زراعة النباتات في الفضاء ليست بالأمر الهيّن.. فكيف تنفذها ناسا؟

"زينيا" هي أول زهرة تتفتح في الفضاء (ناسا)

كلما توغّل البشر في الفضاء، زادت الحاجة إلى الحصول على نباتات من كوكب الأرض سواء لأسباب نفسية أو صحية؛ فقد أوصت دراسات عديدة بأهمية تناول 5 حصص من الخضراوات والفاكهة يوميا للحفاظ على صحة جيدة.

وفي عصر الاكتشافات الجغرافية أودى مرض الإسقربوط -الناجم عن نقص فيتامين "سي" (C)- بحياة كثير من البحارة في الرحلات البحرية الاستكشافية التي كانت تستغرق زمنا طويلا.

واليوم تبحث وكالة "ناسا" (NASA) الفضائية عن سبل لتوفير المغذيات الكافية لرواد الفضاء في المهمات الفضائية الطويلة الأمد من خلال زراعة الفاكهة والخضراوات الطازجة في محطة الفضاء الدولية، بيد أن زراعة النباتات في بيئة مغلقة تنعدم فيها الجاذبية ولا يبلغها ضوء الشمس ليست بالأمر الهيّن.

وفي الوقت الحالي، يعتمد رواد الفضاء على متن محطة الفضاء الدولية على الوجبات المعبّأة والمجففة بالتجميد لتلبية احتياجاتهم الغذائية. ولكن الوجبات المعبأة قد تفقد محتواها من الفيتامينات عند تخزينها مدة طويلة، وهذا يمثل تحدّيا لرواد الفضاء الذين يمضون شهورا أو سنوات في مهمات لسبر أغوار الفضاء.

زراعة المحاصيل على متن المركبات الفضائية وعلى ظهر الكواكب الأخرى توفر الغذاء لرواد الفضاء (ناسا)

نظام "فيجي"

وقد طوّرت وكالة "ناسا" نظاما لإنتاج الخضراوات على متن محطة الفضاء الدولية يطلق عليه "فيجي" (Veggie)، وهو عبارة عن وحدة في حجم حقيبة الأمتعة تحوي عادة 6 أنواع مختلفة من النباتات.

وتُثبّت البذور على أعواد صغيرة باستخدام صمغ الغوار الطبيعي، وتوضع داخل أكياس تسمى الوسائد، وتتضمن كل وسادة وسطا لنمو النباتات من الطين المكلس والسماد.

وتساعد هذه الوسائد على توزيع المياه والمغذيات والهواء حول الجذور بكميات مناسبة ومتوازنة، لئلا تغرق في المياه. وتتضمن الوحدات مصابيح ذات صمام ثنائي باعث للضوء "LED" تنتج ضوءا ملونا يناسب نمو النباتات.

وقد نجحت ناسا في زراعة طائفة متنوعة من النباتات باستخدام نظام إنتاج الخضراوات، مثل الخس والكرنب والخردل والكيل الأحمر الروسي وأزهار الزينيا.

ويجمع رواد الفضاء نصف الثمار لاستهلاكها بعد تعقيمها، ويجمّدون النصف الآخر ويعبّئونه ويرسلونه إلى الأرض لإجراء الفحوص اللازمة.

وحتى الآن أثبتت نتائج الفحوص أن العينات التي زرعت في محطة الفضاء الدولية خالية من الملوثات، مثل الميكروبات والبكتيريا المضرّة، وأنها آمنة للاستهلاك البشري.

ويجري العلماء في "مركز كينيدي للفضاء" (Kennedy Space Center) في فلوريدا التابع لوكالة ناسا أبحاثا لزراعة المحاصيل الغنية بمضادات الأكسدة، مثل التوت وبعض أنواع الحبوب، في الفضاء لمنح رواد الفضاء على متن المحطة الحماية اللازمة من الإشعاعات الفضائية.

البذور توضع في حاويات تحتوي على مصابيح بصمامات ثنائية باعثة للضوء (ناسا)

موائل النباتات المتطورة

وعلى غرار نظام إنتاج الخضراوات، تستخدم موائل النباتات المتطورة (Advanced Plant Habitat) مصابيح ذات الصمام الثنائي الباعث للضوء، وتتضمن وسطا مساميا من الطين لإطلاق المياه والمغذيات والأكسجين لجذور النباتات بكميات متوازنة.

ولكن الفرق بينهما أن هذه الوحدات مغلقة، وتُوزع فيها المياه، وتُنظم مستويات الضغط والرطوبة ودرجة الحرارة آليا باستخدام أجهزة استشعار وكاميرات في الداخل.
ويأمل الباحثون أن تسهم هذه الوحدات في فهم العلاقة بين انعدام الجاذبية و"الليغنين" الذي يضطلع بدور مهم في تشكيل جدران خلايا النباتات، ولا سيما في اللحاء والخشب، وكثيرا ما يُشبّه الليغنين بأنه بمنزلة العظام للبشر، فهو يمنح النباتات الصلابة ويساعدها على مواجهة الجاذبية.

ويجري الباحثون دراسات على تعديل النباتات وراثيا لتقليل محتواها من الليغنين في الفضاء حتى تتحمل انعدام الجاذبية، وربما تكتسب النباتات التي تنمو في الفضاء فوائد إضافية، منها تعزيز امتصاص المغذيات منها وتسهيل تحلل النفايات النباتية عند تحويلها إلى سماد. ويجري الفريق أيضا أبحاثا عن تأثير نوعية الضوء في غلة المحاصيل وقيمتها الغذائية ومذاقها سواء على الأرض وفي الفضاء.

فوائد إضافية

لن توفر هذه الوحدات لرواد الفضاء الخضراوات والفاكهة الطازجة التي يحتاجون إليها بشدة في المهمات الفضائية الطويلة الأمد فحسب، بل ستسهم أيضا في تحسين صحتهم النفسية؛ فالاعتناء بالنباتات الخضراء وتناول ثمارها الطازجة قد يترك في النفس أثرا إيجابيا ويهوّن البقاء في هذه البيئة المغلقة القاسية والمفعمة بالضغوط.

ويأمل فريق مركز كينيدي أن يصبح نظام زراعة الخضراوات "فيجي" جزءا لا يتجزأ من الحياة على متن محطة الفضاء الدولية والمستعمرات البشرية على كوكب المريخ.

المصدر : ناسا