"عباد الشمس" المثال الأول لها.. النبات أيضا له ساعة بيولوجية مثل البشر

يعد نبات عباد الشمس المثال الأول لساعة النبات البيولوجية التي تعدل النمو في بيئة طبيعية، ولها تداعيات حقيقية على النبات.

الساعة الداخلية للنبات تمكنه من تنظيم عملياته الفسيولوجية والاستقلابية والنمائية (شترستوك)

يؤدي دوران الأرض حول الشمس إلى تغيرات في البيئة، تتمثل في دورات منتظمة من الضوء والظلام والدفء والبرودة. وتؤدي هذه الإيقاعات اليومية إلى دورات بيولوجية يطلق عليها الساعة الداخلية مدتها حوالي 24 ساعة، والتي لها أهمية كبيرة في البقاء على قيد الحياة، لذا يمكن رؤيتها على مدى واسع في البشر والحيوانات والنباتات والفطريات وحتى أنواع البكتيريا. كما أن السمات المميزة لتنظيم الساعة البيولوجية متشابهة جدا في جميع الكائنات الحية.

أهمية الساعة البيولوجية للنبات

تمتلك النباتات ساعات بيولوجية داخلية مثل البشر تماما، وفي حين ينتج إيقاع الساعة البيولوجية للإنسان العديد من التغيرات الفسيولوجية والكيميائية في الجسم، فإن الساعة الداخلية للنبات تمكنه من تنظيم عملياته الفسيولوجية والاستقلابية والنمائية في دورات مدتها 24 ساعة تقريبا، بحيث تحدث في الأوقات المثلى.

فقد وجد في قلب النظام اليومي في كل كائن حي مذبذبات مسؤولة عن توليد إيقاعات الساعة البيولوجية. ويمكن ضبط هذه المذبذبات بواسطة إشارات من البيئة مثل التغيرات اليومية في الضوء ودرجة الحرارة.

عندما تتطابق ساعة النبات البيولوجية مع البيئة من حوله يُلاحظ احتواؤه على المزيد من الكلوروفيل (شترستوك)

يذكر موقع "ناشونال ليبراري أوف ميدسين" (National library of medicine) أن الساعة اليومية تعد منظما معقدا ودقيقا لفيسيولوجيا النبات، وأن أحد العوامل التي دفعت إلى تطور هذا الأمر في النباتات هو حاجتها للتعرض لأشعة الشمس من أجل التمثيل الضوئي. ولأن ضوء الشمس لا يتوفر بشكل مستمر، فإن النباتات عالقة بدورة نهارية ليلية من الضوء ودرجة الحرارة.

النباتات أيضا كائنات مثبتة في الأرض في مكان واحد، وهي غير قادرة على الهروب عندما تصبح الظروف البيئية غير مواتية، لذا فإن الساعة البيولوجية للنباتات تسمح لها بالتأقلم مع البيئة المحيطة المعاكسة، إضافة إلى مزامنة نفسها مع التغييرات التي يمكن التنبؤ بها مثل التغيير من النهار إلى الليل.

عندما تتطابق ساعة النبات البيولوجية مع البيئة من حوله، يُلاحظ احتواؤه على المزيد من الكلوروفيل وتثبيت المزيد من الكربون، ومن ثم ينمو بشكل أسرع. وهذا يضاعف تقريبا إنتاجية النبات مقارنة بالنباتات ذات الساعات اليومية التي تختلف عن بيئتها.

يذكر موقع "ليت آس غرو" (Lett Us Grow) أن الساعة البيولوجية للنبات تسمح أيضا بمطابقة استخدام احتياطات الكربوهيدرات مع مدة الليل، بحيث يضمن النبات أن لديه ما يكفي من الطعام للبقاء على قيد الحياة ليلا.

والنباتات التي تتسبب في تدهور مواردها قبل انتهاء الليل تتعرض إلى "مجاعة الكربون"، مما يؤثر على نموها.

بالإضافة إلى مزامنة عمليات النبات مع البيئة الخارجية، تسمح الساعة البيولوجية اليومية للنباتات والحيوانات بالعمل وفقا للجدول الزمني نفسه. وهذا مفيد جدا في عملية تلقيح النبات التي تعتمد على الحشرات.

فالتنسيق ضروري هنا، وتساعد الإشارات من الساعة البيولوجية اليومية في معرفة الوقت من السنة الذي يجب أن يزهر فيه النبات والوقت في اليوم الذي يجب أن تتفتح فيه الأزهار.

يعد نبات عباد الشمس المثال الأول لساعة النبات البيولوجية التي تعدل النمو في بيئة طبيعية (شترستوك)

الساعة البيولوجية لعباد الشمس

يعد نبات عباد الشمس المثال الأول لساعة النبات البيولوجية التي تعدل النمو في بيئة طبيعية، ولها تداعيات حقيقية على النبات.

ويقول الباحثون في مقال نشر في مجلة "ساينس" (Science) عام 2016، إن تتبع عباد الشمس للشمس يمكن تفسيره بإيقاعات الساعة البيولوجية، حيث تتجه زهور عباد الشمس الصغيرة إلى الشرق عند الفجر لتواجه الأشعة، ثم تتحول ببطء إلى الغرب، في حين تتحرك الشمس عبر السماء. وأثناء الليل، تعود ببطء إلى الشرق لبدء الدورة مرة أخرى.

ووفقا لموقع "إن بي آر" (NPR)، فإن آن سيلفستر، مديرة برنامج أبحاث الجينوم النباتي التابع لمؤسسة العلوم الوطنية الأميركية، تقول "تماما مثل البشر، تعتمد النباتات على الإيقاعات اليومية ليلا ونهارا لتعمل". وتعد زهور عباد الشمس مثل صفائف الألواح الشمسية، تتبع الشمس من الشرق إلى الغرب.

 

كيف يعمل عباد الشمس؟

وجد الباحثون في دراسة 2016 أن تحول عباد الشمس ناحية الشمس دائما ينتج عن استطالة جوانب مختلفة من الساق في أوقات مختلفة من اليوم، حيث تكون معدلات النمو في الجانب الشرقي للنبات مرتفعة أثناء النهار ومنخفضة جدا في الليل، في حين كانت معدلات النمو في الجانب الغربي منخفضة أثناء النهار، وأعلى في الليل.

إن معدل النمو الأعلى على الجانب الشرقي مقابل الجانب الغربي من الساق خلال النهار يمكّن قمّة النبتة من التحرك تدريجيا من الشرق إلى الغرب. وفي الليل، يبلغ معدل النمو الأعلى على الجانب الغربي ذروته في القمة المواجهة للشرق عند الفجر.

ووفقا لمؤلفي دراسة دورية "ساينس"، فإن نبتة عباد الشمس عندما تنضج تتصرف بشكل مختلف، فمع تباطؤ النمو الكلي للنبات تدريجيا فإنه يضمن الإيقاع اليومي بأن يتفاعل بقوة أكبر مع ضوء الشمس في الصباح الباكر مقارنة بفترة الظهيرة أو المساء، لذلك يتوقف تدريجيا عن التحرك غربا خلال النهار.

ما السبب وراء سلوك عباد الشمس؟

وفقا لموقع "ساينس إيه بي سي" (Science ABC)، فإن السبب الواضح وراء تتبع عباد الشمس الأشعة هو تكثيف عملية التمثيل الضوئي.

يتمتع عباد الشمس كذلك بميزة واضحة من حيث التكاثر إذا كان يواجه الشمس، حيث تساعد المواجهة المستمرة نحو الشرق على تدفئة الأزهار بسرعة، وهذا يمنحها ميزة في التلقيح، حيث تجذب الحشرات. لذلك، ومن أجل مصلحة النبات، تواجه الزهرة دائما الشمس وبالتالي تكون مرئية بوضوح لهذه الملقحات المهمة.

وعندما قارن الباحثون الأزهار الناضجة المتجهة نحو الشرق بالزهور التي وجهوها نحو الغرب وجدوا أن الأزهار المواجهة للشرق اجتذبت 5 أضعاف عدد الحشرات الملقحة مقارنة بالأخرى المواجهة للغرب.

المصدر : مواقع إلكترونية