العواصف الترابية تضرب مدن وقرى العراق طوال السنة.. تعرف على الأسباب

ربما تأتي الحلول من خلال توفير مصدر دائم للمياه في المناطق الباعثة للغبار من أجل إدامة النبات الطبيعي لتلك المناطق، فضلا عن أهمية العمل على تطوير مواد بيولوجية أو نانوية تعمل على تثبيت التربة فيها.

A general view of the dust covered sky during a sandstorm in Baghdad
منظر عام للغبار وهو يكسو بغداد خلال عاصفة رملية (رويترز)

بغداد – يدخل أحمد حيدر (16 عاما) نحو 30 مرة إلى المستشفى كل عام، بسبب الاختناق الناتج عن العواصف الترابية التي تضرب العاصمة العراقية بغداد ومدن العراق الأخرى، حيث يعاني من الربو المزمن، كلما اشتد حجم العواصف ودخلت الأتربة إلى المنازل، خاصة أن البلاد تعاني من العواصف الترابية أو ما يسميه العراقيون بالزائر الأصفر منذ عقدين من الزمن، بسبب عوامل تغير المناخ وقلة الأحزمة الخضراء المحيطة بالمدن.

يقول حيدر للجزيرة نت إن العواصف الترابية التي بدت شبه يومية أثرت على صحته وحركته، وعلى التزامه في المدرسة وواجباته، خاصة حينما تشتد يكون مضطرا لمراجعة المستشفى لاستخدام جهاز الأكسجين، مشيرا إلى أن هناك الكثيرين مثله.

ويشهد العراق في عموم مناطقه وخاصة الغربية منه عواصف ترابية طيلة فصول السنة، بسبب تأثره بتغير المناخ وزيادة الجفاف ومعدل التصحر وقلة هطول الأمطار وضعف الإيرادات المائية، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الغبار وهو ما انعكس على حياة المواطنين، خاصة ممن يعانون من الحساسية والربو والتهاب القصبات الهوائية.

أحمد حيدر يدخل المستشفى 30 مرة في السنة بسبب الاختناق الناتج عن العواصف الترابية (الجزيرة نت)

توقعات مقلقة

وتوقعت وزارة البيئة العراقية ارتفاع نسبة تصاعد الغبار في البلاد من 272 يوما في السنة بالوقت الحاضر إلى 300 يوم حتى عام 2050.

وبحسب المدير العام للدائرة الفنية في الوزارة عيسى الفياض، فإن أهم الأسباب التي أدت إلى تأخر تنفيذ الحزام الأخضر حول المدن هو قلة التخصيصات المالية اللازمة، بالإضافة إلى قلة الموارد المائية التي يجب أن توفر لهذه المساحات الشاسعة بسبب الشح المائي الذي يعاني منه البلد خلال العقد الأخير.

وقال الفياض في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية، إن التغيرات المناخية عامل أساسي في زيادة موجات الغبار، وبحسب الإحصائيات المسجلة من قبل الهيئة العامة للأنواء الجوية، ارتفع عدد الأيام المغبرة من 243 يوما إلى 272 يوما في السنة لفترة عقدين من الزمن، ومن المتوقع أن تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة عام 2050، مشيرا إلى أن نحو 70% من الأراضي الزراعية في العراق متدهورة أو مهددة بالتدهور، نتيجة التغيرات المناخية، وبالتالي فقدان الغطاء النباتي الذي يعتبر العامل الرئيس لتثبيت التربة.

وأوضح الفياض أن الأخطار البيئية نتيجة موجات الغبار تؤثر على الجانب الصحي للإنسان، ويعتبر مرضى الجهاز التنفسي مثل مرضى الربو والتحسس وضيق التنفس من أكثر الفئات تأثرا، فضلا عن التأثيرات الاقتصادية على الدولة نفسها من حيث انقطاع الطرق وانعدام الرؤية وحظر الطيران وارتفاع تكاليف الصيانة، خصوصا فيما يتعلق بالخلايا الشمسية.

Iraqi people receive oxygen at a hospital during a sandstorm in Baghdad
الغبار يدفع بالكثيرين للتوجه إلى المستشفيات بسبب إصابتهم بحالات اختناق (رويترز)

ظاهرة اللانينا الدورية

ويعزو المدرس بقسم علوم الجو في الجامعة المستنصرية في بغداد الدكتور عقيل مطر سبب العواصف الترابية إلى الجفاف المصاحب لظاهرة اللانينا الدورية، التي تضرب البلاد منذ سنوات مسببة في جفاف التربة بمناطق الجزيرة غرب الموصل وغرب الأنبار وهلاك النبات الطبيعي في تلك المناطق مما أدى إلى تفكك التربة.

واللانينا هي تغير دوري غير منتظم في الرياح ودرجات الحرارة في المحيط الهادي الاستوائي الشرقي، مؤثرًا على المناخ في الكثير من المناطق الاستوائية وشبه الاستوائية. تُعرف مرحلة الزيادة في درجة حرارة البحر بالنينو، بينما تُعرف مرحلة التبريد بلانينا.

وقال مطر للجزيرة نت إن هذه المناطق تقع في مهب منخفضات العروض الوسطى التي تؤثر على العراق طوال فترة الخريف والشتاء والربيع، وهذه المنخفضات أصبحت جافة نتيجة ظاهرة اللانينا، فكلما تقدم منخفض أثار الغبار وتحول إلى عاصفة رملية، ولا نستطيع التحكم بالطقس والمناخ ولكن نستطيع التحكم بحالة التربة.

ويرى مطر الحلول تأتي من خلال توفير مصدر دائم للمياه في المناطق الباعثة للغبار (غرب منطقة الجزيرة وغرب الأنبار) من أجل إدامة النبات الطبيعي لتلك المناطق، مثل تفعيل مشروع ري الجزيرة الغربي المعتمد على سد الموصل، فضلا عن أهمية العمل على تطوير مواد بيولوجية أو نانوية تعمل على تثبيت التربة في هذه المناطق.

محمد عزا تصاعد العواصف الترابية في السنوات الأخيرة إلى تدهور حالة التربة بمنطقة الصحراء الغربية والبادية (الجزيرة نت)

تدهور تربة البادية

ويرى كبير خبراء الإستراتيجيات والسياسات المائية وعضو هيئة التدريس في جامعة دهوك الدكتور رمضان حمزة محمد أن أسباب تضاعف شدة العواصف الترابية خلال السنوات الأخيرة هي تدهور حالة التربة في منطقة الصحراء الغربية والبادية المحاذية لأراضي سوريا والأردن والسعودية، نتيجة حركة المركبات العسكرية، وكذلك تجفيف الأهوار وتقلص المساحات الزراعية نتيجة شح المياه في عمودي نهري دجلة والفرات.

وقال محمد للجزيرة نت إن هذه العوامل مجتمعة ساعدت في سرعة زحف الكثبان الرميلة نحو المدن، وهنا تكمن أهمية تنفيذ الأحزمة الخضراء لمواجهة خطر ازدياد العواصف الترابية، مشيرا إلى أن شح الموارد المائية في العراق خلال المرحلة المقبلة وفي ظل غياب الأحزمة الخضراء حول المدن ستتسبب في ارتفاع عدد الأيام المغبرة، ومن المتوقع أن تصل إلى 300 يوم مغبر في السنة عام 2050، وذلك لأن أكثر من 70% من الأراضي الزراعية في العراق متدهورة أو مهددة بالتدهور، يضاف إليها التغيرات المناخية، وبالتالي فقدان الغطاء النباتي الذي يعتبر العامل الرئيس لتثبيت التربة.

ومن جهته يعرف خبير البيئة المهندس ثائر يوسف التصحر بأنه ضعف في قدرة التربة على توفير المياه اللازمة لحياة النباتات بسبب قلة الأمطار أو انعدامها وارتفاع درجات الحرارة، خاصة الغطاء النباتي مثل الأعشاب والشجيرات الصغيرة التي تعمل على تبريد سطح التربة ومسك حبيباتها بواسطة جذور هذه النباتات، لأن موتها يؤدي إلى انجراف حبيبات التربة وتصاعدها مع الرياح لتكون العواصف الترابية.

ويجد يوسف الحلول للحد من هذه الظاهرة في حديث للجزيرة نت بالعمل على إعادة الغطاء النباتي من خلال زراعة هذه النباتات وسقيها بمنظومات مياه متنقلة وبطرق الرش بشكل أمطار، وزراعة الأحزمة النباتية بشكل خطوط من أغلب الأشجار التي تتحمل الجفاف بدرجة كبيرة، فضلا عن توعية المواطنين عن أسباب التصحر وكيفية مقاومته ومعرفة أضراره وتشجيعهم على زراعة الأشجار.

الآثار الصحية

وعادة ما تعلن وزارة الصحة عن دخول المئات من المواطنين خاصة المصابين بالأمراض التنفسية إلى المستشفيات بسبب العواصف الترابية، حيث يؤدي ذلك إلى الضغط على المشافي وعلى الكوادر الطبية واستهلاك الكثير من الأكسجين.

وفي هذا الصدد يقول مدير قسم تعزيز الصحة في وزارة الصحة الدكتور هيثم العبيدي أن العواصف الترابية تصيب من يعانون من أمراض الربو وحساسية القصبات والجيوب الأنفية، وعليهم الالتزام بالوقاية ومنها استخدام الكمامة بشكل مضاعف.

وبين العبيدي للجزيرة نت أن ازدياد حالة ضيق التنفس بسبب الغبار يزيد الضغط على ردهات الطوارئ في المستشفيات، لذلك هناك ضرورة بالتزام المريض بتعليمات طبيبه الخاص وتجهيز جهاز التبخير الشخصي في المنزل لاستخدامه في حالات الطوارئ لحين وصوله إلى المستشفى.

وتوصي مديرية الدفاع المدني بإرشادات للمواطنين للحد من تأثير العواصف الترابية والغبار، تشمل الإقلال من الحركة على الطرق التي تشهد غبارا كثيفا قدر المستطاع.

عاصفة ترابية مع ساعات الصباح الأولى في بغداد (الجزيرة نت)

عابرة للقارات

وقد أكد خبير جوي في هيئة الأنواء الجوية أن التوقع المستقبلي بالأرقام قد يكون فيه نوع من المبالغة، إذ من غير الممكن التنبؤ بالمتغيرات خلال السنوات المقبلة، ولكن ربما اعتمدت وزارة البيئة على إحصائيات نظرية، لأن توقعات هبوب العواصف تأتي قبل يوم أو يومين من وقوعها، لكن لا يمكن إنكار تزايد العواصف الترابية بشكل لافت.

وقال الخبير الجوي الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب إدارية، للجزيرة نت، إن ازدياد العواصف الترابية أصبح واقعا ملموسا، وهي تهب من مصادر محدودة ومشخصة سابقا على مساحات معينة، ومنها الصحارى والمناطق المهجورة، وهذه المساحات، وفي السنوات الأخيرة، بدأت تمتد بشكل كبير حتى وصلت إلى البادية السورية، لأن أغلب الرياح تكون شمالية غربية عند المنخفضات الجوية تتصادم مع مرتفعات جوية متمركزة على العراق فيحدث انحدار أو جهد عال يولد نشاط الرياح الذي يؤثر على مصادر الغبار في الهضبة الغربية من جهة الأنبار وجنوب الموصل والبادية السورية، حيث أصبحت هذه المناطق بؤرة للغبار لأقل ارتفاع بسرعة الرياح.

إحدى كليات الجامعة المستنصرية في بغداد وقد غطاها الغبار (الجزيرة نت)
طلبة الجامعة المستنصرية في بغداد خلال مقاومتهم لعاصفة رملية (الجزيرة نت)

ويرى الخبير الجوي أن الحل الأمثل يكون عبر تنفيذ مشروع الأحزمة الخضراء، المعتمد حكوميا وغير منفذ حتى الآن، ويمكن تنفيذه بطرق الاستثمار.

والحزام الأخضر عبارة عن مصدات خضراء، منها أشجار الكالبتوس والصفصاف والأثل وغيرها من تلك التي تستطيع تحمل الجفاف وملوحة الأرض، إذ تزرع المصدات بشكل متداخل وعلى شكل صفوف في مناطق هبوب الرياح الصحراوية حول المدن للتخفيف من حدتها وتأثيراتها السلبية على البيئة والسكان.

وفي وقت سابق أعلنت وزارة البيئة العراقية عن إعدادها رؤية تمتد 10 سنوات بمشاركة خبراء دوليين لمواجهة تحدي التغيرات المناخية وتقليل أضرارها، مؤكدة أن التطرف المناخي يقف وراء التغيرات في بعض المناطق على شكل سيول وفيضانات وجفاف وتصحر.

ويأمل أحمد حيدر أن تجد الجهات المختصة حلولا ناجعة للقضاء على الظاهرة أو الحد منها، لكي لا يضطر لدخول المستشفى كلما هبت عاصفة ترابية، ويتمكن من الوصول إلى مدرسته ومواصلة حياته، طالما لم يجد ومثله الكثير في العراق والعالم علاجا نهائيا للربو الذي يعاني منه.

المصدر : الجزيرة