جليد جبال الألب يحافظ على 10 آلاف عام من تاريخ مناخ الأرض

يعود تاريخ اللب الجليدي لجبال الألب إلى 10 آلاف عام (جامعة كا فوسكاري)

على جانب جبل على قمة الأراضي القاحلة المتجمدة لأرخبيل سفالبارد النرويجي (Norway’s Svalbard archipelago)، يوجد "قبو يوم القيامة" في القطب الشمالي، وهو مرفق يحوي ما يقرب من مليون عينة من البذور من كل بلد تقريبا على وجه الأرض.

تم تصميم بنك سفالبارد العالمي للبذور للحفاظ عليها في مأمن من الحرب النووية أو أي كارثة عالمية أخرى، كما تم إنشاء قبو آخر في مكان قريب، ولكن بدلاً من تخزين البذور تم بناء مكتبة ضخمة لضمان بقاء أهم الكتب والوثائق والبيانات في العالم.

مشروع ذاكرة الجليد

لا يقتصر الأمر على البذور المحفوظة في القطبين، فالعلماء أيضا يحتفظون بأكوام من الجليد القديم لدراستها فيما بعد، حيث تم استخراج أقدم جليد في منطقة الألب بنجاح، وهو جاهز للتخزين في القارة القطبية الجنوبية.

ومما يجعل حفظ وتخزين هذا الجليد مهما للغاية هو تاريخ المناخ الذي يسجله، حيث يعود تاريخ اللب الجليدي لجبال الألب إلى 10 آلاف عام، مما يمنح الباحثين نظرة ثاقبة لا تقدر بثمن حول كيفية تغير البيئة خلال تلك الفترة الزمنية.

هذه الخطوة هي جزء من مشروع دولي مستمر يسمى "ذاكرة الجليد" (Ice Memory)، يهدف إلى الحفاظ على هذه القطع الأثرية الطبيعية قبل أن يتسبب الاحتباس الحراري وذوبان الجليد في اختفائها، ويعد استخراج عينات من جبال الألب أمرا مهما للمشروع.

"كانت المهمة ناجحة: فقد حصل الفريق على لُبّين جليديين يزيد عمقهما على 80 مترا من موقع مهم جدا، يحوي معلومات عن مناخ آخر 10 آلاف عام"، كما يقول كارلو باربانت أستاذ الكيمياء التحليلية في جامعة كا فوسكاري (Ca’ Foscari University) في فينيسيا بإيطاليا.

ويضيف باربانت في البيان الصحفي المنشور على موقع الجامعة بتاريخ 10 يونيو/حزيران الجاري، "لقد عمل الفريق بشكل جيد على الرغم من الظروف الجوية القاسية، من هبوب الرياح والثلوج القوية. والآن سيتم الاحتفاظ بهذا الأرشيف الثمين لتاريخ مناخ جبال الألب للمستقبل".

حصل الفريق على لُبّين جليديين يزيد عمقهما على 80 مترا (جامعة كا فوسكاري)

ثاني أكبر نهر جليدي

واستغرق استخراج الجليد من قِبل الباحثين 5 أيام على ارتفاع 4500 متر في نهر "كولي جنيفيتي" (Colle Gnifetti ) الجليدي، وقد اتخذ الفريق مخيم البحث العلمي "كابانا مارغريتا" (Capanna Margherita) الذي تم إنشاؤه منذ 128 عاما، مقرا له، وهو يعد الأكثر ارتفاعا في أوروبا.

النهر الجليدي الذي تم أخذ الجليد منه هو ثاني أكبر نهر جليدي في منطقة الألب، بمساحة إجمالية تبلغ حوالي 40 كيلومترا مربعا، ويقدر العلماء أنه منذ منتصف القرن الـ19 فقد الجبل الجليدي حوالي 40% من مساحته الإجمالية.

وبعبارة أخرى، فإن عينات الجليد هذه التي يُعتقد أنها لم تتعرض للذوبان طوال 10 قرون، قد تم استخراجها في الوقت المناسب، وتعد هذه هي المهمة الثالثة التي تقوم بها "ذاكرة الجليد" في جبال الألب.

من المقرر الانتهاء من الكهف الثلجي -منشأة التخزين في القارة القطبية الجنوبية- عام 2022 (جامعة كا فوسكاري)

كهوف تخزين جليد آمنة

يقول فابيو ترينكاردي مدير قسم علوم نظام الأرض والتقنية البيئية في المجلس الوطني الإيطالي للبحوث (Italian National Research Council) "إذا فقدنا أرشيفات مثل هذه، فسوف نفقد تاريخ تغيير البشرية للمناخ"، ويضيف "دعونا نحافظ عليها حتى يتسنى للأجيال القادمة دراستها عندما نرحل".

وتم إطلاق مشروع "ذاكرة الجليد" عام 2015 من قبل علماء جليد فرنسيين وإيطاليين وسويسريين، وقد تعاونت مع علماء ومجموعات بحثية من جميع أنحاء العالم في محاولة للحفاظ على لب الجليد من أجل الدراسة المستقبلية، مع توفر الأبحاث اللاحقة في قاعدة بيانات متاحة للاطلاع.

وتتوقع المنظمة أنه بحلول نهاية القرن لن يكون لدينا المزيد من الأنهار الجليدية المتبقية تحت 3500 متر في جبال الألب، و5400 متر في جبال الأنديز، وهو ما يمثل كثيرا من الأدلة العلمية التي كان من الممكن فقدانها بسبب الاحتباس الحراري.

تم إطلاق مشروع "ذاكرة الجليد" عام 2015 (جامعة كا فوسكاري)

من المأمول أن يتم الانتهاء من "الكهف الثلجي" -منشأة تخزين في القارة القطبية الجنوبية، تقع في محطة أبحاث كونكورديا الفرنسية الإيطالية- بحلول عام 2022. وحيث إن متوسط درجة الحرارة فيه 54 درجة مئوية تحت الصفر، فإن الكهف لن يتطلب أي مصدر للطاقة، وسيكون في مأمن من الاحترار المستقبلي في جميع أنحاء الكوكب.

تقول تزيانا ليبييلو عميدة جامعة كا فوسكاري في فينيسيا "مناخنا في حالة طوارئ، ولمواجهة هذه الأزمة، نحتاج إلى فهم الأسباب وإيجاد الحلول الممكنة، لذا فإن البحث والتوعية ضروريان".

المصدر : ساينس ألرت + مواقع إلكترونية