لا فيا كامبيسينا: السيادة الغذائية تعتمد على صغار المزارعين والبذور والأساليب المحلية

حركة "لا فيا كامبيسينا" العالمية تناضل من أجل تحقيق السيادة الغذائية للشعوب (الأوروبية)

هل يمكن أن تكون برامج الأمم المتحدة للغذاء قد أخطأت بتركيزها حول الأمن الغذائي؟ هذا ما تطرحه حركة "لا فيا كامبيسينا" (La via Campesina) العالمية وتعني "طريق المزارع"، وهي حركة تناضل من أجل تحقيق السيادة الغذائية لاعتقادها بأن طريق الأمن الغذائي مسدود.

ربع قرن من النضال من أجل سيادة غذائية

برزت منظمة "طريق المزارع" كحركة عالمية داعية للسيادة الغذائية ومعارضة ومناوأة لما يعرف بسياسات "الأمن الغذائي" في منتصف التسعينيات من القرن الـ20 المنصرم كنتيجة حتمية لانتشار مظاهر الفقر والجوع في العالم وتدهور أوضاع المزارعين والفلاحين وصعود الفكر الليبرالي المهيمن.

وتم الإعلان عن إنشاء هذه المنظمة في مايو/أيار عام 1993 خلال مؤتمر احتضنته مدينة مون البلجيكية، ومقرها الرئيسي حاليا بمدينة هراري بزيمبابوي.

اختارت المنظمة 16 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام تاريخا للاحتفال باليوم العالمي للسيادة الغذائية (لا فيا كامبيسينا)

ومنذ ذلك الحين، تعقد الحركة جمعيتها العامة كل 4 سنوات، آخرها كانت في يوليو/تموز 2017 بإقليم الباسك شمال إسبانيا، وهي اليوم حاضرة في حوالي 81 بلدا؛ حيث تضم نحو 200 مليون منخرط يمثلون 182 منظمة.

أما مصطلح "السيادة الغذائية" (Food Sovereignity) فهو مصطلح تم إطلاقه من طرف منظمة لا فيا كامبيسينا خلال القمة العالمية للتغذية التي عقدت بروما في الفترة الممتدة ما بين 13 و15 نوفمبر/تشرين الثاني 1996، وقد اختارت المنظمة 16 أكتوبر/تشرين الأول من كل عام تاريخا للاحتفال باليوم العالمي للسيادة الغذائية.

ويعتقد أصحاب هذه الحركة أن السيادة الغذائية هو مفهوم فلسفي ونظرة صائبة لما يجب أن يكون عليه عالم الفلاحة الذي يعتمد بالدرجة الأولى على المزارعين والفلاحين الصغار الذين ورثوا مهنتهم أبا عن جد طوال قرون، وليس على مخابر إنتاج البذور ومعامل صنع المبيدات والأسمدة التي دمرت الأراضي وقوضت صحة الإنسان.

صغار المزارعين والمستهلكين هم في قلب مفهوم السيادة الغذائية وليس الشركات التجارية والأسواق العالمية (أنسبلاش)

ركائز السيادة الغذائية

ووفق ما جاء بالبيان الصحفي -الذي أصدرته المنظمة في 18 أكتوبر/تشرين الأول الجاري احتفالا بالذكرى الـ25 لتأسيسها، والمنشور على موقع "كومون دريمز" (Common Dreams)- فإن السيادة الغذائية هي "حق الشعوب في تغذية صحية، ومناسبة للثقافة الفلاحية لكل بلد، يتم إنتاجها بطرق إيكولوجية نظيفة ومستدامة، وبصورة تسمح لكل مزارع في العالم بممارسة عمله بالطريقة التي يعرفها ويريدها.

كما يدعو مفهوم السيادة الغذائية منتجي الغذاء ومستهلكيه والمشرفين على توزيعه ليكونوا في قلب سياسات الغذاء وليس الشركات التجارية والأسواق العالمية".

ويرتكز مفهوم السيادة الغذائية على 3 ركائز أساسية، الركيزة الأولى تشجيع الأساليب الفلاحية المحلية التي يمتاز بها كل بلد ويقابله في ذلك رفض السياسات الزراعية التي تأتي من الخارج والتي تعتبر غير مناسبة للثقافة الزراعية المحلية.

الركيزة الثانية هي دعم وتوسيع الفلاحة الإيكولوجية وذلك من خلال استعمال البذور المنتجة محليا، وليس التي يتم استيرادها من المخابر الأجنبية والتي تكون غالبا محورة جينيا، مع الاعتماد على الأسمدة البيولوجية التي تضمن محاصيل زراعية صحية ونظيفة.

أما الركيزة الثالثة فهي إعطاء الأولوية للفلاح الصغير من خلال تقديم الدعم اللازم الذي يحتاجه، وتوفير كل التسهيلات التي يطلبها خاصة فيما يتعلق بالحصول على الأراضي وضمان توزيع منتجاته دون عراقيل وهي المشكلة التي تعاني منها الكثير من الدول المتخلفة.

"لا فيا كامبيسينا" ترى أن سياسة "الفاو" لا تضمن الأمن الغذائي وتشكل خطرا على شعوب العالم ومستقبلهم (رويترز)

سيادة غذائية أم أمن غذائي؟

عُرّف مصطلح "الأمن الغذائي" (Food Security) خلال المؤتمر العالمي للغذاء الذي تم عقده لأول مرة في نوفمبر/تشرين الثاني 1974 من طرف منظمة الأغذية والزراعة، وقد كان المصطلح من أهم مخرجات هذا المؤتمر.

وبحسب منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" (FAO) فإن الأمن الغذائي هو مدى توفر الغذاء الكافي خلال كل الأوقات، وقد حددت له 3 ركائز أساسية وهي التوافر، والقدرة على الحصول عليه والاستقرار.

وبالرغم من أن منظمة "الفاو" قد ركزت على أهمية أن يكون الغذاء صحيا وذا قيمة غذائية متنوعة ومتوازنة، إلا أن أصحاب "لا فيا كامبيسينا" يرون أن السياسة العالمية التي تنتهجها "الفاو" لا تضمن الأمن الغذائي وهي تشكل خطرا على شعوب العالم ومستقبلهم.

مفهوم الأمن الغذائي ينظر إلى الأشخاص الذين يعانون من الجوع كأنهم قُصَّر (رويترز)

ويعتقد أصحاب المبادرة أن السياسات العالمية للغذاء تشجع على الإنتاج بأية وسيلة كانت، حيث تسمح باستعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية والبذور المعدلة جينيا، وهو ما يشكل خطرا على صحة الإنسان كما أنها تجعل الدول الفقيرة غير مستقلة اقتصاديا وتغرقهم في تبعية اقتصادية لا نهاية لها.

وحسب بيان المنظمة فإن مصطلح "الأمن الغذائي" ينظر إلى الأشخاص الذين يعانون من الجوع كأنهم القُصَّر الذين يستفيدون من غذاء يتم إنتاجه في الدول الغربية و"يعترفون بالأمن الغذائي كحق إنساني أساسي ولكنهم لا يدافعون عن الشروط الضرورية لإنتاج الغذاء، من ينتج؟ ولمن؟ وكيف؟ ولماذا؟ وكل هذه الأسئلة غائبة ولكن لا جهود مركزة حول كيف نغذي الفقراء؟".

ومن ثم، بدلا من تقديم تسهيلات لاستيراد البذور المهجنة بأثمان غالية، يتطلع أصحاب "طريق المزارع" إلى إرساء فلاحة بيولوجية من خلال تشجيع الإنتاج المحلي الذي يعتمد على الأساليب الصحية.

حضور حركة "السيادة الغذائية" في الوطن العربي لا يزال غير واسع (ويكيميديا)

حضور عربي في 3 دول

حضور حركة "طريق المزارع" في الوطن العربي لا يزال غير واسع؛ حيث نجدها في 3 دول فقط، وهي المغرب الممثلة من طرف "الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي" (FNSA)، وفلسطين التي يمثلها "اتحاد لجان العمل الزراعي" (UAWC)، وتونس الممثلة في "جمعية المليون ريفية" (MRW).

وتقول تركية شايبي -وهي رئيسة جمعية المليون ريفية- في تصريح للجزيرة نت عبر الهاتف إن "التمثيل العربي في هذه الحركة لا يزال مقتصرا على 3 دول، لكننا نتوقع أن يتوسع التمثيل ليشمل قريبا دولا من شمال أفريقيا كموريتانيا مثلا".

وأضافت محدثتنا تقول -حول أهداف هذه الحركة وإسقاطاتها في تونس- إننا "نناضل من أجل تشجيع الزراعة البيولوجية، والحفاظ على جينات بذورنا من أجل تحقيق السيادة الغذائية. وتونس تحتل المرتبة الرابعة عالميا في إنتاج زيت الزيتون وهذا أمر مشجع، لكن مع الأسف فإن أشجار الزيتون التي نقوم بغرسها نستوردها من إسبانيا وهي غير مناسبة لتربتنا لأنها تستهلك الكثير من المياه، وهذا يجعلنا تابعين ولسنا سادة غذائنا". ورغم ذلك فقد حققت تونس تقدما معتبرا في مجال الحفاظ على الجينات من خلال إنشائها لبنك الجينات عام 2011، كما تؤكد محدثتنا.

المصدر : مواقع إلكترونية