"برناص".. مشجع الأفريقي التونسي تبرع بأموال علاجه من السرطان لسداد ديون النادي

صورة عدد 6 ـ جمال برناص خلال حضوره إحدى مباريات النادي الإفريقي copy.jpg

مجدي السعيدي-تونس

لكرة القدم عالمها الخاص وأسرارها التي غالبا ما ارتبطت بالأهداف والانتصارات والألقاب، لكن الساحرة المستديرة، كثيرا ما قدمت قصصا إنسانية رائعة لم يكن أبطالها اللاعبين ولا المدربين، وإنما كتب فصولها المشجعون الأوفياء الذين أصبحوا أبطالا حقيقيين لقصص عنوانها الوفاء لأنديتهم.

ووسط أزمة الديون الخانقة التي عصفت بالنادي الأفريقي التونسي خلال الأشهر الأخيرة، وجعلته عرضة للعقوبات من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، هبت جماهير "فريق الشعب" مثلما يلقب في تونس، لدعم ناديها بالأموال لإنقاذه من براثن عقوبات الفيفا التي قد تصل لهبوطه للدرجة الثانية.

واستحوذ مشجعو نادي "باب الجديد" -أحد أبواب المدينة العتيقة بالعاصمة ومركز النادي الأفريقي- على اهتمام وسائل الإعلام عبر العالم، ولكن قصة واحدة اخترقت القلوب، هي قصة المشجع جمال التوجاني الشهير باسم "برناص" الذي أثار مشاعر الكثيرين عندما قرر التخلي عن الأموال المخصصة لعلاجه الكيميائي من مرض السرطان ليودعها في صندوق التبرعات الذي خصصه اتحاد كرة القدم بتونس لسداد ديون النادي.

وعلى غرار الآلاف من المشجعين الذين هبوا لإيداع تبرعاتهم، وقف جمال -وهو مصور صحفي رياضي وموثق لأرشيف كرة القدم في تونس- في طابور طويل أمام خزينة البنك، وكان يحمل الأموال المخصصة لإجراء التحاليل والفحوصات الكيميائية للعلاج من المرض ولكن ماذا تعني حياته وفريقه الذي يسري حبه في دمه مهدد بالإفلاس والاندثار؟ على حد قوله.

يروي جمال للجزيرة نت دوافع قراره تخصيص أموال حصص العلاج والفحوصات الطبية لمساعدة النادي الأفريقي، فيقول "كنت أستعد للذهاب للمصحة لإجراء جلسة العلاج الكيميائي، وأنا أتابع تدفق الجماهير للتبرع، لم يستغرق الأمر الكثير من التفكير بالنسبة لي، أرجأت العلاج والفحوصات الطبية وقررت أن أتبرع بتلك الأموال، لا معنى لحياتي دون الأفريقي فعشق "الغالية" (النادي) بمثابة الهواء الذي أتنفسه".

‪برناص فضل التبرع بأموال علاجه من السرطان لناديه رغم احتياجه للعلاج الكيميائي‬ (الجزيرة)
‪برناص فضل التبرع بأموال علاجه من السرطان لناديه رغم احتياجه للعلاج الكيميائي‬ (الجزيرة)

وحول ردة فعل أفراد عائلته، يقول برناص "ابنتي البالغة من العمر 15 عاما وجدت في ذلك مصدر فخر لها بين أقرانها في المدرسة، في حين لم تعلق زوجتي على الحادثة، هي أكثر من يعرف مدى عشقي للنادي، أحمد الله أني تماثلت للشفاء الآن ولم أبخل على فريقي بالعون في الوقت نفسه".

وأثار جمال تفاعل الكثيرين في الأوساط الكروية، إذ أعلن رئيس اتحاد كرة القدم وديع الجريء في إذاعة "شمس أف أم" الخاصة أنه يسعى للاتصال بهذا المشجع لمساعدته ماديا كونه رمزا للوفاء والتعلق بفريقه، كما عرضت عليه رابطات المشجعين المساعدة في توفير أموال علاجه لكنه رفض ذلك، بحسب قوله.

لم يكن الكثيرون يعرفون عن برناص -وهو اللقب الذي يعرف به في أوساط جماهير الأفريقي- سوى أنه المصور الصحفي رقم واحد لجماهير الملاعب من خلال عدسته التي وثق بها مئات المقابلات، وحفظها ضمن أرشيف مكتبته الضخمة لصور وفيديوهات كرة القدم في تونس ولكن تضحيته بصحته من أجل النادي دعمت مكانته في قلوب المشجعين.

‪برناص وثق بكاميرته كل مباريات النادي الأفريقي‬ (الجزيرة)
‪برناص وثق بكاميرته كل مباريات النادي الأفريقي‬ (الجزيرة)

ويرى عضو رابطة مشجعي الأفريقي غسان السويسي أن "ما قام به المشجع جمال أمر فوق الوصف والخيال، من الصعب أن نتخيل أن شخصا عرّض حياته للخطر من أجل كرة القدم وحبا في فريقه، نحن إزاء قصة فيها من معاني الوفاء ونكران الذات بقدر ما فيها من الرسائل والمبادئ النبيلة للرياضة ولجماهير الملاعب بوجه خاص".

ويقول السويسي للجزيرة نت، "الكثير من الأثرياء وكبار المسؤولين تخلوا عن الفريق في الظرف الصعب ولم نجد سوى المشجعين الأوفياء لانتشاله من خطر الإفلاس، نتمنى أن تكون مبادرة جمال حافزا يحرك مشاعر المسؤولين الميسورين للقيام بشيء ما لحفظ ماء الوجه".

ومنذ أكثر من أربعة أشهر دخل النادي الأفريقي في دوامة الأزمات المالية وتفاقمت ديونه، وفي سبتمبر/أيلول الماضي خصم الفيفا ست نقاط من رصيد النادي بالدوري التونسي الممتاز نتيجة تأخره في سداد مستحقات نادي مولودية العلمة الجزائري من صفقة انتقال اللاعب إبراهيم الشنيحي للأفريقي في صيف 2016.

ودفع تراكم الديون الاتحاد التونسي في 30 سبتمبر/أيلول الماضي إلى فتح حساب بنكي لجمع التبرعات لسداد ديون النادي التي ناهزت حسب الأرقام الرسمية 18 مليون دينار (6.5 ملايين دولار)، ووصل حجم التبرعات إلى نحو 3.5 ملايين دينار (ما يقارب 1.3 مليون دولار).

ورغم الأزمة الخانقة التي تحيط به، فإن الفريق حقق نتائج لافتة خلال الموسم الحالي وفاز في سبع مباريات وانهزم في واحدة حتى الجولة الثامنة من الدوري.

ويعد الأفريقي ثاني أكثر الأندية التونسية من حيث الألقاب، إذ فاز ببطولة الدوري 13 مرة ومثلها بلقب الكأس، كما كان أول ناد تونسي يرفع لقب كأس أفريقيا للأندية عام 1991.

المصدر : الجزيرة