التقنيات قبل عرض الفيلم، لكن نسختها التي تعمل على "البلاي ستيشن 2" (PlayStation 2)‏ -والتي تسمى "آيتوي"- فقد تم إطلاقها عام 2003، وتعتبر من أوائل الأجهزة التي يمكن التحكم بها من خلال الإيماءات.

أما فكرة التوقع المسبق للجرائم، فظهرت في الفيلم من خلال عرافات متحولات، وليس بطريقة علمية، غير أن فيلم وثائقي جديد -عرض في مهرجان "تورونتو" للأفلام الوثائقية 2017 باسم "ما قبل الجريمة" (Pre-Crime)- أظهر أن هذه الفكرة اقتربت من أن تصبح واقعية في العديد من بلدان العالم، من خلال تحالف إدارات الشرطة مع شركات خاصة لاستخدام البيانات العامة والمعلومات الشخصية، وخوارزميات التنبؤ الذكية لتوقع الجرائم المرجح حدوثها، ووضع قائمة تضم أسماء أشخاص وأماكن يمكن أن يكون لها علاقة بها.

"التسامي" (Transcendence).. إنتاج 2014

هل يمكن تحميل بيانات ونظام تشغيل دماغ الإنسان إلى الكمبيوتر؟ هذا ما يدور حوله فيلم "ترانسيندنس"؛ حيث يتم تحميل نظام تشغيل وبيانات دماغ عالم عبقري هو الدكتور ويل كاستر (يقوم بدوره جوني ديب) إلى حاسوب فائق الذكاء ومن ثم نشره على شبكة الإنترنت، مما يسمح له بالحياة الافتراضية ويؤدي إلى تنامي قدراته بسرعة فائقة، والوصول إلى الحياة الأبدية.

وربما تبدو هذه الفكرة مجنونة وخيالية، لكن رجل الأعمال الملياردير الروسي ديمتري إيتسكوف (41 عاما) يسعى للخلود من خلال تحويلها إلى واقع، أي من خلال نشر كافة بيانات دماغه على كمبيوتر عملاق بحلول العام 2045.

كان إيتسكوف متأكد 100% من نجاحه، وقد استثمر عشرات الملايين من الدولات لتحقيق هذه الغاية. ويقول "يسمي بعض العلماء تلك العملية بنقل العقل إلى الكمبيوتر، أما أنا فأفضل تسميتها نقل الشخصية".

من جهة أخرى، انطلق في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2013 في مدرسة لوزان الاتحادية للفنون التطبيقية السويسرية مشروع لمحاكاة العقل البشري ممول إلى حد كبير من قبل الاتحاد الأوروبي.

ويهدف هذا المشروع إلى بناء نظام مماثل لبنية الدماغ والمعلومات التي يحتويها ونشاطه على أجهزة الكمبيوتر. ويمتد هذا المشروع لمدة 10 سنوات؛ حيث ستظهر نتائجه عام 2023، وإذا حالفه النجاح فسوف يقرب الإنسان من مفهوم الخلود الرقمي.

"هروب" (Runaway).. إنتاج 1984

يلعب توم سيليك دور ضابط الشرطة جاك رامزي المكلف بتعقب الروبوتات الخطرة. وعندما يدخل أحد الروبوتات الهاربة منزلا في داخله طفل؛ يرسل الضابط كاميرا "طائرة مسيرة" (drone) يتم التحكم فيها عن بعد داخل المنزل.

ويتنبأ هذا الفيلم بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار أيضا بانتشار روبوتات الخدمات العامة والمنزلية، والرسائل عبر الفيديو، ووسائل التواصل الاجتماعي، والإنترنت، وأجهزة الكمبيوتر التي يتم التعامل معها بالصوت، والتعرف على الأشخاص عبر شبكية العين، وأجهزة الكمبيوتر اللوحي، وسماعات الرأس اللاسلكية.

إن أفلام الخيال العلمي كثيرة، وهي مشوقة من جهة وملهمة من جهة أخرى. وهذا ما يراه ستيف وزنياك -رجل الأعمال الأميركي الذي شارك في تأسيس شركة "آبل" (Apple)- إذ يقول إن "الكثير من الخيال العلمي يبدأ كحلم في رأسك يرافقك أينما تذهب… وبعد ذلك يقوم خبراء التكنولوجيا بتحويله إلى حقيقة واقعة".

المصدر : الجزيرة