بطاريات حية تتنفس.. اكتشاف الجزيء السري الذي يسمح للبكتيريا بإنتاج الكهرباء

يعرف العلماء حاليا كيفية التعامل مع الأسلاك النانوية الميكروبية لجعلها أقوى وأكثر قدرة على التوصيل (بيكسابي)

التنفس كما نعرفه هو قدرة الرئتين على امتصاص الهواء الغني بالأكسجين في عملية الشهيق، وإطلاق الهواء المحمل بثاني أكسيد الكربون إلى خارج الجسم في عملية الزفير.

وبالنسبة للبكتيريا التي ليست لها رئة، يكون تنفسها أكثر تعقيدا مما هو عليه بالنسبة للإنسان، فقد تبتلع البكتيريا نفايات عضوية وتخرج إلكترونات، وتولد تيارا كهربائيا صغيرا في هذه العملية.

في دراسة نُشرت يوم 17 أغسطس/آب الماضي في دورية "نيتشر كيميكال بيولوجي" (Nature Chemical Biology)، اكتشف باحثون أميركيون كيفية دمج هذه الطاقة المتجددة في شبكة طاقة ميكروبية قوية، وهم يأملون في استخدامها لتوليد الكهرباء في خلايا الوقود مستقبلا.

بكتيريا مثيرة للإعجاب

"جيوباكتر" (Geobacter) هي نوع من البكتيريا التي تعيش في ظروف قاسية داخل فوهات البراكين أو في أعماق سحيقة في بقاع المحيط أو حتى داخل أمعاء البشر. وتتنفس الجيوباكتر لاهوائيا، وتستخدم الفلزات المتوافرة كمستقبلات للإلكترونات، وتتمتع بقدرات تجعلها مفيدة في الطب الحيوي.

تحتاج الإلكترونات المنتجة بواسطة هذه البكتيريا دائما إلى مكان ما للذهاب إليه (عادة إلى معدن وفير تحت الأرض مثل أكسيد الحديد)، ولدى الجيوباكتر أداة غير تقليدية للتأكد من وصولها إلى هناك.

قال نيخيل مالفانكار الأستاذ المساعد في معهد العلوم الميكروبية بجامعة ييل في ولاية كونيتيكت الأميركية، لموقع "لايف ساينس" (Live Science)، "تتنفس الجيوباكتر من خلال ما هو في الأساس أنبوب تنفس عملاق، يزيد على حجمها بمئات الأضعاف".

يسمى أنبوب التنفس بالسلك النانوي، وعلى الرغم من أن هذه الخيط الدقيق الموصل أصغر مئة ألف مرة من عرض شعرة الإنسان، فإنه قادر على نقل الإلكترونات مسافات تصل من مئات أضعاف طول خلية الجيوباكتر إلى آلاف الأضعاف.

تعتبر الأسلاك النانوية -التي تسمح للبكتيريا بالتنفس في غياب الأكسجين- ضرورية للحفاظ على الخلايا حية، وبفضل هذا التكيف، تعد جيوباكتر من أكثر أجهزة التنفس إثارة للإعجاب على وجه الأرض.

الجزيء السري

باستخدام تقنيات الفحص المجهري المتقدمة، كشف الباحثون النقاب عن "الجزيء السري" الذي يسمح لبكتيريا جيوباكتر بالتنفس، ووجدوا أنه من خلال تحفيز المستعمرات البكتيرية بمجال كهربائي، فإنها تستطيع توصيل الكهرباء بكفاءة أعلى ألف مرة مما تفعله في بيئتها الطبيعية.

السؤال الكبير الذي أثار حفيظة مالفانكار وزملاءه هو: كيف يمكن للميكروبات الموجودة في الطابق 100 من مبنى شاهق -على حد تعبيره- إطلاق الإلكترونات على طول الطريق إلى أسفل الكومة، ثم إخراج زفير الإلكترونات من خلال سلك نانوي بفعالية على مسافة تتعدى طول جسم الميكروب الأصلي آلاف المرات؟

قال مالفانكار إن مثل هذه المسافات "لم تُرَ من قبل" في التنفس الميكروبي، وهي تؤكد على مدى تميز الجيوباكتر عندما يتعلق الأمر بالبيئات القاسية".

عند تحفيز جيوباكتر بواسطة مجال كهربائي فإنها تنتج نوعا غير معروف من الأسلاك النانوية المصنوعة من بروتين خاص (بيكسابي)

لاكتشاف أسرار هذه الأسلاك النانوية، حلل مؤلفو الدراسة الجديدة مستعمرات الجيوباكتر باستخدام طريقتين من التقنيات المتطورة: الأولى تسمى الفحص بمجهر القوة الذرية العالي الدقة، الذي يجمع معلومات مفصلة حول بنية الأسلاك النانوية عن طريق لمس سطحها بمسبار ميكانيكي شديد الحساسية.

ومن خلال التقنية الثانية المسماة بالتحليل الطيفي باستخدام الأشعة تحت الحمراء، حدد الباحثون جزيئات معينة في الأسلاك النانوية.

قال كبير الباحثين في الدراسة سيبيل إبرو يالسين، عالم الأبحاث في نفس المعهد -لموقع "لايف ساينس"- "باستخدام هاتين الطريقتين، رأى الباحثون بصمة فريدة لكل حمض أميني في البروتينات التي تشكل الأسلاك النانوية المميزة للجيوباكتر".

ووجد الفريق أنه عند تحفيز البكتيريا بواسطة مجال كهربائي، تنتج نوعا غير معروف سابقا من الأسلاك النانوية المصنوعة من بروتين يسمى "أو إم سي زد" (OmcZ)، يخلق أسلاكا نانوية توصل الكهرباء بسرعة تصل إلى أكثر من ألف مرة مقارنة بالأسلاك النانوية النموذجية التي تنتجها الجيوباكتر في التربة، مما يسمح للميكروبات بإرسال الإلكترونات لمسافات غير مسبوقة.

قال مالفانكار "كان من المعروف أن البكتيريا يمكنها إنتاج الكهرباء، لكن لم يعرف أحد التركيب الجزيئي.. أخيرا، وجدنا هذا الجزيء".

يأمل الباحثون في استخدام طاقة تنفس البكتيريا لتوليد الكهرباء في خلايا الوقود (إم إف سي جيه 2010-ويكيبيديا)

بطاريات حية تتنفس

يرى الباحثون أن فهم هذه التعديلات الكهربائية يمكن أن يكون خطوة حاسمة في تحويل مستعمرات جيوباكتر إلى بطاريات حية تتنفس. وقال مالفانكار "نعتقد أن هذا الاكتشاف يمكن أن يستخدم في صنع الإلكترونيات من البكتيريا الموجودة تحت قدميك".

ومع هذا البحث الجديد، يعرف العلماء حاليا كيفية التعامل مع الأسلاك النانوية الميكروبية لجعلها أقوى وأكثر قدرة على التوصيل.

وعلى الرغم من أننا ما زلنا بعيدين عن شحن أجهزتنا الشخصية المحمولة باستخدام حفنة من البكتيريا، لكن قوة الشبكة الكهربائية المجهرية المكتشفة حديثا أصبحت أسهل قليلا في الفهم.

وقال مالفانكار إن "هذه المعلومات يمكن أن تجعل إنتاج الإلكترونيات الحيوية أرخص وأسهل على حد سواء، ونأمل أن تكون إيذانا بجيل جديد من البطاريات الصديقة للبيئة التي تعمل بالبكتيريا".

المصدر : الصحافة الأسترالية